بقلم: عمار نزال
يقول الفيلسوف الفلسطيني محمود درويش : " كلما خُيِّلَ لنا أن صورة فلسطين إنتقلت من مكانتها المقدسة إلى سياق العادي ، فاجَأَتنا بقدرتها الفذة على إيقاظ معناها الخالد ، ببعديه الروحي و الزمني ، من نعاس تاريخي عابر ، من دمها يشرق إسمها من جديد ، مرجعية و بوصلة ، فلا ماضي للقلب إلا على أسوار القدس و لا طريق إلى الغد إلا عبر أزقتها الضيقة " .
و اليوم جاءت المقدسية شيرين أبو عاقلة كما كل الشهداء و الأسرى و الفدائيين .. جاءت شيرين لتنقل صورة المشهد الفلسطيني من سياق العادي إلى مكانته المقدسة على منابر الأمم ، كل من ينظر في وجه شيرين المألوف .. و كل من يستمع لصوتها الإعلامي الصادق ، يدرك أنها وَحَّدَت المشهد الفلسطيني مجددا ، بخبر لم يصغه قلمها أو يصدح به صوتها ، إنما بخبر كانت كينونتها عنوانه ، خبر إستشهادها برصاص الحقد الصهيوني .
ليس مهما عند الإحتلال هويتك المهنية أو ديانتك أو إنتماؤك السياسي .. المهم أن الكل الفلسطيني مستهدف برصاص البطش الصهيوني .
شيرين ولدت في القدس الشريف و إستشهدت على أرض مخيم جنين البطولة ، هذا المخيم الذي عايشت شيرين معركته الأسطوريه عام 2002 و نقلت للعالم مجازر الإحتلال الصهيوني و شموخ إرادة الفلسطيني في آن واحد ، و بعد عقدين من الزمن إستشهدت شيرين على أرض المخيم أثناء تأديتها واجبها المهني الوطني ، هذا الواجب المقدس الذي أدته شيرين على مدار خمسة و عشرين عاما كمراسلة لقناة الجزيرة ، و بغض النظر عن وجهة نظرنا السياسية بقناة الجزيرة ، إلا أن الكل يجمع أن شيرين الفلسطينية أدت رسالتها بكل صدق وسط كل المخاطر و أوصلت صوت شعبها و عدالة قضيته لكل العالم .
ليس مهما ما هي ديانة شيرين ، فهذه أرض الرسالات السماوية ، و الإيمان الحتمي هنا هو بقدسية الثورة ضد الإحتلال الصهيوني على أرض الأنبياء و الرسل .. أرض الإسراء و المعراج للرسول محمد عليه الصلاة و السلام و مهد المسيح عيسى إبن مريم عليهما السلام ، فالكنائس و المساجد معا كانت مأوى المطارد الفلسطيني الذي يلاحقه جيش الإحتلال في الإنتفاضة الأولى و الثانية ، و لم يسأل يوما رجال الدين عن ديانة المطارد .. بل تحصن المسيحي بالمسجد و المسلم بالكنيسة .. فالله واحد و عقيدة الفدائي راسخة ضد العدو الصهيوني .
في كل بيت فلسطيني هذا اليوم كان هناك ألم و غصة و غضب و حزن على إستشهاد شيرين ، و كأن إستشهادها جاء ليوقظ ضمير صدق الإنتماء لدى الوعي الجمعي الفلسطيني ، اليوم توحدت فلسطين في وداع شيرين ، كل الإنتماءات السياسية هتفت لها ، و كل المواقع الجغرافية إستوحشت لفراقها ، و علم فلسطين الواحد و الأوحد كان الكفن لجثمانها الطاهر .. و أصوات مآذن المساجد و أجراس الكنائس إمتزجت في وداعها .
شكرا شيرين .. شكرا لكل العطاء الإعلامي اللا متناهي ، شكرا لإنسانيتك ، شكرا لإنتمائك الصادق ، شكرا لجذورك الكنعانية العربية الأصيلة ، شكرا لغيابك المفجع الحزين الذي أزال الرماد عن لهيب الثورة المتقد ، ليقول لكل العالم بأن صوت الحقيقة لن يندثر مهما إستوحش بطش المحتل ، و بأن لنا وطن خلف الشمس سنصله حتما قبل أن يكتمل الغروب .
الفدائية شيرين أبو عاقلة
تاريخ النشر : 2022-05-12
