تجليات إشكالية الهوية والاختلاف في الخطاب الفلسفي عند درايوش شايغان
تاريخ النشر : 2022-01-15
 تجليات إشكالية الهوية والإختلاف في الخطاب الفلسفي عند درايوش شايغان

تأليف الأستاذ: حبطيش وعلي 
السيرة الذاتية: 

عناصر المقال:

مقدمة 
عرض 
المبحث  الأول: تجليات مفهوم الهوية 
1. مفهوم الهوية و الهوية الثقافية 
2. رحلة البحث عن الهوية 
3. مفهوم الهوية و الاسلام و الحداثة 
المبحث الثاني : تجليات مفهوم الاختلاف 
1. مفهوم الاختلاف و الأصنام الذهبية 
2. مفهوم الاختلاق و التفاوت الوجودي بين الشرق و الغرب 
3. مفهوم الاختلاف و الثقافة  
 خاتمة : 

المقدمة : 
       القراء و المتعامل مع كتابات المفكر "داريوش شايغان" يلاحظ أن هنالك تداخل بين أفكاره و تناسق فكل تصور يخدم التصور الذي يليه إما بطريقة واضحة أو ضمنية ، وهذا ما نلمحه في إشكالية الهوية و الاختلاف التي كانت لها حضور في العديد من الموضوعات الأخرى الذي تناولها "شايغان " بالدراسة و التحليل ، و في هذا المقال  الذي يحمل عنوان " تجليات  إشكالية الهوية و الإختلاف في الخطاب الفلسفي عند درايوش شايغان  " سنحاول أن نتتبع هذه الامتدادات في الفلسفة العامة الشيغانية . لقد ارتأينا إلى تقسم هذ االمقال  إلى مبحث أساسين هما : المبحث الأول بعنوان " تجليات مفهوم الهوية " أين ستكون هنالك عملية بحثية عن العلاقات الموجودة بين مفهوم الهوية و بعض المفاهيم الأخرى التي تناولها "شايغان" وهي الهوية الثقافية ،  الأصنام الذهبية ، رحلة البحث عن الهوية ،  الاسلام ، الحداثة  و العلمنة . و أما عن المبحث الثاني فهو يحمل اسم :" تجليات مفهوم الاختلاف" و ستكون نفس العملية البحثية فيها أين سنقف على الروابط الموجودة بين مفهوم الاختلاف و مفاهيم أخرى تناولها "شايغان" في كتاباته وهي الأصنام الذهبية ، التفاوت الوجودي ببين الغرب و الشرق ، الثقافة.

عرض 
المبحث الأول: تجليات مفهوم الهوية
1. مفهوم الهوية و الهوية الثقافية و الذاكرة الأزلية 
          يتناول شايغان العلاقة بين الهوية و الهوية الثقافية في كتابه " أوهام الهوية " و قيل الولوج إلى حيثيات طبيعة العلاقة الموجودة بين هذين المفهومين الأساسيين يحاول أن يعرض أزمة الهوية الثقافية في الحضارات الشرقية و ذلك بقوله :"  ونتأسف لفقدان الهوية الثقافية الذي يهدد الحضارات التقليدية ، كما نرثي لحال هذه الحياة المتفاوتة التي نحيها ".  نفهم من هذا انص أن الهوية الثقافية للحضارات الشرقية  القديمة مهدد بالزوال و الاضمحلال و هذا يرجع حسب التصور الشايغاني إلى التغيرات الكبرى التي يعرفها عالم اليوم وهذا يبرهنه قول :" إننا نتحدث عن التحدي المعاصر الذي يحدث تحولات كبرى في آسيا"  . وهذا التحدي يتجلى في مظاهر الحضارة و الثقافة  الغربية التي ترد أن تروج ثقافتها و أيديولوجيتها الحضارية إلى أبعد نطاق ، وبهذا تصبح لها الطابع العالمي و تمحي كل الثقافات الفرعية الأخرى . وهذا التغير العميق يصوره شايغان على أنه تحدي معاصر و أنه هاجس يهدد الهوية الثقافية للحضارات التقليدية الأسيوية التي لها رغبة كبيرة في الحفاظ على مقدراتها و مكونتها الهوياتية و الثقافية الأصلية  . و نستشف نقطة أخرى من خلال هذا النص أن مفهوم الهوية أصبح مطلب شرعي يحاول كل طرف من الصراع أن ينشر هويته بكل الوسائل المشروعة و اللامشروعة . ومن جهة أخر مفهوم الهوية في جدلية الشرق الغرب مرتبطة بالمستوى الثقافي . في سياق آخر يبرز لنا "شيغان" سبب ميلاد مشكلة الهوية الثقافية وهذا يظهر جليا وفي قوله :" حيث يتصامان مستويان مختلفان من المعرفية ينتميان إلى نمطين معيشيين مختلفين .فتنجم غالبا حركات عفوية و ردود أفعال غير متوقعة ".  الصراع ثقافي محض بين قطبين الشرق المتحفظ و الغرب المنفتح إنه صراع الأصالة و المعاصرة الذي يكون نتاج اختلافات جوهرية بين كل من القطبين في نمط المعرفة العلمية و في نمط الحياة المعيشية و هذا هي سنة المنطق و العقل فلا اجتماع للمتناقضين ، و الغاية المقصودة من هذا الاحتدام و الصراع هو الريادة الثقافية في العالم و السيطرة على الآخر أولا بالحفاظ على هويته الثقافية الأصيلة و عملية نشرها و إجبار الآخر على قبولها.
لقد بلور" شايغان" هذا التحدي  حول الهوية الثقافية إلى  مشكلة بحثية تقتضي البحث و التقصي . كما أن مرافقة الوعي لهذا التحدي أمر ضروري وهذا بقوله:" أليس في التحدي عنصرا غريبا يدخل في الحساب ، عنصر بحثيا ...و هنالك حاجة ماسة لتوفر مستوى من الوعي قادر على تحليل الوضع و وعلى معرفة القوى المتنازعة و الوسائل الضرورية لتجاوز المرحلة  الصراعية ، يصبح اعتدال القوى المتنازعة ، والتجانس البنيوي بين الأفكار المتصارعة ، بمثابة أداة انبعاث وتجدد ذاتي وخلق قوى جديدة ".    نفهم من هذا أن شايغان ينظر إلى أن موضوع الهوية عامة و الهوية الثقافية خاصة الذي تحول إلى تحدي و صراع بين الحضارة الغربية و الحضارات الآسيوية الشرقية يحتاج إلى مرافقة وعي بحثي أو بعيارة أخرى إلى فكر ناضج ينقب في ماهية هذا التحدي و حيثياته و لكن من جهة أخرى يشير إلى أن هذا الوعي لابد أن يكون له كفاءة بحثية في المستوى يتسم بالموضوعية و الحياد في عملية التحليل و النقاش الأكاديمي لهذا التحدي و هذا شرط ضروري و فكرة جوهرية . لأنه بفضل هذا الوعي الحثي الناضج المعتدل سيرتقي الباحث إلى فهم و إدراك طبيعة هذا التحدي الثقافي بين الشرق و الغرب و مكوناته التأسيسية و الوسائل المسخرة لتحقيق أهدافه و الميكنزمات التي يعمل بها . وكل هذا ستكون نتائجه إيجابية لكلا الطرفين المتناحرين حول فكرة الهوية الثقافية . فحسب رأيه هذا الوعي البحثي سيأجج عناصر قوى بين الطرفين تحقق التوازن الهوياتي و الثقافي بينهما .  
