العالم يتغير بقلم عبدالهادي سمير البحيصي
تاريخ النشر : 2022-01-06
العالم يتغير          بقلم عبدالهادي سمير البحيصي


العالم يتغير 

بقلم: عبدالهادي سمير البحيصي

في 29 من فبراير عام 2020 وقعت الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان إتفاق الدوحة ونص الاتفاق على انسحاب جميع القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وتعهد طالبان لمنع القاعدة من العمل في المناطق الخاضعة لسيطرتها وإجراء محادثات بينها وبين الحكومة الأفغانية ، حظي هذا الاتفاق بتأييد كل من الصين وباكستان وروسيا وأيده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفي التاسع والعشرون من شعر أغسطس الماضي لعام 2021 غادر أخر جندي أمريكي  الأراضي الأفغانية بعد احتلالها منذ عام 2001 لتصبح بذلك الحرب على أفغانستان أطول حرب عسكرية خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك وسط موجة كبيرة من الانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها الحكومة الأمريكية بعدما سيطرة حركة طالبان بسرعة كبيرة على البلد الذي مزقته الحروب وأنهكه الفقر والجوع ويرى الكثير من الخبراء الغربيين أن ما يحدث الآن هو بداية النهوض الإسلامي الجديد الذي غاب لأكثر من مائة عام وهنا يبدأ العالم فعلياً بالتحضير للمرحلة الجديدة القادمة والتي سيكون عنوانها الرئيسي الدولة الإسلامية انطلاقا من أفغانستان ، أن هذه العبارة تعني أمورٍ عظيمة وخطيرة جداً على السياسات الأمريكية بالإضافة إلى توازن القوى الغربية وهذه الأمور بكل أسف يجهلها تماماً الجيل الجديد الغارق ، يجب علينا الرجوع لمعاهدة لوزان عام 1923 لفهم ما يحدث الأن والتي تم الاتفاق فيها من قبل الحلفاء المنتصرين على تقسيم الحدود الجديدة لتركيا عقب الهزيمة في الحرب العالمية الأولى ، أرادات القوى الغربية إنهاء دولة الخلافة أو السلطنة العثمانية فكلمة الخلافة هي الإطار الذي يوحد المسلمين وعلى الرغم أنها في الفترة الأخيرة ضعفت إلا أنها ضلت رمزاً معنوياً بلا قيمة سياسية مؤثرة ، فالغرب فعلياً غير قادر على محو الدين والشريعة بشكل كامل لذلك لجأ إلى فك الارتباط بين الدين والدولة بحجة إدخال التنوير العلماني الذي تقوده المحافل الماسونية الكبرى ضد الفكر الإسلامي بغية الوصول إلى التمدن ومن ثم تفكيك الدين من الداخل إلى الخارج وبالتالي القضاء على الدولة الإسلامية فالهدف دينياً بالدرجة الأولى يهدف إلى منع تجمع المسلمين حول دولة واحدة أو مبدأ واحد يهدد المصالح الغربية في العالمين العربي والإسلامي فيتفرق المسلمون وتضعف دولهم وتنهار.

يقول مجلس الشيوخ الأمريكي أن ترك حركة طالبان بهذه الحرية سيؤدي إلى امتداد القوة الإسلامية بشكل كبير وخلال بضع أعوام قليلة قد تتغير خارطة العالم وتنظر بتهديدات لا يمكن ردعها للمصالح الأمريكية والغربية على حسب تعبيره ، بعيداً عن الأنباء المتضاربة والعواطف الجياشة بين تأييد ورفض أن الأمر الذي لا يعلمه أغلب الناس أن هناك هدف خفي وراء الانسحاب الأمريكي وهو بناء جدار إسلامي في وجه التنين الصيني القادم بقوة تهدف الصين اليوم إلى السيطرة وانتزاع القوى من الإمبراطورية الأمريكية فالحرب الاقتصادية بينهما مشتعلة منذ عشرة أعوام أو أكثر والحرب العسكرية باتت على الأبواب وفي نفس الوقت ازدياد قوة طالبان سيؤمن خط دفاع غير مباشر للمصالح الأمريكية فالصين لكي تمر إلى المضائق الأربعة يجب عليها أولاً اجتياز أرض الأفغان وإذا تمكنت من ذلك ستسيطر على مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس وجبل طارق وستسيطر فعلياً على النفط في الشرق الأوسط وبذلك سوف تعزل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبشكل كامل وفي نفس الوقت بدأت بعض الحكومات في المنطقة العربية بالتوجه إلى الصين وتقوية العلاقات .

وبهذا ستقام دول إسلامية رغماً عن الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوقوف كحائط في وجه الصين وهو الأمر نفسه الذي فعلته مع أفغانستان في حقبة الاتحاد السوفياتي فلقد دعمت المجاهدين الأفغان بشكل كبير من أجل انهاك الاتحاد السوفياتي ومن ثم انهياره وبعدما نجحت في ذلك قامت بالانقلاب على المجاهدين الأفغان فهذه السياسة تلعبها في كل مرة وهو الأمر نفسه الذي يخطط الآن ولكن بشكل عميق لكن هذه المرة ستختلف الأحداث فإذا أقيمت الدول الإسلامية في الشرق سواء تصدت للصين أو تحالفت سوف تشكل قوةٍ شديدة الترابط وقد تنشئ بعدها قوةٍ إسلامية موحدة وهذا الأمر لن يرضي الغرب وسوف ينقسم العالم إلى جبهات متعددة متحاربة مما سيولد في النهاية حربً عالمية ثالثة لا مفر منها ، فهذا العقد الذي نعيش فيه ليس عقداً نمطياً أبدا بل هي عشرة أعوام عجاف ستغير شكل العالم وبشكل كبير .