وضاع ملف القضية بقلم إسماعيل عبد الهادي إسماعيل
تاريخ النشر : 2022-01-13
وضاع ملف القضية          بقلم إسماعيل عبد الهادي إسماعيل


وضاع ملف القضية 

إسماعيل عبد الهادي إسماعيل

منذ نعومة أظافرنا وعبر دراستنا بمراحل التعليم المختلفة علمونا اساتذتنا أن القضية المحورية في عالمنا العربي هي القضية الفلسطينية بكافة أبعادها وأنها هي الشغل الشاغل حتى يتم تحرير كامل الأراضي الفلسطينية من براثن الصهاينة المغتصبين وكانت المقولة المشهورة التي تعلمناه فيما يخص القضية الفلسطينية هي "أعطى من لا يملك حقاً لمن لا يستحق".

ومن الجدير بالذكر أن الجيوش العربية التي تم تشكيلها لمحاربة إسرائيل عام 1948م من كل ٍ من مصر والأردن والعراق وسوريا والمملكة العربية السعودية أمام أعداد منظمة من قوات الهاغانا اليهودية كانت كفيلة بانتصار القوات العربية آنذاك إلا أن مجلس الأمن حظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في فلسطين بهدف تحجيم قدرة الدول العربية على القتال ثم صدر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وللأسف كالعادة فإن العصابات اليهودية لم تلتزم وسعت لتعويض خسائرها وبالتالي انهالت عليها المساعدات العسكرية بصورة كبيرة خصوصاً سلاح الطائرات وخرقت إسرائيل الهدنة  تحت سمع وبصر الأمم المتحدة وفي الثامن من يوليو 1948م أستأنف اليهود القتال على جميع الجبهات وبالتالي تعرضت القوات العربية لسلسة من الهزائم مكنت إسرائيل من بسط سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية وأطلق على هذه الهزيمة نكبة 1948م تماما كما حدث في حرب يونيو 1967م وهو ما أطلق عليها نكسة 1967م !!

ومن خلال هذا الموضوع لا أريد التعرض للتسلسل التاريخي للصراع المسلح بين العرب وإسرائيل فهو موضوع مطروق ويعلمه القاصي والداني.

إلا أن خطورة ما تنبه إليه الغرب عقب حرب أكتوبر 1973م والتي أظهرت إلى حدٍ ما وحدة العرب واستخدامهم للنفط  كوسيلة ضغط ضد الغرب حينها تم التخطيط لتفرقة العرب وتشتيتهم لصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية الرئيسية والانشغال في قضايا أخرى مختلفة وكانت ضربة البداية عام 1989م حينما عينت الولايات المتحدة السفيرة الأمريكية (أبريل جلاسبي) سفيرة بالعراق وفي وقت كان العراق خارج لتوه من الحرب العراقية الإيرانية وكان صدام حسين مزهواً منتشياً بما اعتبره نصراً مظفراً فأراد أن يتجه جنوباً نحو الكويت لغزوها وكانت السفيرة الأمريكية متخصصة في شئون الشرق الأوسط  لذا كان تعينها في ذلك التوقيت ليس عبثياً ولكن لهدف محدد مدروس وبداية لتحقيق الهدف المنشود لشرذمة العرب وخلق بذور الفرقة والانقسام بينهم وقد كان إذ بدأ صدام في حشد جيوشه نحو الحدود الكويتية في 25 يوليو 1990م وحينها سألت جلاسبي صدام عن تلك الحشود معللة السؤال على أنه من باب الصداقة وليس تدخلاً فيما يسعى إليه إذ أن واشنطن لا تتدخل في الخلافات العربية العربية وأن قضية الكويت ليست لها ثمة اهتمام بالعلاقات الأمريكية العراقية, هنا اعتقد صدام أن ذلك بمثابة ضوء أخضر باقتحام دولة جارة عضوة في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومن ثم تحقيق هدفه المنشود فكانت الطامة الكبرى وبداية النهاية للجيش العراقي وتحقيق أول هدف للغرب وأمريكا عن طريق امرأة دبلوماسية ورطت صدام بأسلوب أسال لعابه وصدّق قول العرافين الذين كان يعتقد في كلامهم ويصدق حدسهم.

ثم بعد أن حقق الغرب الضربة الأولى للخطة الممنجهة  بضياع دولة عربية كان لها كيانها وقوتها ووجودها العربي وثراءها فتم الإتجاه نحو فرط باقي العقد العربي فتم استحداث ما أطلق عليه(الربيع العربي) بمداعبة جماعات داخل الدول العربية يسيل لعابها نحو الوثوب إلى سدة الحكم وذلك أواخر عام 2010م وبداية عام 2011م فتم اسقاط زين العابدين بن على في تونس ثم الرئيس محمد حسني مبارك في مصر ثم مقتل الرئيس الليبي معمر القذافي بأسلوب وحشي بربري بإدارة ومساعدة حلف الناتو ثم الثورة اليمنية على الرئيس على عبد الله صالح في اليمن وها نحن نرى ما آل إليه حال اليمنين الآن ثم حركات الاحتجاج الكبرى بسوريا ولا يزال الجسد السوري ينزف حتى وقتنا الحالي.

وهكذا وفي خضم هذه النعرات التي تبناه الغرب بالتواطؤ مع أمريكا أصبح لدينا ملفات شائكة خلقناه بسوء فهمنا للعدو وجهلنا بالسياسة وعدم قراءتنا الجيدة للتاريخ فبعد أن كان لدينا قضية واحدة مهمون بها وهي (القضية الفلسطينية) أصبحنا وقد تراكمت لدينا ملفات جديدة لقضايا أخرى في العراق الجريح واليمن الكسيح وليبيا ذات الإيدلوجيات المختلفة وكلٍ منها يطمح في الحكم والسيطرة وسوريا الممزقة والتي أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بما فيهم إسرائيل!

وأصبحت القضية الرئيسية التي كنا ونحن صغار يعلمونا أنه لا توجد قضية سواها ولابد من الوحدة ولم الشتات لتحقيق الهدف لدحر العدو وتحرير الأرض الفلسطينية من مغتصب أخذها خلسة أصبحت القضية في طي النسيان وفقدنا الذاكرة نتيجة الأحداث السريعة المتلاحقة في زمن قصير وبالتالي عاثت إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية فساداً وزادت عناداً واعتداءً على المواطنين العرب العزل وأصبح وكأن الأمر لا يعنينا لإننا مشغول في هموم جمة صرفتنا عن الهم الأكبر وكل ذلك من صنع أيدينا وجهلنا بسيكولوجية العدو وعدم قدرتنا على مواكبة تفكيره وتخطيطه وصدق المتنبي حين قال:

إذا رأيت نيوبَ الليث بارزةً ... فلا تظُنن أن الليثَ يبتسمُ.