يقدم لنا شايغان نماذج عن الأعمال و الاجتهادات التي يعتبرها وعي بحثي ساهمت في خلق هذا الاعتدال الثقافي و الهوياتي بين الشرق و الغرب من خلال "النهضة الكارولنية" نسبة إلى "شرلمان" في القرن التاسع في الغرب ، و عن "النهضة الهندوسية" في نفس القرن وذلك بفضل جهود "شانكار" و كومازيلا" . و أيضا ترجمة الأعمال العربية إلى اللاتينية . فالتفاعل الثقافي بشتى أشكاله الجهود الثقافية الفردية أو الاحتكاك الثقافي أو الترجمة هي من بين الأدوات التي تحقق هذا الوعي الناضج و التوازن الهوياتي . فكل طرف يكون  معرفة بالرصيد الحضاري و الثقافي لطرف الآخر و هذا ما يخلق حالة من التبادل النفعي في التجارب و الخبرات الثقافية في يكون التطور بينهما متقارب و متوازي . 
يمكن أن يكون عنصر القوة في الهوية الثقافية و ليد الأخذ و التأثر بروافد الثقافية الأخرى أو بتعبير آخر هو نتيجة الاستفادة و الاحتكاك و الاطلاع على أفكار الهوية الثقافية الأخرى و يقدم لنا "شايغان"  الصورة المركزية  لنهضة  الكرولينية هي توليفة بين الفكر اليوناني الأفلاطوني و الوحي المسيحي و إذا كان "شنكار" كان قاتل البوذية فإنه أخذ منها "فكرة "اللاجوهية"Anatman" "   . "شايغان" يؤمن بفكرة أن لا شيء ينشئ من العدم  و أن المعرفة بكل صورها تراكمية  وهذا المبدأ المنطقي الكوني يسقطه على فكرة الهوية الثقافية بأن الثقافات تتفاعل فيما بينهما و كان التاريخ الثقافي للحضارات هو المستودع الذي يستلهم منه "شايغان" الاستئناسات و الشواهد التي تبرهن على مصداقية قوله بالتفاعلية و التبادلية الثقافية بين الحضارات الانسانية . 
في سياق آخر يتساءل "شايغان" على أن في الهوية الثقافية الواحدة هل يمكن أن نجد فيها الاعتدال و التوازن الثقافي وذلك بقوله :" هل التحدي المعاصر على التعادل الفارسي ذاته في القوى ، وهل نعثر فيه على هذا التجانس الجوهري ؟" . وهذا التساؤل يدل على أن الهوية الثقافية عامة في المجتمع الواحد يمكن أن تكون مختلفة من منطقة إلى أخرى . و نجد أن التحدي الثقافي يمكن أي يكون ذو طابع وطني أو محلي لهذا مثل بالمنطقة الفارسية لأن هذه الأخيرة كيانه الجرافي مليء بالإثنيات و الجماعات الدنية و الثقافات المحلية التي تحاول كل واحدة أن تبسط هويتها الثقافية أو الدينية على حساب الهويات الأخرى . و هذا التساؤل أين يؤكد من جهة غياب هذا التعادل و التوازن الثقافي وهو فيحد مشكل عويص عميق يساهم في ضعف الحضارات الشرقية التقليدية في صراعها مع الغرب. 
نستنج في الأخير أن مفهوم الهوية عند "شايغان" في السياق الثقافي له دلالات قوية .  فالهوية الثقافية هي مركز الصراع بين الشرق و الغرب الذي يطلق عليه مصطلح التحدي المعاصر. ومهمة نقاش الهوية الثقافية تقتضى حضور وعي ناضج  من أجل أن يقدم مقاربة موضوعية و قراءة محايدة من أطراف الصراع و بهذا نخلق الأسباب التي تحقق التوازن و الاعتدال الثقافي بين الغرب و الشرق .
















2. رحلة البحث عن الهوية
ينطلق "شايغان" من تجربته الشخصية التي عاشها في الغرب من أجل أن يشرح لنا فكرة الهوية و كيف سافر في أغوار الثقافات الغربية المتنوعة و الثقافات الشرقية القديمة من أجل أن يبحث عن مفهومه الهوية الذي يتماشى مع روح العصر المعاصر. في سياق حدثه عن رحلة البحث عن الهوية يحي لنا "شايغان" قصة صغيرة عاشها عندما كان في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة " لوس أنجلس " بالتحديد أين يقول :" كنت أتمشى ذات مرة على الساحل الطويل في " لوس أنجلس"  المعروف ب" قنيس بيج" وقد أذهلني فعلا ذلك التنوع المدهش في اللقطات الغربية التي كانت تعرض أمام عيني  المبهورتين ، على جانبي هذا الممر البالغ كيلومترات عديدة ، ثمة متاجر تعرض ما يصدق و ما لا يصدق ، بتنوع لا يصدق ، أشد صور الوعي الإنساني بدواة تطف هنالك إلى جانب لعب أنتجتها أعقد التقنيات الحديثة . طقوس شمنية يمارسها الهنود الحمر ، حركات اليوغا الكلاسيكية ،  طب الإبر الصيني ، كل أنواع الارتياض الياباني الكلاسيكي ، قراءة الطالع ، أجهزة استعراض الواقع المجازي ، موسيقى الروك ، و رقصات " بريك دنس " كل هذه الظواهر تجتمع إلى جوار بعضها من دون أي منافسة  . كل الأشياء كانت حاضرة في زمن واحد ، كنا نتفرج على تكامل الوعي الإنساني  من وعي العصور الحجرية و حتى مكاسب القرن الحادي و العشرين ".  من خلال هذا النص نستشف أن  مفهوم الهوية في الثقافة الغربية أصبح لا يهتم بالثقافة الأم الأصلية و عملية ترويجها فقط بل امتد و اتسع إلى أن احتضن الثقافات و الهويات الأخرى ، و لا تحدها الجغرافيات و الحدود بل هي تتجاوز كل الآفاق و هي هوية مفتوحة لكل روافد الأجناس الأخرى .   بل ما يلاحظ أيضا أن الهوية في السياق الثقافي الغربي هو خليط ثقافي ثري و غني تستلهم مقومات وجودها من العصور الحجرية إلى غاية العصر المعاصر . في هذا العصر أصبحت الهوية لها خاصية العالمية بمعنى أنها مفهوم يحتضن كل الثقافات الأخرى و يتفاعل و يتعايش معها . عنصر الإقصاء و الالغاء الثقافي لا يوجد في الفهم الغربي للهوية و الدليل الذي يؤكد ذلك هو أن الغرب يحتضن الثقافات الأخرى و  يقدمها و يعرف بها للآخرين من أجل أن تخلق تلك الروابط و العلاقات الثقافية وهذا يولد تقارب بين الأمم و الشعوب على الصعيد الثقافي .الهويات الشرقية لا يمكن لها أن تبقى على نفس الانغلاق و الرفض لكل ما هو أجني إن الانصياع للتحولات الثقافية و التغيرات الفكرية التي حملتها الحداثة الغربية بمختلف مظاهرها مثل العولمة  حوار الثقافات التعايش السلمي ... إلخ تجعل الثقافات الآسيوية تغير من منظورها . إن الإنسان المعاصر في عملية البحث عن الهوية في ظل هذا الاختلاط و التجانس الثقافي أصبحت عملية نوع ما صعبة و معقدة  و هذا  كان وليد مجموعة من الأسباب التي تتعلق بالحضارات الشرقية و الحضارة الغربية لأن هذا الصراع الثقافي الهوياتي  إنما هو قائم بين الشرق و الغرب  يمكن تبريره ب:
- الركود الثقافي الذي تعيشه الثقافات الشرقية و تشبثها بالأصنام  الفكرية التقليدية .
