ديزموند توتو الذي انحاز لإنسانيته وللحق الفلسطيني بقلم دكتور محمد عمارة تقي الدين
تاريخ النشر : 2022-01-06
ديزموند توتو الذي انحاز لإنسانيته وللحق الفلسطيني

بقلم: دكتور محمد عمارة تقي الدين

"على العالم أن يضع حداً لهذا الظلم الواقع على الفلسطينيين... يجب أن تنتهي هذه المهزلة"، تلك كانت الترنيمة التي طالما رددها ديزموند توتو المناضل الجنوب إفريقي وكبير أساقفة جنوب أفريقيا الذي رحل عن عالمنا جسداً وبقي قيمةً وروحاً.

لقد رأي توتو أن الإنسانية لا يجب أن ترتبط بحدود، وأن القيم العليا لا تتجزأ، فانتقل من مناهضة الفصل العنصري في موطنه جنوب إفريقيا، إلى الانحياز للحق الفلسطيني حيث إدانة السلوك الإجرامي للصهاينة، إلى مساندة مسلمي الروهنجا في بورما إلى مناهضة سياسات موجابي في زيمبابوي وغيرهم، فهو يدور مع الحق حيث دار، وحيث كانت المظالم فهو وطنه.

إنحاز الرجل لإنسانيته مُلبياً نداء القيم الأخلاقية العليا، رغم أنه يعلم أن هذا الانحياز سيكلفه كثيراً، فالرياح العالمية تهب باتجاه الكيان الصهيوني، إلا أنه فضل السير في الاتجاه المعاكس حيث وعورة الدروب وقلة سالكيها، ومن ثم أعلن أن:" الاحتلال فعل بالشعب الفلسطيني ما لا يمكن لإنسان أن يقبله، وأن ما يتعرض له الفلسطينيون هو أسوأ مما كان يحدث في جنوب إفريقيا، إنه معسكر كبير للاعتقال، والفلسطينيون أسرى بداخله... إسرائيل هي أكبر معسكر اعتقال في التاريخ المعاصر".

لقد دعا الفلسطينيين لاستلهام ما حدث في جنوب أفريقيا حيث حملات مقاطعة النظام العنصري، والدعوة لفرض العقوبات الدولية عليه وتبصير الرأي العام العالمي بحقيقة ما يجري على الأرض من ممارسات إجرامية.

كان نداؤه الأخير قبل وفاته هو للرئيس الأمريكي جو بايدن، إذ طالبه بوقف   المساعدات التي تقدمها بلاده لإسرائيل تلك التي تمارس القهر ضد الفلسطينيين، كما دعاه للنظر بعين الاعتبار للترسانة النووية الإسرائيلية التي باتت تمثل تهديداً وجودياً للمنطقة بأكملها.

 

أدان مساندة الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل، وأدان سلوك الولايات المتحدة المشجع لإسرائيل على عنفها، مؤكداً أن الولايات المتحدة قد دفعت لإسرائيل عبر السنين مساعدات تتجاوز ثلثمائة مليار دولار وهي مبالغ ضخمة جرى توظيفها لتكريس معاناة الفلسطينيين، هكذا تقوم الولايات المتحدة بمكافأة المجرم دون الانتصار للضحية.

رفض التراجع عن مواقفه المبدئية رغم الهجوم الضاري عليه من أتباع الصهيونية العالمية، كما وجه كثيراً من الخطابات للإسرائيليين مؤكداً أن صوت المدفع لن يشعرهم بالآمن، وأن السلام الحقيقي طريقه هو العدل، فقهر الفلسطينيين لن يحقق إلا مزيد من عدم الاستقرار، وكان يقول لهم :" كيف تعرّضوا الشعب الفلسطيني لهذا الكمّ الهائل من المعاناة وقد تعرضتم في السابق لمثلها من النازيين، حرّروا أنفسكم بتحريركم لفلسطين".

لقد  أكد أن الفلسطينيين يدفعون ثمن الهلولكوست النازي، وأن  الغرب يشعر بالذنب تجاه إسرائيل لأن المحرقة قد ارتكبت في أرضه، لذا فهو يتجاهل ما يرتكبه الصهاينة بحق الفلسطينيين، وهو منطق مقلوب.

"نحن ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.. نحن ضد الظلم والعنصرية والإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. ولكننا لسنا ضد اليهود"، ذلك هو أحد الهتافات التي صاغها توتو مطالباً المتظاهرين في بلاده بترديدها في العام 2014م حينما اندلعت المظاهرات ضد الكيان الصهيوني لما يرتكبه من جرائم في غزة . 

ومن ثم دعا لممارسة ضغوط حقيقية على الكيان الصهيوني محلية وعالمية، مؤكداً أنه لن ينسحب طوعاً من الأراضي الفلسطينية.

كان الرجل داعية أمل، إذ آمن أن:" بالأمل سننتصر وأن الاحتلال يريد دفعنا لخانة اليأس لنفقد قدرتنا على المقاومة" ، فقد أكد أن  النضال من أجل الحرية سينتصر حتماً في نهاية الأمر، فكل أنظمة الظلم إلى زوال، وهكذا كان كل من هتلر وستالين وموسوليني وبينوشيه وغيرهم، كلهم كانوا أقوياء جداً، ولكنهم في النهاية انهزموا هزيمة مُذِلّة. 

في عام  1984 م حاز توتو على جائزة نوبل للسلام، إلا أنه في عام 2016 خاطب لجنة الجائزة لمنح الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي جائزتها لأنه ناضل هو الآخر من أجل الحرية لوطنه.