مُسمى الشرق الأوسط.. دلالات ومفاهيم
تاريخ النشر : 2022-01-16
مُسمى الشرق الأوسط.. دلالات ومفاهيم
د. سمير الددا


مسمى الشرق الأوسط.....دلالات ومفاهيم

بقلم: د. سمير الددا

الشرق الاوسط مصطلح متغير وليس له مفهوم جيوسياسي محدد متفق عليه عالمياً, وقد تم استخدامه في حقب زمنية متفاوتة للدلالة على مناطق جغرافية مختلفة, فعلى سبيل المثال لا الحصر, هناك من أطلقه على المنطقة التي تقع شرق البحر الابيض المتوسط بما فيها شبه الجزيرة العربية أي دول المشرق العربي, وهناك من أضاف اليها دول شمال إفريقيا العربية والسودان كونها ذات خلفية ثقافية واحدة, وهناك من رأى أن الشرق الأوسط هو المناطق المحيطة بالسواحل الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط ودول شبه الجزيرة العربية بالاضافة الى تركيا وقبرص واليونان وايران.

تاريخياً, اول من استخدم مصطلح الشرق الأوسط اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن الماضي هم البريطانيون للإشارة الى المناطق الشاسعة التي تمتد بين بريطانيا العظمى ومستعمراتها في شرق اسيا, ولكن اثناء الحرب العالمية الثانية فقد اصبح هذا المصطلح يطلق للإشارة الى القيادة العسكرية البريطانية في مصر.

بعض المستشرقين أعطوا للمصطلح بعداً ثقافياً بحتاً, فأطلقوا مسمى الشرق الاوسط على تلك المناطق الواقعة بين أوروبا وشرق آسيا والتي يغلب على دولها الطابع الثقافي الإسلامي, في حين أن منهم من اطلقه على الأراضي المحيطة بالسواحل الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، والتي تشمل على دول بلاد الشام ودول شبه الجزيرة العربية ودول شمال افريقيا بالإضافة إلى إيران.

بحلول منتصف القرن العشرين، أصبح شائعاً أن مسمى الشرق الأوسط يطلق على المناطق التي تشمل كلا من تركيا وقبرص وسوريا ولبنان والعراق وإيران وفلسطين والأردن ومصر والسودان وليبيا والسعودية والكويت وعمان والبحرين وقطر والإمارات واليمن, فيما بعد تلاحقت الأحداث بصورة دراماتيكية مما استدعى توسيع عدد الدول المشمولة في التعريف لتنضم كلا من تونس، الجزائر، والمغرب، لتطابق سياساتها الخارجية مع سياسات الدول العربية المذكورة، وكلا من أفغانستان وباكستان ايضاُ لاعتبارات جيوسياسية وفيما بعد نتيجة لاحداث استثنائية شهدتها المنطقة اضيفت اسرائيل.

من جهته أطلق شيمون بيرس الرئيس ورئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق مصطلح "الشرق الاوسط الجديد" بالتزامن مع مؤتمر مدريد للسلام واتفاقيات اوسلو مطلع التسعينات, وكان يهدف الى تسويق اسرائيل كأهم دول المنطقة وتمنيه أو لنقل حثه أطراف مؤتمر مدريد العربية (خصوصاً سوريا والسعودية) على الأعتراف بها, وللترويج لأهدافه هذه نشر بيرس كتاباً عام 1996 بعنوان (الشرق الاوسط الجديد).

من جهتها الولايات المتحدة الأمريكية اطلقت مسمى الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الثانية للإشارة الى العالم العربي بالإضافة الى تركيا وإيران وقبرص وإسرائيل, هذا في حين ان بعض الدوائر الغربية تستعمل هذا المصطلح لتمييزه عن الشرقين الادنى (أي المنطقة الأقرب لأوروبا الممتدة من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الخليج), والأقصى (أي مناطق جنوب شرق اسيا قبالة المحيط الهادئ) أي ان الشرق الأوسط وفقا لهذه الدوائر يمتد من الخليج إلى جنوب شرق آسيا.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 فقد اطلق الرئيس الامريكي حينها جورج بوش الابن مصطلح "الشرق الاوسط الكبير" على المناطق التي تشمل كل الدول العربية واسرائيل وتركيا وايران وافغانستان وغيرها من دول اسيا الوسطى (اوزبكستان, أوزبكستان, تركمانستان, كازاخستان, طاجكستان وقيرغيزستان) التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق.

من الجلي تماماً ان الدول الغربية أطلقت مصطلح الشرق الاوسط كانت تهدف الى:

أولاً التعتيم على تاريخ وحضارة المنطقة وتمييع طابعها الاسلامي وتشويه هوية أهلها وتذويب خلفيتهم الثقافية والدينية والعرقية لتسهيل دس اسرائيل بينهم رغم اختلافها التام عنهم في كل شيئ (ثقافياً, دينياً, عرقياً, لغوياً....الخ), وبالفعل نجحت تلك الدول (الاستعمارية) الى الان في ذلك والى حد مقلق بالتواطؤ مع أتباعها من أبناء المنطقة اللاشرفاء.

ثانياً, ليكون بديلاً لمصطلح العالم العربي (وما له من دلالات وحدوية) الذي بدأ في الظهور بعد سقوط الخلافة العثمانية بدايات القرن الماضي واتسع تداوله في منتصف نفس القرن أثر تحرر الكثير من دول العالم العربي من الاستعمار.

 أخر الكلام:

قد يكون مصطلح الشرق الاوسط متغير الدلالات, إلا أن الثابت في كل تلك الدلالات هو الدول العربية بما فيها دول الخليج تقع في القلب من منطقة "الشرق الاوسط", وهذه منطقة تزخر بالثروات الطبيعية كالنفط والغاز وغيرها, والمؤكد ايضاً انها احد أهم عوامل ثراء وازدهار دول العالم المتقدم, وبما ان هذه المنطقة خاضعة للنفوذ الامريكي بلا منازع, فإن الامريكيين وحلفائهم أنهم يعتبرون (بطريقة او بأخرى) أن هذه المنطقة تخضع لسيطرتهم وتحت حمايتهم ويستأثرون بنفطها وغازها بأسعار تناسبهم ويصدرون اليها الكثير من منتجاتهم وصناعاتهم وخدماتهم كأحد أهم اسواقهم, وأيضاً بأسعار تناسبهم, وفي الوقت نفسه يفرضوا عليها ان تبيع النفط والغاز لمنافسيهم الآسيويين بأسعار أعلى بهدف رفع تكاليف انتاج هؤلاء المنافسين, وبهذه المقاربة تكون دول المنطقة ساهمت بشكل كبير في ثراء الولايات والمتحدة وحلفائها ودعم اقتصادياتهم.