- السيطرة الثقافية و الاعلامية الغربية  للعالم  و بروز الثورة التكنولوجيا و المعلوماتية . 
- العولمة و تداعيتها  على جميع الثقافات الأخرى .
يقدم لنا " شايغان " نموذج عن أحد البلدان التي تمثل نموذج مثالي لثقافة الغربية الحديثة إنها الولايات المتحدة الأمريكية و في هذا السياق يقول :" ....ما اصطلح عليه أمريكا بوتقة الانصهار أو القدر الثقافي المغلي " . لقد وفق "شايغان " في اختيار النموذج الثقافي الذي من خلاله يمكن أن نفهم مفهوم التنوع الهوياتي و التعددية الثقافية. الولايات المتحدة الأمريكية أصلا هي خليط من الفئات الأوربية المهاجرة التي جاءت مع الكشوفات الجغرافية و البحثية   للثروات الطبيعية  و البحث عن النجاح المادي الاقتصادي و لقد دخلت في صراع دموي مع الهنود الحمر . و بعد ذلك استوطنت الأرض و كونت كيان سياسي و ثقافي انطلاقا من الفئات المهاجرة من أوربا و السكان الأصلين الهنود الحمر . رغم الاختلافات و التنوعات استطاعوا تشكيل هوية ثقافية مفتوحة عالمية احتضنت كل الفئات الفرعية المتنوعة. 
الولايات المتحدة الأمريكية نسيجها الهوياتي غني ومرن نجد فيها "الاسبان و السود و الهنود الحمر " فالمواطن الأمريكي في رحلة الحث عن هويته استطاع أن يصل إلى مفهوم هوية جديد للهوية يتوافق مع مكونات العصر المعاصر الذي أصبحت فيه الهوية الغربية هي النموذج الأول . هذا المفهوم الجديد للهوية له مجموعة من الخصائص الانفتاح و التعايش و القبول و المرونة ، لقد تجاوزت المفهوم التقليدي للهوية و أصبح المواطن الأمريكي يروج لهذا المفهوم و يدعو له بكل الطرائق الممكنة و لربما أن العولمة هي أكثر الوسائل اعتمادا . 
لقد نجح المواطن الأمريكي في رحلة اكتشاف الهوية وهذه الرحلة حسب التصور الشايغاني هي رحلة في تاريخ الثقافات الأخرى  و الهويات التي تجد في مختلف الحقب الزمانية و المكانية . 

3. مفهوم الهوية و الحداثة 
يتناول " شايغان "  طبيعة العلاقة بين المفاهيم الثلاثة  الهوية و الحداثة  و الاسلام  في إطار بحثه عن جواب  لسؤال انحطاط الوعي الاجتماعي للمجتمعات التقليدية وصدمة الحداثة . و الدراسات الفلسفية التي قدماها " شايغان" في ظل مقارنة الأديان و الحضارات و جدلية الصراع الثقافي و الهوياتي بين الشرق و الغرب في ظل القيم الحداثية و المفاهيم الغربية المعاصرة مثل العولمة و الأيديولوجيا و العلمنة .
عندما يتكلم عن فكرة الهوية فإنه يشير إلى ذلك العنصر المشترك الذي يجمع بين المجتمعات التقليدية أو بتعبيره الحضارات التقليدية  أو ما يسميه "شايغان" "التجمع الروحي الواحد" حيث أن الحضارات الاسلامية والهندية والصينية تتميز بتجانس بنيوي في التجربة الميتافيزيقية . فالمكون الميتافيزيقي هو الذي يربط بين هذه  الحضارات الشرقية القديمة  لقد كان التصورات السحرية و الخرافية هي القاعدة الفكرية التي بني العقل الشرقي التقليدي منظومته الفكرية و الروحية.
أما عن فكرة الحداثة فهي مرتبطة بالحضارة الغربية أين اعتماد على رؤية حضارية شاملة للثقافات الشرقية والغربية "لان الحضارة كل ممفصل لا يتحمل أي فرز فالأجزاء لا تتحرك بمعزل عن الكل وهذا الكل له منطقة الخاص وقانونه ومقولاته ومفاهيمه. "الحداثة في هذا السياق ظاهرة عالمية مرتبطة بالعقل الغربي الذي أبدعها و كونها هذا من جهة الإبداع و النشأة . ومن جهة أخرى فهي أصبحت خطر يهدد الثقافات الشرقية حيث أن الحداثة هي عنصر الحياة للهوية العالمية التي تدعو إليها الحضارة الغربية . هذه الهوية العالمية ستقوم بدمج الحضارات الشرقية و تخلق فيها نوع من التقليد و التبعية الثقافية
عندما يتحدث عن الإسلام فهو يربطه بسياق الحضارة الغربية و الحداثة  فالحضارات الاسلامية تحاول اسلمة مفاهيم الحداثة وادخالها ضمن الفضاءات الاسلامية وقد وصف "شايغان" هذه الاشكالية المعقدة " الاسلام هو الذي يحاول ان يدخل في التاريخ ليقاتل الكفر، أي الفكرويات المنافسة هكذا يقع الدين الاسلامي في مكر العقل، الدين حين يريد الوقوف ضد الغرب انما يتغربن ويتفرجن ويتورط في التاريخ وفي مشروع انكار التاريخ وتجاوزه".  وهذا يحتاج الى تفكيك الهزيمة التاريخية للمجتمعات التقليدية أمام الحداثة، حيث أن هذه المجتمعات تخوض حروب مستمرة ودائمة وهي منخرطة في الحداثة. العلاقة بين الإسلام و الحداثة إنما هي علاقة صراع فكل واحد منهما يحاول أن يسيطر على الآخر و يفرض تصوراته الأيدولوجية و منطلقاته الفكرية . هذا الصراع يمكن أن نطلق عليه اسم صراع الأصالة و المعاصرة . الاسلام في هذا الصراع يحاول أن يكسي المفاهيم الغربية الحداثية ثوبها اسلاميا أو بعارة أخر تقدم الاسلام في قالب حداثي يتوافق مع القيم الحضارة الغربية. 
 وأما الهوية عنده  في عالم اليوم، فهي مفتوحة على كل ضروب الهجنة والتلاقح والاختلاط والانشقاق والتشظي والاندماج والتخليق والتغيير وبروز مضامين جديدة، بما يظهر "وهمية العالم وشبحيته"، و"إعادة تنشيط وتثوير الإنسان المعاصر إلى درجة الانفجار". و نفهم أن هنالك العيديد من العناصر الجديدة التي تبني المفهوم الحديث للهوية وهذا له علاقة مباشرة بالمعطيات التي حملتها الحداثة الغربية من قيم و مفاهيم عالمية. فالتنظير الفكري الجديد الذي قدم للهوية إنما أصله هو الغرب و الترويج أين من طرفه و الشرق هو الفضاء المستقبل لهذا التحول الجذري الثقافي . 
