النـاموس بقلم بهائي راغب شراب
تاريخ النشر : 2021-11-30
قصة قصيرة

النـاموس

بهائي راغب شراب

..
يتقدم الناموس نحو الأرض ..
يرتفع على بابها إعلان كبير نقشت على وجهه المضيء حروف منيرة تقول : " الأرض الآن .... مغلقة للتحسينات " ..

ناموس

الأرض تلد الحياة ، تماماً كما أنها تدفنها في باطنها الملتهب ، الأرض جزء من الإنسان وبدونه لا تولد الحياة فوقها ، فما الأرض إلا تجمع بشري تراكم عبر العصور إلى أن أتى الوقت الذي انعدم فيه الفرق بين الأرض كجماد وبين الإنسان كحياة ، حيث اتحد الاثنان في ذات واحدة ...
لقد خلق الله الأرض .. وخلق اللهُ الإنسانَ .

آية
عبد الرحمن إنسان يولد كل يوم ، ومع الولادة ينبعث صراخه بلا انقطاع ، منذ دفعته والدته إلى الحياة وهو يصرخ ، اتحدت صرخاته مع صرخات أمه التي تفتق جرحها عن النزيف الذي لم يتوقف حتى اليوم ، ينمو طلق ولادته في ذاكرته ، يتحول إلى رشقات رصاص ، ينمو أكثر ... يتحول إلى طلق مدافع .. ينمو أكثر ... يتحول إلى أزيز مدمر يحلق فوق رأسه ، ينسف تعبيرات البراءة والانفعال الطفولي في نفسه ، لقد أصبح حاقداً تتوارى خلف حقده آماله الخفية في الحب والحياة .
عندما قالوا له أن أمه اختفت بعيد ولادته لم يصدق ما يقولون ، قالوا له قد أعطتك حياتها ثم اختفت ، يريدون تحميله إثم اختفائها ، يريدون له عندما يكبر ويمشي بين الناس أن يطأطئ رأسه تكفيراً عن ذنب لم يرتكبه ولا يعتقد بصدوره عنه.
كانوا جميعاً يحبونها ويتوددون إليها ، كانت طيبة تجمع في طياتها طيبة جميع النساء ، كانت بارعة الجمال .. جمالها يزرع الآمال والعنفوان في العيون التي تراها ، كانت منبعاً للحياة والدليل ولادتها له فقد أعطته الحياة ومضت..

إن أحداً لم يستطع تقديم تفسير له ... لماذا تركوها تذهب ولماذا وافقوا على استقباله ، وهو القاتل كما يقولون .. لماذا تخلوا عنها وتركوها تعاني بمفردها آلام المخاض العسير ، واحداً منهم لم يفكر باستدعاء الطبيب وتقديم العلاج لها ، بل أن أحداً لم يفكر بالشد على يدها ليعطيها الثقة والأمان .... كل ما استطاعوا قوله أنهم ينفذون وصيتها ويستقبلوه .

ناموس
فاطمة تحبه .. وهو يعرف ذلك لأنه يحبها أيضاً .. لعلها الشيء الوحيد الذي يشعره بقيمته فوق الأرض ... إنها تعلم أن الجميع يخادعونه وهم جميعاً يحاولون الانتقام منه لأنه ابن المرأة التي رفضت الاستسلام لهم ورفضت منحهم مفاتيح نبعها الخالد لأنها ليست صاحبته ولأنه ليس من حقها منحه لأحد غير صاحبه وهي فقط أمينة تحفظ الأمانة

آية
شاركت فاطمة عبد الرحمن همومه ، جعلت أوقاتها ملكاً له وحده ، يبدد أحزانه وانفعالاته ، لقد جعلت من نفسها الحديقة المقدسة التي تعطر ساكنيها وزارعيها وقاطفيها ، إنها تحبه .. تحبه ، وهي أبداً لن تخون قلبها ولن تتخلى عنه ، إنه بأمس الحاجة إليها .. الجميع ضده .. ماذا فعل لهم ، ولماذا طغيانهم ضده ... سؤال يؤرقهما ويكاد يدمر بصيص النور في حياتهما .. و الجواب لا يأتي ..



