حزب العدالة والتنمية المغربي يفشل بوضع المكياج على وجهين
تاريخ النشر : 2022-01-04
حزب العدالة والتنمية المغربي يفشل بوضع المكياج على وجهين

قراءة في رذالة الفضيلة

بقلم: نسيم قبها 

في تصريحاته المهدرجة نفاقا بالسياسة ، اعتبر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، بأن موقف حزبه من التطبيع مع إسرائيل، ((لم يتغير ولن يتغير، وسيظل ضده بدون شك ولا خلاف)). عازيا أن الإسرائيليين لازالوا يسيئون إلى الفلسطينيين ويأخذون أراضيهم ويجرفون أشجارهم ويعتدون عليهم، مضيفا: (نحن نتفهم موقف الدولة المغربية، ولن ندينه، لكننا نستغرب لهرولة البعض نحو التطبيع بأي شكل من الأشكال).

بقراءة أولية لا يمكن هضمها لمثل هكذا تصريح غوغائي لبنكيران ، فإنه شعشع لنا  تناقضات حديثه (الآثم) من أوله المتملق لسياسة الدولة حتى  آخره المفعم بالتغريد خارج ( الحلال) ،  وأنه تصريح كهذا متعارض مع الحقائق كما يعرفها الخاص والعام، يبين حقيقة موقف العدالة والتنمية( المتأسلم) من التطبيع القائم على هدر الحقوق ونكرانها ،  بشكل دراماتيكي، فانقلب رأسا على عقب أمام شاشات السياسة .

 لقد تجرّع الحزب حين وقّع أمينه العام السابق (سعد الدين العثماني) على صفقة التطبيع مع الكيان الصهيوني، مقابل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء. شاشات الفضائيات ومواقع النت واليوتوب، وأرشيفات الجرائد الورقية والإلكترونية تعُجُّ بصور العثماني التي لا يمكن خذفها ، وهو يوقع على الصفقة المذكورة ، والمحرمة على المذاهب الأربعة ، إضافة إلى الإثنا عشرية .

 لقد كان هذا التوقيع اعترافا صريحا ولا لبس فيه بالتطبيع مع الصهاينة  وقبولا بهم كدولة تكنس دماء الفاتحين في فلسطين ، ما يعني تغيرا لموقف العدالة والتنمية الذي لا موقف له باعتباره ليس أكثر من جعجعة للنظام .

 فكيف للحزب عدم الاعتراف بالتطبيع يا ترى ؟ ، وما هو عدم التغير منه ؟ والمزعومُ من جانب عبد الإله بنكيران؟؟

هنا يحتار المرء المشكل عليه فراءة السياسة في استيعاب قول بنكيران عن التطبيع مع الكيان الصهيوني: (نحن نتفهم موقف الدولة، ولن ندينه، لكننا نستغرب لهرولة البعض نحو التطبيع)، فالهرولة نحو التطبيع تتم في كنف الدولة وبتشجيع منها، ولولا دعم الدولة للهرولة لما عايناها وهي تجري بهذا الإيقاع المتسارع ، وإذا كان بنكيران يتفهم موقف الدولة، فلماذا لا يجاريها في قبوله التطبيع؟.

 الدولة عقدت صفقة ثلاثية، هي من جهة، وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، والصفقة وثيقة بنوية ومتكاملة، وفحواها التطبيع مقابل الاعتراف، ولا يمكن الفصم بينهما.

وحين يُقدِّرُ العدالة والتنمية قبول الاعتراف ورفض التطبيع، فإنه يتصرف بانتقائية غبية سياسيا ، ويحاول أن يأخذ من الصفقة ما يعجبه الذي هو الاعتراف، وأن يترك على الطاولة ما لا يرضيه ألا وهو التطبيع، وهذا خيارٌ تنتقيه سذاجة سياسية لا تستحق ربطة العنق ، فإما أن تقبل الاعتراف ومعه التطبيع، أو ترفض التطبيع ومعه الاعتراف.

لقد بنكيران على نفسه وعلى أصنام حزبه وعلى المغاربة، حين بارك الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وصفق له بعدما تجرع انتحاره السياسي ، الأمر الذي جعله يحاول يائسا، التنصل من التطبيع المقرون بالاعتراف، اقترانا عضويا لا انفكاك فيه.

ما كان ينتظره الرأي العام المغربي أولا ، والعربي ثانيا  من حزب العدالة والتنمية، باعتباره أكبر حزب سياسي إسلامي في المغرب، ليس إدانة الدولة المغربية، كما ورد في تصريح بنكيران وقبله العثماني، فهذا أكبر من طاقة العدالة والتنمية وحجمه ، لقد كان المطلوب مغربيا من الحزب، الإعلانَ عن موقف سياسي واضح من الصفقة الثلاثية، هل العدالة والتنمية معها كما تم تقديمها للمغاربة؟ وفي هذه الحالة كان عليه تبنيها متكاملة وغير متجزئة، وأن يدافع عنها، بما في ذلك التطبيع الذي يشكل الركن الأساسي فيها، وكان الحزب سيبدو بموقفه هذا، منسجما مع نفسه، سواء بالنسبة للمتفقين أو المختلفين معه في الموقف الذي اتخذه، ما يعني عدم الضحك على ذاته وعلى المتابعين ، 

وإما أن يرفض الحزب الصفقة كاملة متكاملة، وعلى رأسها الاعتراف المقرون بالتطبيع، وأن يتوجه للشارع المغربي بدفوعاته التي تجعله يعارضها، ويسعى للعمل، بشكل مشروع، على معارضتها، من كل موقع يوجد فيه، وذلك في إطار ممارسته لحرية التعبير، كحقٍّ منصوص عليه دستوريا، فوظيفة أي حزب، طبقا لما هو متضمن في الدستور ، هي تأطير المجتمع سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، وتوضيح الأمور السياسية الغامضة عليه، لكي يكون للمجتمع منهاموقفا مبنيا على دراية ومعرفة بتفاصيلها، وليس بالضرورة في تحرك حزب العدالة والتنمية في هذا الاتجاه، إدانة للدولة المدانة أصلا وفصلا ، بقدر ما هو تعبيرٌ عن رأيه في قرار سياسي ذاتي لا يوافق الحزب عليه.

إن أسلمة الأحزاب التي تتماها مع سياسة التطبيع ، لهي أخطر بكثير من تماهي الأحزاب البريغماتية ، باعتبار أن حس الناس الإسلامي (عربيا وإسلاميا)  في التعاطي مع القضية الفلسطينية هو الطاغي ، ما يعني زيف هذه الأحزاب  ، وخذلانها لنفسها أولا ، وللشارع ثانيا ، الأمر الذي يحتم على الناس كنسها ، ورجمها بالأحذية البالية.