هذا يضع العالم أمام مأزق مركب ومفتوح، وثمة صعوبة في التفكّر والتدبّر فيه، أو ثمة شبه استحالة في القبض عليه، وكيف يمكن تشخيص الحلول اللازمة. غير أن "شايغان" الذي يرى أن عالم اليوم يعكس حال الغرب وتأثيره على كل شيء، يرى أن الغرب هو المشكلة وهو المطالب بالحل، وكما يقول "فاغنر" في "بارسينال": "لا مرهم للجرح سوى السلاح الذي أوجده"، والجرح والسلاح بيد الغرب اليوم، وعليه تولي الأمر، و"إذا كان ثمة نور فلن يكون إلا من الغرب" .  .  ييرى "شايغان" إن الغرب هو الداء وهو الدواء، وهو المُعوّل عليه في إبراء الجراح، إن كان بإمكانه ذلك. ويتقصى مجازياً "أربعين وجهاً" للهوية، ولكنه يدرك أن الهوية "جذمورية"، كما في استعارة بليغة له، ويمكن لها "الهوية" أن تتجلى بألف وجه ووجه، وأن تتخفى بألف طريقة طريقة، أو بتعبير أدق  إن ثمة عدداً لانهائي من وجوده الهوية واحتمالاتها وتشكّلاتها وتمثّلاتها في عالم اليوم.  فالحضارة الغربية المعاصرة هي التي أبدعت هذا المفهوم الجديد للهوية الذي يمتاز بالمطاطية و الانفتاح فالحل في يد من أبدع المشكل أصلا . 
 "شايغان" يُعوّل على الغرب في التوصل إلى حل لمسألة الهوية، فإن ذلك يحيل إلى نوع من العدمية تجاه ما هو غير غربي، الذي يغيب ليحضر بوصفه احتمالاً أو فولكلوراً أو تهويمات بلا ذاكرة، وأساطير، وأدلجات فجة، وأشكال وطقوس ورموز لكن من دون القدرة على أن تقوم بأي دور فعال في عالم اليوم. انتقد شايغان بشدة نقاد المركزية الأوروبية وحراس الهويات كما لو أنه يدعو إلى التمسك بـ"المركزية الغربية" ، ومن الواضح أنه لا يقصد ذلك بالتمام، وإنما يحاول أن يضع الأمور مواضعها، ولو أن ذلك محفوف بمخاطر كثيرة في عالم تغيرت فيه مفاهيم المكان والزمان
هنالك علاقة وطيدة بين الهوية و الإسلام و الحداثة  وهذا من خلال  تأثيرا الحداثة في العالم الاسلامي الذي  يحرك مدارات المقاومة  المختلفة  فهو يدعو تارة و  يحثه إلى العودة الى اسطورة الأصول  و المنابع الثقافية الأصلية ظنا بانها تحل بأعجوبة كل التعاسات الاخلاقية والتفاوتات الاجتماعية والتقنية التي تشكو منها هذه المجتمعات ،  وتارة هروبا الى الامام نحو مغامرات متزايدة المخاطر وأخرى رفضا قاطعا لمواجهة تحديات الازمة الجديدة . هنالك طرائق متنوعة يستعمل العقل الديني في محاربة الحداثة و تحقيق هدفه وهو إعطاء هوية دينية للمفاهيم الحداثية إما بمقاطعتها أو الدعوة إلى خلق توفيق و توليف مع قيمها ومبادئها. ولكن ما إن تتخذ هذه التقاليد أشكال ايديولوجية أو حتى فلسفية تنزلق عن غير وعي في مقولات رائجة ، تعيد تغيير القيم التي تظل في جوهرها بعيد عن مشاغل النظام الاجتماعي والاقتصادي حيث أن مفاهيم الثورة وعلاقات الانتاج الاجتماعي وغائية التاريخ تشكل كلها اطارات ثابتة وملائمة لأي عقيدة ايان كان مضمونها فانه ينزاح او تنزاح بمجرد اندماجها في بنية العصر الايديولوجي عن منظوماتها وتسقط في منظومة اخرى. 
من  أسباب هذا النكوص في الحضارات التقليدية وبالذات الاسلامية يعود إلى أن الافكار التي فرضت نفسها لا تظهر في نقائها الاصلي بل في صورة افكار متعجرفة ومتطرفة فقد يصبح الفرد ماركيسيا او ماركيسيا لينيا الا انه لا يعرف الوجه الاخر لماركس، ماركس الانسي والمرتبط بالموروثات المثالية الالمانية وبفلسفة التنوير. فضلا عن ذلك ان هذه الافكار بنى مؤدلجة وتفتقد الى منظومة او بنية نقدية تتيح تفحص المعتقدات السحرية الدينية والاسطورية. الفهم الخطأ و التأويل السطحي للفلسفات الغربية و الأخذ الذي لا يتخلله النقد وهذا العنصر قد أظهر قيمته في تبيان قيمة الفكرة و مدى مصداقيتها . 












المبحث الثاني : تجليات مفهوم الاختلاف 
1. مفهوم الاختلاف و الأصنام الذهبية
بعد هذا التفصيل في مقومات الحضارات الشرقية والفوارق الأساسية بين مقولات الرؤية الأساطيرية التي تمثل العنصر السائد في التفكير الشرقي، وبين التفكير الفلسفي في العلم الغربي، يتساءل "شايغان" عن إمكانية إقامة تناغم أو مصالحة بين التحدي المعاصر وأسلوب نظرنا وتصورنا، وهل بالإمكان المصالحة بين التقنية والتراث وإنقاذ الذاكرة القومية، وفي الوقت ذاته تحمل آلام "مكافحة الذاكرة"؟ ينطلق "شايغان" في مناقشة هذه التساؤلات من طبيعة علاقة الدول العربية الإسلامية خاصة والدول الآسيوية عامة بالحداثة الغربية وكيفية التعاطي معها، فالنخب المسيطرة في البلدان الإسلامية رأت في الحداثة الغربية مجمل التقنيات الحديثة فنقلتها إلى مجتمعاتها وأجرت تحديثا وليس حداثة ورفضت هذه النخب أن تأخذ مع التقنية الغربية مجمل الأفكار والمفاهيم التي كانت وراء إنتاج هذه التقنية وهذا ما انتقده "شايغان" بقوله :"غالباً ما نحاول عدّ التقانة ظاهرة غير ضارة تستخدم بأشكال متنوعة، وننسى أو أنّنا نجهل أساسا أنّ التقانة ليست هي ماهية التقانة، إذ من السذاجة أن نعتقد بإمكانية فصل التقانة عن القيم التي تخالطها، إنّنا في الغالب ننسى أو لا نعلم أنّ العلم، والتقانة في الفكر الغربي لم تكن أبداً ظواهر مجزأة عن بعضها، بل على العكس هي النهاية الحتمية للفكر الغربي، وأنّ تيار العلمنة القديم كان  سارياً في هذه الانتصارات المذهلة. 
