ماهي مبررات التطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن؟ بقلم إسماعيل فرج
تاريخ النشر : 2021-12-03
ماهي مبررات التطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن؟      بقلم إسماعيل فرج
إسماعيل فرج


 ماهي مبررات التطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن؟

بقلم: إسماعيل فرج 

في إفتتاح دورة مجلس الشعب عام 1977م وتحديداً في التاسع من شهر نوفمبر1977م أذهل السادات العالم حينما أعلن عن عزمه الذهاب إلى القدس وإلقاء خطاب في عقر دار الكيان الصهيوني وعقب ذلك بفترة وجيزة دعت الحكومة الإسرائيلية السادات بحفاوة إلى الزيارة والتي تم إيصالها إليه عبر السفير الأمريكي في مصر, ووصل السادات إلى إسرائيل في زيارة مدتها ثلاثة أيام وأسفرت تلك الزيارة وإلقاء السادات لخطابه الهام تمخض عنها مبادرة السلام بين مصر وإسرائيل, وكان السادات رجلاً ذو حصافة وبعد نظر وقدرة سياسية فائقة إذ أنه وضع نصب عينيه من خلال تلك المبادرة الوصول إلى أكبر قدر من المكاسب لمصر وللقضية الفلسطينية ويظهر ذلك بوضوح من خطابه الذي ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 20/11/1977م والذي شدد من خلاله على أن فكرة السلام قائمة على نظرة شمولية عامة وليست أحادية الجانب وأن على إسرائيل أن تدرك أن سياستها التوسعية  العدوانية لم تعد تجدِ نفعاً في هذا الزمان.

وعلى الجانب الآخر فوجئ السادات برد الفعل العكسي من زعماء العرب نتيجة للنظرة القاصرة لديهم آنذاك وأنهم كانوا لا يزالون ينتهجون إيدلوجية جمال عبد الناصر من الوحدة العربية والقضاء على إسرائيل وإلقاءها في البحر هي ومن وراءها وتلك الأيدلوجية لم تكن سوى طنين واستهلاك محلي وتهديد دون توفير الأدوات التي تعين على إحداث الفعل على أرض الواقع والإعداد الجيد لتحقيقه أضف إلى ذلك أن إسرائيل منذ أنشئت على يد وزير خارجية بريطانيا جيمس آرثر بلفور عام 1917م من خلال ما أطلق علي (وعد بلفور) ثم بعد انهيار الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس وأفولها تولت أمريكا حماية إسرائيل ورعايتها من كافة الجوانب حتى وقتنا الحاضر حتى أشيع أن إسرائيل تعتبر الولاية الواحد والخمسون  لأمريكا.

وأسفرت تلك النظرة المعاكسة أن اتخذت الدول العربية بعد تلك الزيارة قراراً بمقاطعة مصر ونقل مقر الجامعة العربية من مقرها الرئيسي بالقاهرة إلى تونس عام1979م وحاولت العراق وسوريا آنذاك سد الفراغ الدولي الذي خلفه غياب مصر فقامت الدولتان بتشكيل وحدة بينهما عام1979م ولكن سرعان ما باءت بالفشل الذريع وانهارت خلال أسابيع قليلة.

وفي 20/11/1979م عقدت قمة تونس العادية والتي أكدت وأصرت على مقاطعة مصر وبالتالي ازداد التشرذم العربي والتخبط السياسي والرؤية العربية الضبابية والتقوقع والتخبط السياسي العربي.

إلا أننا فوجئنا وبعد مرور أكثر من إثنين وأربعين عاماً على مبادرة السادات للسلام والتي كانت لها مبرراتها وأسبابها الجوهرية نتيجة خروج مصر من حرب أكتوبر 1973م ولم تكن مصر قد استردت كامل أراضيها المحتلة عام 1967م فاستطاع السادات ومن بعده حسني مبارك بجهود مضنية بذلت من أساتذة ورجالات القانون المصريين من استعادة كامل الأرض التي كانت محتلة, نفاجأ اليوم بسعي بعض الدول العربية حثيثاً إلى التطبيع مع إسرائيل في زمن اختلفت فيه الأوضاع تماماً عما كانت عليه زمن السادات ومناحم بيجين ورعاية جيمي كارتر فإسرائيل اليوم تتسم بالغطرسة والاعتداء شبه اليومي على المسجد الأقصى وعلى المواطنين الفلسطينيين العزل غير عابئة بالقرارات الدولية ولا بالشجب العربي الذين أصبحوا لا يملكون سواه.

فما هي الأسباب والدوافع التي حدت بالإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والأردن ثم أخيراً المغرب والذي بتاريخ 10/12/2020م أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بأن المغرب يتجه نحو التطبيع مع إسرائيل وأنه سيقف بجانبها في قضية الصحراء الغربية التي تبلغ مساحتها 266,000كيلو متر مربع والمحتدم فيها الخلاف بين المغرب وجبهة البوليساريو وكأن ترامب يهب تلك الصحراء للمغرب كما وهب بلفور فلسطين للصهاينة مقابل ذلك التطبيع مع إسرائيل وهو أمر ينطوي على التلاعب والغش, علماً بأن هناك تهديدات ومناوشات بين الجزائر والمغرب والبادي للقارئ الجيد للأحداث أن المغرب تستقوى بإسرائيل ضد شقيقة عربية جارة لها وبينهما وحدة دم ونسب وكفاح مشترك سابق ضد المحتل الفرنسي وهو الأمر الذي آثاره الساسة والكتاب الجزائريين عبر وكالات الأنباء العالمية والعربية ومخاوفهم من ذلك التطبيع في ذلك التوقيت للدرجة التي ذكرت جريدة النهار الجزائرية بتاريخ 25/8/2021م إن الجزائر قطعت علاقاتها مع (جار السوء) في إشارة إلى المغرب لإن هناك تحرشات واستفزازات من جانب المغرب للجزائر, فهل وصلت الدرجة بإحدى الدول العربية أن تقوم بالتطبيع مع عدو وتعقد معه معاهدات دفاع عسكري مشترك لتهديد دولة شقيقة؟!.

لا نعلم ماذا يجري خلف الكواليس وما يخبئه الغد وكيف سيصل بنا الحال كعالم عربي تحركه قوى خارجية من أجل مصالحها وفي المقام الأول مصلحة إسرائيل وحمايتها ومن المؤسف أن الغرب يخيفنا بعدو آخر وهو إيران ليصرفنا عن العدو الحقيقي ذو اليد الطولي في سوريا ولبنان فضلاً عما يحدث جهاراً نهاراً في فلسطين, فهل التطبيع الحادث الآن من بعض الدول العربية والذي لا نعلم ما يخفيه الغد من دخول دول أخري في ذلك المولد الذي يقيمه مولانا الأمريكي على شرف الكيان الصهيوني هل له أهمية وفائدة لصالح القضية الفلسطينية الرئيسية الأزلية أم أنها المصالح الفردية الذي اتهم العرب به السادات منذ نيف وأربعون عاماً وما اتهموه به وشجبوه وأرغوا وأزبدوا يقومون الآن بفعله مع الأخذ في الاعتبار أنه شتان بين ذاك الزمان وزمن التطبيع الآن في التفكير والرؤية والحصافة وحسن التقدير والنظرة المتأنية للأمور بميزان العقل والمنطق دون تعمد الإساءة إلى الآخرين؟

حقاً العرب اتفقوا على ألا يتفقوا!