مسلسل دفىء جميل مع بعض التحفظ
تاريخ النشر : 2022-05-08
بقلم: جمال الدين بوزيان
شاءت الظروف، أن يتم عرض المسلسل السوري دفا في الموسم الرمضاني الماضي (2022)، على قناة شوف دراما، على اليوتيوب فقط بشكل رسمي، بعد أن تعطل الإنتاج لمدة معتبرة، وبعد انسحاب بعض المشاركين فيه، وبعد أن كان بثه مبرمجا على الفضائيات أيضا، كما أنه مذكور ببعض المواقع على النت، العام الماضي، أن المسلسل مر بظروف ومشاكل خلال تصويره.

حاليا، بعد رمضان، قامت مواقع وصفحات أخرى بتداول حلقات المسلسل ومقاطع منه، وإعادة نشرها على النت، وتضاربت الآراء حوله، بين معجب ومنتقد، و لكنه لقي إقبالا معتبرا من المشاهدين.

العمل من إخراج سامي جنادي، وقصة بسام مخلوف، أما الإنتاج فهو للمؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني.
شارك في بطولة مسلسل دفـــــا، نجوم كبار من الدراما السورية مثل محمد حداقي، نادين خوري، هيما إسماعيل، باسل حيدر، وعدد من النجوم الآخرين كضيوف شرف مثل: الليت مفتي، ريم عبد العزيز، زيناتي قدسية ........، أما أساس قصة المسلسل، فهم مجموعة من الممثلين الشباب الواعدين: دانيال الخطيب، خالد شباط، غريس الأحمر، رامي الأحمر، أوس وفائي.

القصة بسيطة وجميلة، تذكرنا بالمسلسلات السورية التي نجحت وتابعناها بشغف، خلال فترة التسعينات وبداية الألفية، أغنية الجينريك جميلة وهادئة، وكذلك الموسيقى التصويرية، كانت من العناصر القوية في هذا العمل الدرامي المتواضع، وأحيانا كثيرة تمتزج هذه الخلفية الموسيقية وتتداخل مع بعض الأحداث التي تكون بدون كلام، أو يتم دمج هذه الموسيقى مع صوت الأديبة (تلعب دورها هيما إسماعيل) وهي تؤلف روايتها الجديدة، والتي تعتبر إسقاطا لما يحدث في المسلسل، وشخصياتها مستوحاة من حياتها الشخصية وحياة المحيطين بها.

العمل حسب رأيي، كان يتطلب جهدا أكبر، وتدقيقا أكثر في بعض التفاصيل، الخاصة بالممثلين والشخصيات نفسها، وفي السيناريو نفسه، و بعض أعمال العصابات في القصة كانت تحتاج لحبكة مقنعة أكثر، ولباس الممثلات وأزياؤهن كلها متشابهة، بدون مراعاة لطبيعة كل شخصية، وبيئتها ومستواها المادي والاجتماعي والتعليمي، مثلا البوت الطويل الذي فوق الركبة، من العادي أن تلبسه فتاة ليل أو فتاة منخرطة في عصابة، أما أن تلبسه طباخة، أو سيدة عادية من بيئة اجتماعية بسيطة، فهذا ما أعتبره تناقضا في معالم الشخصية التي أمامنا، كذلك هناك تفاصيل في القصة كان يمكن تجنبها وتعويضها بمشاهد أكثر إقناعا، مثل تجسس السيدة اللعوب (تلعب دورها نور الوزير)، كان يمكن في تلك المشاهد استخدام أجهزة تجسس حديثة، مادمنا في سنة 2022، لماذا تتكرر مشاهد تجسسها على شخصية زين (يعلب الدور محمد حسن) من وراء الباب، أو من فوق السلالم، أو خلف النافذة، خاصة وأن الشخصية التي تلعبها نور الوزير أتقنتها باحترافية، ومن المفروض أنها شخصية شريرة ولعوب، محتالة جدا وذكية.

شخصية جرير أيضا (يلعبها عدنان عبد الجليل) كان يمكن دراستها أكثر، واستخدامها لأبعد درجة فيما يفيد العمل، باعتباره مشردا ويعاني من اضطرابات نفسية، ويقول شعرا وحكما، صحيح أنه تم استخدامه في العمل ببعض المشاهد لإضفاء نوع من الرمزية والإسقاطات على ما يحدث في الحياة عامة، وفي أحداث المسلسل خاصة، لكن أحيانا، تدخله في المشاهد، أو محتوى حواراته، لا يكون موفقا فيها كثيرا، للدرجة المرجوة من شخصيته وتأثيرها في المشهد.

محمد حداقي ممثل كبير، وكان مقنعا في دوره، وأتقن لعب دور الرسام، الأب والزوج الذي يمر بأزمة منتصف العمر، ويمر بمراحل نفسية متغيرة من بداية المسلسل لنهايته، ولا شك في موهبته، كذلك كان بقية الشباب الأربعة، حاول كل واحد فيهم أن تكون لديه معالم شخصية واضحة ومستقلة، ولو أن عين المشاهد سوف تركز أكثر على الممثل خالد شباط، يبدو وكأنه يملك كاريزما أكثر من البقية، كما كانت واضحة الخلفية المسرحية للممثل دانيال الخطيب، لأنه مدرب مسرحي و صاحب محترف لتعليم الأطفال التمثيل المسرحي.

و بالنسبة للتشويق في المسلسل، كان يمكن ضبط وتيرته، بعدم تسريع بعض الأحداث، والعكس مع مشاهد أخرى، مع مراعاة كيفية الانتقال من مشهد لآخر، خاصة لما يكون مكان المشهد مختلفا، وكان الأجدر أيضا مراعاة كيفية إنهاء كل حلقة، لأنه من المعتاد والمتعارف عليه، في الأعمال الدرامية العربية أو الغربية، أن تكون نهاية كل حلقة، مقنعة وفيها نوع من التشويق أو الحدث الطارئ أو المفاجئ، ليس بالضرورة تشويقا حادا أو عالي الجرعة، لكن على الأقل، لكي لا يشعر المشاهد أن المكلف بالمونتاج هو من قام بقص الحلقة.

كان يمكن للمسلسل أن يكون أكثر دفئا، لو تمت مراعاة هذه النقاط، ونقاط أخرى، بغض النظر لو كانت الميزانية المخصصة له كبيرة أو صغيرة، لأن شخصيات العمل الرئيسية خاصة شلة الأصدقاء الشباب والمحيطين بهم، كان بينهم انسجام كبير في التمثيل، رغم كل ما كتب عن المشاكل التي واجهها العمل لكي ينتهي، كان يمكن أن يكون بمثابة العودة الجميلة للدراما السورية البسيطة، ويخلق لدى المشاهد نوستالجيا دافئة، وحنين لتلك السنوات التي ازدهرت فيها الأعمال السورية المحلية.