ناموس
عندما نشبت الحرب وانتهت ، كان صغيراً لا يفهم معنى أن تندلع الحرب وأن يتحول الإنسان فجأة من إنسان له كامل الحق في تحقيق ذاته الآدمية ، إلى مجرد دمية يلهو بها إنسان الحرب .... ويل للحرب منه وويله منها لقد علمته الحقد والعيش في حالة استنفار كامل لحواسه ليكون على استعداد دائم لخوض المعركة التي لم تتوقف أبداً.

أخبروه أن أبوه قد مات وهو يحمل بندقيته الكارلو ويتقدم نحو إحدى الدبابات التي ترفع علماً عربياً يعرفه ، لم يدر أن الموت يترصده من داخلها ... بعد فوات الأوان عرف الحقيقة .. أراد العودة أدراجه ... التفت وراءه فوجد الأبواب موصدةً ... تجمد مكانه .. إن أحداً لم تواته الجرأة للخروج إليه وإعادته ... الغربان تملأ الشارع ومن فوهات المدافع يترصد النعيق كل من يحاول التقدم ... وبلي أبوه ... وانتهت المعركة ... خرجوا ليعيدوه .. لم يجدوا له أثراً ... بحثوا في كل مكان ... لقد اختفى ...

ناموس
يتراكم الحقد في قلب عبد الرحمن ، تحاول فاطمة تخفيف وطأة الكبت على نفسه ... تدور حوله .. ترفرف بجناحيها لينطلق معها نحو القمر الذي ينتظر قدومهم إليه بلا كلل ولا ملل في سماء الزقاق الذي يحتوي داريهما معاً .. تريده أن يشعر بالهدوء وأن يطعم أمان الحياة .

آية
يعاني عبد الرحمن الخوف الذي يزداد يوماً بعد يوم في داخل نفسه ، أصبح شاغله الوحيد الانتصار عليه ، لم يكن عبد الرحمن جباناً يتوارى أمام النسمات الخفيفة بل قويٌ جامح ، لم يكن ليخش شيئاً أكثر من طغيان الخوف على تصرفاته وتفكيره ، وخوف عبد الرحمن لم يكن خوفاً عادياً ، خوفاً من مواجهة قادمة ، ولا خوفاً من مصير ينتظره ويتطلع إليه .... هو يخاف من خوفه ، يخشى مرور الفرصة أمامه فتفلت قبل أن يمسكها ... تمر دون أن يزهو بأنه الوحيد الذي قهر الجمود الذي يصبغ سقوف الرؤوس المتدلية التي لم تستيقظ بعد من شواردها المنفلتة دون انضباط ..
إنها الأرض ... الشيء الوحيد الذي يقهر الخوف ليتأبط أرضه تحت إبطه ليغذيها من دماء شرايينه الممتدة بين روحه الهائمة على الشاطئ تبحث عن الميناء الذي سترسو إليه وبين جدائل الأرض الصاعدة من أعماق البركان المتدثر بالأغطية الشفافة يتأهب للانطلاق منها حاملاً معه الموت والحياة ..

آية
شيئاً فشيئاً تكبر شجرة الخروب أمام عينيه شامخةً بعظمتها وهيبتها التي تضفيها على المكان حولها .. تتوسط الشيء الوحيد الباقي بعد اختفاء والده
بالهمة والعزيمة الجبارة يواصل عبد الرحمن تقليب الأرض بفأسه الثقيل ... لا يشعر بثقله فهو أخف عليه من جوارح الثقوب التي تتسلل خلالها الأفاعي وهي تنفث سمومها وتعصر أعشاش العصافير تبتلع الحياة الرافدة داخل الدرر البيضاوية المتأهبة للانشقاق عن شروق الشمس لتسري مع ألحانها المذهبة توزع الأحلام والحرية في كل اتجاه..

آن له أن يرتاح ... فليذهب إلى شجرة الخروب يجلس تحت فيئها وهو يسند ظهره عليها ويتأمل طيور الشنار وهي تشرد بخفة اللحظات السعيدة التي سرعان ما تزول بعد رقاد الجميع وقد استسلموا للمرض الذي أدمنوه على فراشهم الوثير ..
عندما يرتكز عبد الرحمن على الجذع بيده استعدادا للجلوس يلمح عليه شيئا كالكتابة لم ينتبه لها من قبل فيحدق بها وإحساس روحاني يتخلله يخبره أنه سيطرق باب السمو الأبدي الذي يبحث عنه .. ما هذا يبدوا كنقش قديم حفر بتصميم على قشرة الجذع السميكة .. تأمله جيداً وبدأ يقرأ العبارة المكتوبة داخل وردة منقوشة .. وقرأ ... " نتعاهد أمام الله أننا سنحب بعضنا وأن نظل أوفياء للأرض .. إلى الأبد .. توقيع : "م – خ".