إنّ الازدواجية المرضية التي أضحت ساحة لسجالات الوجهين المتناقضين في وجودنا، تشلّ مساعينا وتصدانا عن التحرك وتسدّ الطريق أمام ازدهارنا الفكري، والفكر لا يبدو مبدعاً منتجاً إلاّ إذا استعاد ذاكرته، أي إذا استمد الفيض من "مشكاة أنوار النبوّة"  کما يعبّر الحكماء المسلمون، أو إذا كان مستقلاً تماماً، أي إذا تخلى عن أرضية الاستذكار القومي وخاض في کل الغمار العاتية من أجل ترسيخ مرتكزات جديدة. 
في الوقت الحاضر لا نبدو قادرين على الاتصال بـ "مشكاة أنوار النبوة" ولا نحن في درجة من التحرر والانعتاق من دون أن نكل أو نهار، طردنا من هناك ولم نلتحق بهنا، لقد وقعنا نحن الشرقيين في برزخ من التضعضع و اللّا قرار جعلنا عرضة للآفات إلى هذه الدرجة وترك ردود أفعالنا عصية على التخمين إلى هذا الحد، وبقينا نترنح بين هذين القطبين: بين «لا وتسو» و«ماركس»، ببن سلول السامورائیین النبيل والعنف الاقتصادي، حيثما تنفعل الطاقات الخلاقة، تغدو كل الأحوال حتى أكثرها غرابة، ممكنة الانبثاق والظهور. 
 في هذا العالم الذي وصفه "شايغان" بأنّه مرقّع بأربعين رقعة ما زال يحتمل حدوث "فصام ثقافي " الذي يترجم نفسه بعدم تجاوز الماضي والعجز عن استيعاب الحاضر، فيحضر الفرد في فضائيين وجودیین، غير أنه لا يستطيع التفكيك بينهما، يصبح كالتلفاز الذي يستقبل  قناتين، کلاهما تظهر من خلال شاشة واحدة، وفي نفس اللحظة، ماذا يحدث؟ حينما تأتي أفكار حديثة ولا نعلم من أين أتت، أو حينما یصاب الإنسان بتغريب لا واع، یکون عرضة لفصام ثقافي، حينما تتداخل هاتان الحالتان يصاب الفرد بالشلل الذهني، فيضطر للتغليف والطلاء، يسحب هذه على تلك، وتلك على هذه، يخلع   غطاء حديثاً على التراث، أو غطاء تراثياً على الحداثة.  
 فتتولد ظواهر حديثة من قلب التراث، بينما هي ليست نتاجه الطبيعي، بل بسبب مواجهته مع الغرب عندئذ يهيمن الفكر الانتقائي، الذي قد يتولد منه أي   شيء، من قبيل العمليات الانتحارية المنبثقة من تراث يحرم الانتحار، فينبثق عن ذلك دعاة الهوية الأصوليون والغربيون والمجانين، وجميعهم يريد ان يبني جنّة لكن في النهاية يبنون جهنما ويحرقون المدينة. 
   يرى "شيغان" أنّ مشكلتنا   مع العالم من حولنا، هي أنّنالم نساهم في تكوين الحضارة الغربية، فنبحث عن طريق لاختزالها والالتفاف عليها، في   بعض   الحقب   كانت   الشيوعية تمثّل أفضل طريق للالتفاف، دول تشبهنا، ممن لم يحضروا وليمة الحداثة الغربية، والنهضة الإيطالية في القرن الخامس عشر، والإصلاحات الدينية في القرن السادس عشر، وحركة التنوير في القرن الثامن عشر، والثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، كانوا في سبات عميق، ولم يصحوا من رقادهم إلا بعد أن رست بواخر أوروبا في شواطئهم.  في   مثل   هذه   الدول يبدو أن الالتفاف واختزال الطريق، هو الحل الوحيد لإخفاء الغياب عن التاريخ، لم   نلتفت   لحالنا وللمصير الذي وصلنا إليه إلا في   نهاية    القرن   التاسع عشر. 
ولعل احتلال اوروبا لمعظم الدول العربية والإسلامية بعد انكفاء الرجل المريض كان بمثابة الإرهاصات الأولى لهذا الاستعمار المنظم الذي أخضعها لسيطرة تقنية، فبات من المقطوع به أنّ هذا السياق التاريخي مما لا رجعة فيه، وأنّ الحوافز التي تدفعه الى الأمام تتبع نظام المنفعة والربح وليس التعاطي الروحي بين الحضارات 
ويزداد الأمر سوءا في العالم العربي الإسلامي عند تهربه من مناقشة أزماته البنيوية وأسباب تخلفه، فمنذ مطلع عصر "الكلونياليزم ""أي الاستعمار"، سيغدو مثل هذا التاريخ العالمي ملكنا نحن ايضا، ولكن لا من حيث أنّنا ساهمنا في إيجاده، بل لأنّنا لا نملك متاريس تحمينا حيال اعتداءاته 
لم تتوقف النخب الإسلامية من دق أبواب الحداثة والإصرار على وجوب الدخول إلى مقتبساتها واتخاذها سبيلا لنهضة موعودة دون أن تتابع أسفارها عبر التاريخ، فتراها في صراع مع تجسداتها الأكثر تطرفا والأكثر اختزالية بحيث أنّه من دون الانتباه إلى حدّة التغيرات النوعية التي تصيبنا، نرى أنفسنا فجأة ماركسيين، ووضعيين، ووجوديين رغم بقائنا غرباء عن السلالة الفلسفية التي انبثقت منها هذه الايديولوجيات 
لقد قاد الجهل بهذه السلالة الفلسفية، وهذه الأواصر البنيوية، والترابطات الشكلية المعمقة في شتى جوانب الحضارة ومجمل "اورغانيكية" الثقافة في نظر "شايغان" إلى استعارة نظام القيم والايديولوجيات الغربية وظهر وباء الغرب بصورة مبتذلة في تفسير الصلاة بالرياضة، والوضوء بالنظافة، والصوم بالنظام الغذائي، والديمقراطية بالشورى". 
 إلّا أنّ الديمقراطية عند "شايغان" هي "ابنة الأنوار، والأنوار هي ذروة نتاج العصر الانتقادي، أي النقد الجدي للحقائق المعتقدية" 
  فمبدأ الحياة الاجتماعية والقانون والمدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية   وأشباهها   في الحياة الحديثة، جميعها غربية، إنها ثمرة   أربعة قرون من تاريخهم.
لكن أخطر ما يراه "شايغان" في المجتمعات الإسلامية عملية الكولاج collage "أي اللصق" التي تمارسها النخب المثقفة إذ يتم لصق الإسلام فوق مفاهيم "معلمنة" مثل الديمقراطية فيؤدي ذلك الى أخلاط هجينة، كوكتالات متفجرة ستزرع الالتباس في عقولنا بدلا من التوصل الى حل مشاكلنا. 
