الحب في المنفى بقلم عمار أسامة جبر
تاريخ النشر : 2021-12-02
الحب في المنفى           بقلم عمار أسامة جبر


الحب في المنفى

بقلم: عمار أسامة جبر 

في شقة منعزلة صغيرة في الطابق السابع في مكان ما، منفردا بأوراقي وبضوء خافت ينير بياض الورق، احاول جاهدا ألا ابوح بأسرارك، أُخفي شذى عطرك عن خلق الله، شيطان الكتابة يحاورني، وقسم الليلتين يجذبني، الصمت موحش في الغرفة، أستمع لتكات عقرب الثواني في ساعتي الملقاة بعيدا بجانب تلفاز لم يعمل منذ خمس ايام، أتذكر انه كان تلفازاً ملوناً تحول في غيابك الى أبيض وأسود.

 بدونك تبدو الكلمات ركيكة وكل ما أكتبه يحال بسرعة الى ضيف على سلة المهملات     مر على الغياب شهرين، لم أسمع عنك، لم ترسلي بطاقة بريدية، لم تفلح الالف محاولة لإيجادك للأسف، انتقلت بعدك إلى منفى جديد، منعزلاً أحاول إيجاد ذاتي، لن يستقر بي المقام طويلا في هذه الشقة، لأنها كغيرها خاوية من الذكريات، لما اقاسمها الحديث عنك صباحاً، لم تشاركنا قهوة الصباح ولا تزينت شرفتها بورود جلبتها بنفسك، لم تشهد على قبلة خاطفة، أو وداع حار، أو حتى تحية صباح، باردة رغم أننا في حزيران، بردها يجتاح الجسد، أرتدي ملابسي وأهرب من المنفى العلوي إلى الشارع، أقود بلا تفكير، الليلة رأس السنة الكل يحتفل، أماكن السهر تمتلئ وأصوات المغنين تمتزج لتداعب الممتنعين عن الدخول، حللت ضيفاً بعد قيادة طويلة على شارع مزدحم، الزحام لا يخف ولا تتحرك سيارة إلى بعد عناء طويل، يذيع الراديو أغنية مغاربية تتغنى بالأندلس، تتطاير أمام عيني ذكريات بني الأحمر وشجيرات النارنج وعبارة لا غالب الا الله، تزهو على رؤوس القباب، وأتذكر شعرك المتموج يتطاير زائراً عواصم ربما لم أزرها أو ربما لم أقع بغرامها، لأنني أعشق دفئ الشرق وأرتاح له، ضعت في هذا الملكوت الجميل للحظات، أيقظني أصوات الحانقين في الطابور خلفي، أضغط فرامل السيارة لأتوقف على الحاجز أول وأمرر أوراقي الثبوتية لجندي يصطنع ابتسامة، ليصادفني بعدها بمئة متر حاجز أخر ليقابلني جندي أخر بعبوس مطلق، مستاء من تواجدي في هذه الساعة المتأخرة لأنه مضطر أن يزيح اللثام عن وجهه ليلفحه برد كانون، زائرٌ قاسٍ يجعله ساخطاً علي وعلى رئيسه، وعلى الطابور الذي يتوجب أن يتفقدهم شخصاً شخصاً، على الحاجز الثالث جندي مستجد ثابت كسنديانة تقارع البرد تحدث بصرامة وطلب الأوراق الثبوتية ودقق في كل شبر في سيارتي، بل وزاد من حنقه عندما طلب أن أترجل من سيارتي لفحه هواء ساخن يتصاعد من المكيف، وبدأ بالتنقيب حتى عن أعقاب السجائر وبدأ يحصي كم عقب لثمته أنثى وكم نوع أحمر شفاه عبقها، زفرة حارة تتبعها تمتمة لم أعلم معناها طلب مني الانصراف بحدة، أعود لألقي بجسدي المتهالك على فراشي البارد، ألقي نظرة من شباكي على الشارع المقابل ولا أملك في نهاية ليلتي سجائر أو رفاق، تدق ساعتي لتعلن أن يوم جديداً ابتدأ وسنة جديدة بدأت، وأنني ما زلت منفياً في عالم بعيد جداً.