ما هذه الجملة الرائعة الخالدة .. تبدو قديمة جداً لقد كتبت قبل ولادتي اليتيمة دون شك .. والداي كتباها نعم .. هما من نقشا العبارة وأنبتاها هنا .. نعم هما فـ م. و خ. هما أول حرفين من اسميهما محمود و خديجة .. نعم هما آه ما أقسى لوعة الاكتشاف والتذكر ... لقد اختفيتما وتركتما الأمانة أحملها وحدي لكنني أعدكما أنني سأثبت على العهد وسأنقش اسمي معكما لأواصل مسيرتكما ..

ناموس
ينقش عبد الرحمن اسمه بعد والديه .. الآن يشعر بالراحة فقد أصبح شريكهما في عهدهما وعليه يظل الوفاء به ..

آية
فاطمة .. يقول عبد الرحمن : هل تتزوجينني ؟
أعد ما تقول لم أسمع جيداً . فاطمة ترد عليه
عبد الرحمن بصوت مرتفع : هل تتزوجينني يا فاطمة
فاطمة : هل أنت واثق أنك تريد ذلك فعلاً
عبد الرحمن : الثقة كلها فأنت تعلمين مدى حبي إياك
فاطمة : كدت أيأس أن تتقدم للزواج مني .. وأن الرياح ستأخذك بعيداً
عبد الرحمن : يبدوا أن حبك لي أضعف مما حسبت
فاطمة : إنه أنت من يشرد باستمرار .. كأنك لا ترغب بالخوض في هذا الحديث
عبد الرحمن : ها أنا أخوضه الآن ... هل تتزوجينني ؟
فاطمة : لم أعلم أن البنات يخطبن في الشوارع
عبد الرحمن : لكنني عبد الرحمن ..
فاطمة : ولذلك أقول لك ... أبي في البيت ومستعد لاستقبالك
عبد الرحمن : الليلة أكون عندكم إن شاء الله ..

ناموس
يقام الفرح ... وتنتقل العروس إلى عشها الجديد . ... وحدهما الحب الذي استعر لهيبه في قلبيهما ... أيّ أيام قادمة وأياً كان برودها لن تطفئه

آية
فاطمة : آه ما أعظم السعادة التي تجتاحني وأنا معك لا يمكنك قياسها بمعيار آدمي .. أبداً ... سعادتي في ازدياد لأنني أقترب منك أكثر واحبك أكثر .
عبد الرحمن : سعادتي بك تفوق أية سعادة أخرى يمكن لقلب أن يحملها بين جوانحه .
فاطمة : الحمدلله .. أتعرف عند لحظات معينة يهزني الخوف والإحساس بأنني قد لا أملك هذه السعادة حقيقة وإنما حلم أعيش فيه يخدرني حيث تستشف حواسي لتصبح عبيراً يوزع أريجه فوق الأرض
عبد الرحمن : ما هذا ... أراك جادة في ملامحك .. اسمعي ... إياك والعودة إلى مثل هذه التفوهات التي لا معنى لها .. سعادتنا لا يجب أن يقهرها الخوف ، إنه أقسى شيء ويدمر كل شيء ..
فاطمة : ها .. ها .. اطمئن أنا أقوى بحبي لك وما دمت معي لن آبه لشيء أبداً .. الشهور الثلاثة الماضية كانت بعمري كله الذي قضيته بعدة عنك .