فانجر عن عملية اللصق هذه الوهم المزدوج الذي يتجسد في تغريب مكثف وفي استيلاب تدريجي إلاّ أنّ التغريب ليس وعيا للفكر الغربي، إنّه على العكس من ذلك سلوك سلبي يشل الحركة حيال انتصاراته العجيبة وافتتان مبهر وإعاقة شبه نفسية، دون الدخول في العقل الذي يحرك ديناميكيته 
بين ما نخال أننا نؤمن به، وبين ما نشعره، تنامى بون شاسع لا يعجز عن تحفيزنا على تركيبة جديدة أو إنتاج قوى جديدة خلاّقة وحسب، وإنّما يبعث فینا سياقا "اسکیزوفرنیاً" یتمظهر في منجزنا الفني والأدبي، لیدل دلالة أكيدة على مرحلة فتور نتخطاها في الوقت الحاضر، مثل هذا السياق يكدر أنفسنا ويشل قوانا الإبداعية لأننا غير مسلحين حيال التحدي المعاصر بأي سلاح یذکر، بل إنّنا لا نتمتّع إزاءه حتّى بحرية الاختيار، لأنّه السبيل الوحيد المتاح وليس ثمة سواه. إذن، لا مناص من السير في هذا الطريق ولا یمکننا العودة عنه لأننا نخشى التخلف عن الآخرين والخروج الكلي عن تيار الحركة التاريخية. التحدي المعاصر خطاب يوجهه التاريخ لنا کتقدیر أوحد ليس ثمة غيره… تقدير أوحد يجب ان نبلغ به تخوم النهاية. 
تبعاً لهذا القسر والإكراه، طفقت النخب المثقفة تفكّر في المفاهيم التاريخية، لذلك بدأت تتحدث عن تقدم وتخلف البلدان النامية، وعن الناتج القومي، وراحت تخطط وتهتم للكومبيوترات، وتنبهر بتقنية العالم المتقدم المدهشة، مضافاً إلى أنّها أصبحت تطلّب القوّة وتبحث عن أسواق. وباختصار، تقوم بأعمال معاكسة تماماً   لقيمنا الّتي ورثناها عن آلاف السنين.
وهنا يكمن في نظر "شايغان" فشل النهضة مثلما يكمن فشل الثورات ذلك أنّ أهل النهضة المنسحرين بالغرب، لم يدركوا أنّ وراء هذه القوّة، كان هنالك تبدل في رؤية العالم، وأنّ بين الإسلام والحداثة يوجد فراغ، لا يمكن أن يسده الرجوع إلى القيم السلفية ولا إصلاح الشريعة. 
إنّنا بطبيعة الحال لم نأنس بعد بالتقنية كما ينبغي، ولا يوجد تطابق وتلائم جیّد بین شیئیة الشيء والمقولات التي تمثل ميزان أعمالنا، وقد تکون في أفكارنا وتصوراتنا نسبة من التفکیر الأساطيري -الشاعري یغیر شکل الأشياء ويظهرها لنا كـألعوبة أكثر من كونها شيئاً مفيداً، وربما لهذا السبب ترانا نحن الشرقیین (باستثناء الیابانیین) متراخين في فاعليتنا التقنية إلی هذه الدرجة.
ولكن من جهة ثانية، ترانا نحن الذين أيقظتنا أجراس خطر قرعها مفكرون غربيون حذروا من مغبة الحداثة والنزعة الصناعية، واستخفّتنا الاحتجاجات التي زلزلت المجتمعات في كل أنحاء العالم محذرة من القيم العلمية -التقنية، بدأنا شيئاً فشيئاً نسأل عن الهوية الثقافية والقيم التراثية الخالدة، ورحنا نقتنع الی حد ما بأن الأمور كان يمكن أن تنحو منحى آخر وتكون على شاكلة مختلفة. 
فمشكلة العالم الإسلامي عند "شايغان" تكمن في جاذبياته القديمة، في انعكاساته وتأثراته الدفاعية، في تحجّراته الفكرية وبالأخص في هذا الزعم الوهمي الذي يعتقد أنّه يمتلك ردودا جاهزة على كل مسائل العالم. 
يتساءل "شايغان" حول دور النخب الإسلامية وحجم مسؤولياتها عن الإخفاق في قراءة عناصر الفشل التي منيت بها هذه المجتمعات في بناء تنمية حقيقية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، كما يتساءل عمّا اجترحناه لمعالجة الموقف؟ لا شيء! إنّما نكرر الأخطاء السابقة، ربما لو تعلمنا من تجارب الناس الذین نقلدهم، أو إذا کنا أوفياء لذکری أسلافنا، لبقينا بعيداً عن تجرع سموم الإخفاقات. و لکن  کلا ، نحن متسرعون في أن نسبق حتى أولئك الذين يستعجلون بلوغ مقصد لا أحد يعرف عنه أي شي،.فالقول إذن بأنّنا هكذا كنا في الماضي، وهكذا كان فكرنا الإشراقي، وأنّ الغرب مهد الشيطان، والتكنولوجيا بلاء سماوي، كل ذلك لا يحيي الحكمة الشرقية، ولا يحررنا من سطوة التكنولوجيا. 
 يواصل شيغان تساؤلاته حول قدرة التراث على إصلاح مجرى  الأحداث وتوفير ملاذ آمن لحياتنا الروحية  وكانت الاجابة  ربما، ولكن بطريقة لا واعية يقينا، فتدفق الدماء، والنفوذ الثقافي العميق، والعودة إلى الأصول، کل هذه عوامل مؤثرة ولکن في المیادین اللاعقلانية، أي في ميادين العواطف والغرائز، إلاّ أنّ هذه العوامل تزعزع تخميناتنا المتفائلة جدا، وتربك برامجنا الطموحة وتعرقل فاعليتنا الجريئة، والخلاصة أنها تنسف بقسوة جزءاً من وجودنا يطالب بالجزء الآخر، وتستمر هذه الحال وتتفاقم إلى أن تذوب فاعليتنا التقنية وانجازاتنا التنويرية. 
  وإذن، ما هو الحل في نظر "داريوش شايغان"؟  بالنسبة له ينبغي القيام بکل شيء من جديد، علینا تعلم عملية التفكير من جديد، وأن نبعث أنفسنا للحياة من جديد، من دون المعرفة بـ "القدر التاريخي"، لن تتمکن هذه الحضارات الأسیویة الکبری لا من قفزات کبری ، ولا من إنقاذ روحها، أو الإسهام في العملية الإبداعية داخل إطار العالم الحديث، ولأجل حصول هذه المعرفة أو الاطلاع، علینا إعادة تشخيص کافة المفاهيم الوافدة علينا طيلة القرن الأخير، بعبارة ثانية علينا تعلم التفكير من جديد، وأن نتعرف على أنفسنا كما هي لا كما نظنها، ونكون ما نحن عليه فعلاً. 
ففي الشرق لم يظهر العلم بمعناه الغربي الحديث على الإطلاق، ذلك أنّ العلم لم يصبح دنيويا أبدا، ولم تنفصل الطبيعة عن الروح التي تسيطر عليها، ولم تنحسر تجليات الفيض الإلهي عن مسرح الحياة. 
يقول أتباع مذهب "الفيدآنتا": "المعرفة التجريبية تبقى ذات قيمة واعتبار ما لم يتم إثبات نقيضها". وبهذا المعنى يمكن القول أنّه طالما كان الوجود محتجباً، كانت الحقيقة مجرد اختبارنا للعالم التجريبي.
أفلا يمكن أن نضيف إلى هذا أنّه: متى ما بلغ الإنسان مرتبة المشاهدة المحضة، تكتسي قيمة الحقيقة العلمية -التقنية مزيداً من النسبية؟ على  أن هذا ما لا نستطيع القيام به لأنه يستلزم قفزة وشجاعة هائلة، المعارف العصرية المبعثرة والتي تشمل حقولاً مختلفة، تضع کل واحد منا في حدود علم معين، ولهذا نرانا مغتبطين بالأمن الدافئ الذي وفره لنا حقل تخصصي يصوننا من إغراءات البحار اللاّ متناهية، إلاّ أنّ أيّة تجربة معنوية هي قفزة في ورطة الوجود، وخطر لا تبادر إليه سوى إنسانية تستطيع في وجد لحظة حافلة أن تنسف كل نواقصها وتتخطى كل حدودها وقيودها، بيد أنّ إنسان اليوم كلما أضاف إلى علومه كلما زاد من ضيق أفقه ونظرته، وعلى حد تعبير الشاعر: "حالت أجنحته الهائلة دون تحليقه في السماء". 
يستهجن "شايغان" وصف الشرق بأنّه ساكن متحجر يقدس الماضي، لأنّ ذلك يعني أنّ لديه وفاء الشرق للذاكرة الأزلية مستشهدا بنواليس الذي يعدّ عالم الغيب -والشعر تجليه الأصيل -أكثر واقعية من عالم المحسوسات، ويقول: "الأكثر شاعرية هو الأكثر حقيقة". العالم رؤيا، والرؤيا عالم، وإدراك هذا العالم الخيالي غیر ممکن بواسطة العقل، وإنّما إدراکه عبارة عن حالة باطنية، وهذه الحالة هي
"اکوستیك الروح" أو "صدى الروح"، ومقرّها في القلب أي في اللطيف المعنوي. حينما يقطع القلب صلته بالعالم الخارجي، ويملأ أركانه بالفيض المعنوي، إذ ذاك يولد الدين والنزعة الروحية المعنوية، ويتحقق الشعر، فالمعنوية و کمال الشعر بالنسبة لنواليس هما دين انتقل إلى حیّز الفعل.
 شيلنغ وهو من الفلاسفة المثالیین الکبار في ألمانيا، أسبغ علی المبادیء الرومانتيكية نظاماً فلسفياً، يعتقد شيلنغ في فلسفته الطبيعية" أن الطبيعة هي أوديسة الروح والوجود بمثابة عمل   فني" . 
إنّ اعتماد الحضارات الشرقية علی الحضور الناجم علی الإشراق والإدراك الوجداني، هو فی الواقع نمط من أنماط الوجود، لکل إنسان شرقه وغربه، لیس الهدف المنشود أن نقدم المواعظ لجانب على حساب الجانب الآخر، ولا أن يعلو جانب على جانب، إنّما الهدف أن ينال كل جانب سهمه المناسب. صحيح أنّنا لا نتوفر دائماً على قناعات وتصورات متشابهة ولكن إذا عرض أفضل ما يوجد لدى الشرق والغرب، فربما أمكن إعادة بناء هذا الكل المبضع، ونقصد به الإنسان الحديث. 
وعليه، لن يكون الإنسان "فكرة" بمعزل عن الأمور التي تتخبّط داخل ورطة العدم، ويتوكأ وجوده على حريته فحسب، وإنما الإنسان "عالم صغير" زاخر بالأبعاد له صلاته السحرية والباطنية بكل مراتب الوجود. بهذا المعنى، لن يعود العالم قبساً من العقل الجزئي ولا شبكة من القوانين الفيزيائية والرياضية، العالم حضور في "کلّ" یکشف النقاب عن وجهه لا في موضوعية الأشیاء بل في الكشف والشهود. في إطار هذا المنحى، لن يكون الله تكليفاً لا مشروطاً يمليه العقل العملي "کانط" ولا إشعاعاً من الروح الإنسانية "فويرباخ" ولا هو ثمرة الاغتراب الديني "ماركس"، وإنّما هو تجلّي قدسي وبداهة مباشرة بلا أية وسائط، إن هذه البداهة هي في الواقع أصالة تبني الحقيقة قبل عملية التنوير. 
وفي الختام يوجه "شايغان" السؤال نفسه: ما هو معنى التحدي المعاصر؟
معناه أنّنا عرضة لخطر تغير علاقة الإنسان بالعالم والطبيعة، ولهذا، فلن يساعد هذا التحدي على حوار الحضارات، وليس هذا فحسب بل إنّه بمثابة نسف للحضارات وإذابتها في حضارات أمست عالمية شاملة، ولكن بمعنى من المعاني، نتخبط نحن أيضاً في دوامة من العدمية أشار إلیها نتشه بوصفه - علی الأرجح - المتنبئ الوحيد في القرن التاسع عشر. في مثل هذه الدوامة لن يكون أفقنا الحياتي سوى غروب الآلهة، وانحطاط القيم الميتافيزيقية، الشيء الذي بات محتوماً في الحضارات الشرقية. 


2. مفهوم الاختلاف و التفاوت الوجودي بين الشرق و الغرب 
كل المقارنات و الدراسات التي قام بها "داريوش شايغان "إنما كانت تدور حول فلك جدلية الشرق و الغرب .  أين يرى "داريوش شايغان" أنّ تاريخ الإنسانية يشهد لأول مرة انقلاباً تاماً نكسها  رأساً على عقب، ومثل تغيرا عميقا ما فتئت رياحه تهب علينا من جهة الغرب. في القرنين السادس عشر والسابع عشر انطلق عصر الصناعة، وفي هذا العصر تم الاعتراف بالعلم كقوة "بیکون" وأضحى الإنسان سيّدا ومالكا للعالم "دیکارت". و كما كانت  "محورية الكون " سمة التفكير اليوناني، و"محورية الله -الإنسان " سمة التفكير المسيحي، فقد أضحت محورية الإنسان، هي السمة الغالبة على الممارسة الفكرية في العصر الحديث، حيث تختزل الفلسفة إلى معرفة الإنسان. من ذلك الحين فصاعداً شغل التفكير العلمي -التقني المنبثق عن العلوم الطبيعية، مكان المعرفة التأويلية و العرفانية، التي حافظت على القيم شامخة حتى ذلك الحين وأهلتها لتسهيل التواصل العميق بين شتى الحضارات وهكذا يختل التوازن بأفظع صورة. والعوامل التي أدّت إلى هذه التحولات الجذرية في نظر الفيلسوف الإيراني، هي عوامل متعددة، ولا يمكن تحليل حيثيات هذه العوامل ومفاصلها كما تستحقه، يكفي القول بأن الفكر الغربي   تلقى موروثين كبيرين: الفلسفة اليونانية والثقافة الدينية اليهودية والمسيحية. ورغم كل المساعي المتعاقبة خلال القرون الوسطى، إلاّ أنّ هذين الموروثين لم یستطيعا أن یتلاقحا ويندمجا، و بقیت الترکیبة التي حاولت التوحيد بين التفکیر اليوناني القائم على أساس "محورية الكون" وبين الديانة المسيحية المرتكزة على "محورية الإنسان – الله"، والتي سعت أيضا إلى الجمع بين الدين والفلسفة في وحدة لا تتجزأ، بقيت هذه التركيبة مهزوزة هشة، ولم تستطع الصمود حيال المعارضين المطالبين بالانفصال، وبالتالي فقد انهارت نهائيا عقب آخر المساعي التي أبداها "توما الأكويني". 


3. مفهوم الاختلاف و المثقف 
عندما يتكلم " شايغان" عن مفهوم الاختلاف و علاقته بالثقافة و المثقف فهو يربط هذا الموضوع بالعالم الاسلامي حيث  يرى أن المثقف الاسلامي يعيش في دائرة الاختلاف العقيم و في هذا السياق يقول :" مثقفي العالم الاسلامي يستحمون في حقل الاختلاف ، وضف إلى ذلك ليست وظيفة المثقف محسومة فيه مثلما هي محسومة في الغرب ". ونفهم من هذا أن الاختلاف السلبي و الجدل الهدام هو السبب الذي جعل العقل الثقافي يعيش حالة من التناقضات التي ولدت الركود و الجمود لهذا المثقف . ومن جهة أخرى نجد أن المثقف الغربي عكس ذلك الذي حدد مهمته الثقافية .
و في سياق آخر يبين لنا " شايغان " الفرق بين المثقف في المجتمع الاسلامي و المجتمع الغربي ، فالمثقف الاسلامي هو ذلك الشخص الذي يحسن القراءة و الكتابة أو ذلك الذي يمارس نشاط ذهني مثل الأستاذ ، المهندس ، الطبيب .و لكن المثقف في الغرب يحمل مفهوم آخر إنه ذلك الشخص الذي يتمتع بالروح النقدية الاختلافية فحسب "شايغان " أن مركزه المعرفي يقوم على النقد . الفهم السطحي للعقل الاسلامي لماهية المثقف و دوره وليد غياب فكرة النقد البناء و الاختلاف النير الذي يفضي إلى نتيجة إيجابية . المثقف في سياق الفهم الاسلامي يزاول نشاطه فقط في جو من السكون و الثبات لا يساهم في التفاعلات السياسية و الاجتماعية و الفكرية . المثقف الاسلامي لا يخرج من دائرة تخصصه و الأدهى ة الأمر هو فقدانه عنصر النقد و التشخيص. لهذا يؤكد "شايغان" أن المفهوم الحقيقي للمثقف لم يرى النور حتى الآن في العالم الاسلامي. مقارنة بالفهم الحقيقي للعقل الغربي للمثقف و دوره الذي يعتبره "شايغان " فهم مرجعي يستمد فيه شروحاته. المثقف الغربي هو ذلك الشخص الذي لا يكتفي بالعمل فقط في تخصصه المعرفي بل يدلوا بدوله في التخصصات الأخرى ، أو بعبارة أخرى هو الشخص الذي يتفاعل من التحولات و الأحداث و المستجدات التي يعيشها مجتمعه و يكون في حالة من النشاط و التفاعل و المشاركة المستمرة مع كل جديد ، وخذه المشاركة تكون عن طريق النقد و تفعيل فلسفة الاختلاف . هنا نفهم أن الاختلاف البناء الذي يكون أداته النقد هو الذي يدافع عليه "شايغان" ، هذا المثقف المغير الذي يحتوي على عنصر الحركة و النشاط و الحيوية . 
في سياق آخر يرى أن المثقف لابد أن يشارك في السياسية كمعارض وهنا يبرز قوة تمكنه من النقد ، فالمعارضة السياسية هي ميدان خصب من أجل أن يبر فيها المثقف حنكته النقدية و التشخيصية للمشاكل التي يعانها المواطن على جميع الأصعدة . إن المثقف مرآة عاكسة للواقع  الحقيقي الذي يعيش فيه المواطن. يرى "شايغان " أن المثقف السياسي الذي يعارض  هو مثقف ملتزم ذو مبادئ يدافع بكل قوة على قضية معينة تخدم المجتمع الذي يعيش فيه .    
يقدم لنا " شايغان " صورة واضحة على المهمات التي يجب أن يقوم بها المثقف الملتزم هي النقد و التشخيص و المعارضة السياسية لسلطة و أن يلعب المنظر المفكر في القضايا التي يعيشها مجتمعه . وبركز أيضا على مهمة فكرية أساسية هي الترجمة فحسب رأيه فأن المثقف هو الذي يمتلك اللغة الناقلة الغريبة – اللغة الأجنبية – التي تعتبر الأداة من أجل نقل المعارف الجديدة لمجتمعاتهم و ليس هذا فقط لكن هنالك مهمة أخرى على عاتقهم و هي تكيف هذه المعارف مع الأوساط الفكرية التي ينتمون إليها . فالمثقف حسب "شايغان" له اللغة التي توصله إلى مصادر المعرفة الحديثة. 
يمكن أن نفهم أن الثقافة في التصور "الشايغاني" ليست مجموعات من المعارف التراكمية التي تتخزن في ذهن الشخص الذي نسميه المثقف . بل كلمة الثقافة معاكسة لهذا المدلول تماما فهي تلك الأفكار و المعارف التي تجعل الشخص المثقف في حالة من النشاط الفكري النقدي الدائم المستمر في ذاته و مجتمعه. هي تلك المعارف التي تجعل الانسان شخص فعال مساهم في التفاعلات المختلفة التي يعيشها محيطه. 







خاتمة : 
1- الصراع بين الشرق و الغرب أو بتعبير أخر بين الحضارة الغربية المتقدمة و بين الحضارات الشرقية التقليدية ، في تصور "شايغان" محوره هو الهوية الثقافية كل قطب يحاول أن يهزم و يسيطر على الآخر من أجل أن يبسط ثقافته و منطلقاته الأيديولوجية .
2- رحلة البحث عن الهوية التي انطلق فيها الانسان المعاصر هي رحلة نوع ما معقدة وهذا راجع إلى أن التغيرات التي حملتها الثقافة الغربية غيرت من المفهوم التقليدي للهوية و أصبحت اليوم في قالب عالمي أكثر انفتاحا و مرونتا . و الإنسان الشرقي على وجه الخصوص في حرج من أمره بين التشبث بالذاكرة الذهبية أو الولوج إلى الثقافة الغربية المعاصرة. 
3- هنالك علاقة صراع بين الاسلام و الحداثة الغربية فكل واحد يحاول هزيمة الآخر و الاستيلاء عليه  و تبرير وجوده . فالإسلام يحاول أن يقدم مفاهيم الحداثة في قالب ديني معاصر من أجل أي عطي لها هوية دينية محضة . وهنا يمكن القول أنه صراع الهوية الدينية و الهوية الحداثية . 
4- الأصنام الذهبية هو مصطلح استعمله أخذه "شايغان " من الفيلسوف " فرانسيس بيكون" لدلالة على الأفكار الجامدة التي تعطل عمل الفكر . هذه التصورات الفكرية الثابتة التي كانت سبب في ركود الحضارات الشرقية التقليدية و الذي ولد فيها هذا الحنيين إلى التراث القديم المليء بالأفكار الهادمة.
5- يقر "شايغان " بكل صراحة أن هنالك تفاوت رهيب بين الحضارة الغربية المتقدمة التي أصبحت هي النموذج خاصة في بروزها في ميدان التقنية و التكنولوجيا و بين الحضارات الشرقية القديمة التي مازالت تحن إلى الفكر التراثي و الموروث الديني المأدلج و المفاهيم الميتافيزيقية التي كانت سبب في ركود العقل الشرقي .
6- المثقف لابد أن يكون مختلف عن بقية أفراد مجتمعه وهذا عن طريق ممارسته لنقد و المعارضة و التفاعل و التأثير في المجتمع الذي ينتمي إليه . الاختلاف شرط ضروري في المنظومة الثقافية فهو مؤشر على حيوية و فعالية و حركية ذلك المجتمع.