آية
يدخل عبد الرحمن على فاطمة ساهماً في وجهة مسحة حزن وقسمات عزم ... يرتجف قلب فاطمة لرؤيته ، وتوجس في نفسها أمراً لم يكن ليغيب عنها .. تتقدم منه ... هل أعد الطعام ..؟
عبد الرحمن : لا .. لست جائعاً ... أقول لك .. أعدّيه ولنأكل معاً ..
فاطمة تعد الطعام .. أَمْرُ عبد الرحمن غريب اليوم ، لم يتكلم بهذا المعني الغامض من قبل .. ماذا يعني بقوله لنأكل معاً .. دائماً نأكل معاً ....
تجلس فاطمة قُدّام عبد الرحمن .. يتناولان طعامهما كعادتهما .. لولا الصمت القاتل المخيم حول صينية الطعام .
عبد الرحمن : فاطمة .. أنا مسافر وسأتغيب بضعة أيام ..
فاطمة وقد شحب وجهها : تسافر .. تخبط بيديها على صدرها .. إنك حتى لم تفكر بالسفر إلى المدينة المجاورة .. وتتغيب ..! إنك حتى لا تقدر مفارقة الأرض ولا الدار ... إلى أين السفر ؟
عبد الرحمن : مسافر .. هذا فقط ما يجب أن تعرفيه الآن
فاطمة بهلع : أنا زوجتك حبيبتك .. ألا يعطينى هذا الحق في معرفة وجهة سفرك
عبد الرحمن : ستعرفين .. صدقيني لكن ليس الآن .. عندما أعود ...
فاطمة : عندما تعود .. ومتى تعود ..!
عبد الرحمن : لا أعرف تماماً .. أرجوك لأجل حبنا لا تلحّي عليّ بالسؤال وأؤكد لك أنك ستعرفين ..
فاطمة : أعرف كل شيء ! .. متى .. أبعد أن أفقدك ..!
عبد الرحمن : ماذا تقولين ..؟ تفقدينني أي جنون ما تتكلمين فيه .. أتحسبينني بقادر على تركك
فاطمة : أعرف ما تنوي .. أعرفه جيداً .. دائماً يتمثل أمامي ويفسد لحظات سعادتي .. أعرف أنه السفر الذي لا يرجع منه أحد .. تبكي .
عبد الرحمن : فاطمة .. فاطمة .. أرجوك هدئي من روعك ... الأمور ليست بهذا السوء الذي تتخيلينه .. أؤكد لك أنني سأعود .. سأعود
فاطمة : كما عاد أبوك .. المسافر لا يعود .. أعرف حظي .. عرفت دوماً أنك مسافر ، لكنني رضيت وتمنيت أن يتأخر ميعادك .. واليوم جاء ، جاء ليقتنصك .. يأخذك بعيداً .. ليس لي إلا التوجه إلى الله بالدعاء أن تعود وأن يصبرني على فراقك حتى ترجع مرة أخرى إلى دارك وأرضك وحبيبتك ..
عبد الرحمن : ستكونين معي دائماً عند كل لحظة أتوقف عندها لأتزود بالوقود لباقي الطريق .. ستكونين معي ... ومولودنا القادم الذي أجهل ماذا سيكون .. احرصي عليه حرصك على حبنا ..

آية
كانت فاطمة تجلس وحيدة في حوش الدار عندما دهم جنود الاحتلال الدار من أسفل ومن أعلى وحطموا الباب المفتوح ... ذهلت .. وملأها الرعب عندما توجه أحدهم نحوها وشدها بقسوة من شعرها وسألها : من أنت ؟ .. أين زوجك أيتها العربية الوقحة .. أين هو ذلك المخرب … سترون ما نفعل به عندما يقع بين أيدينا …. تتقلص ملامح فاطمة ولم تعد تسمع ما يقولون عن رجلها .. إنهم يبحثون عنه .. إذن فقد اختار طريقه .. كان الله معه .. إنه مسافر .. نعم هي لا تعرف إلا أنه مسافر .. ويبدو أن محطاته شديدة العنف والقسوة وسيعاني … لكنه رجل نعم إنه عبد الرحمن … الرجل الذي أحبه ...
يعود صوت الجندي يخرق أذنيها ... هيا أيتها العربية أخرجي من دارك ... لم تعد دارك .. سننسفها .. هيا قبل أن تنفجر وتدفنك أنقاضها .. أسرعي ما بالك جامدة لا تتحركين .. لا وقت لدينا لنقضيه في إقناعك بالخروج ... يشير إلى عدد من الجنود الآخرين ..علينا الانتهاء من هذه العملية بسرعة فثمة عدد آخر من الدور سننسفها اليوم ..
فاطمة ... إنها لا تصدق ما يجري أمامها لكنه أسلوبهم ..أينسفون دارها . أحلامها .. آمالها ... وعبد الرحمن وابننا ... ماذا يبقى لنا لو نسفوا الدار .. لا .. لا .. لا .. لن أدعكم تفجرونها أيها الأنذال إنها داري واسمي وعمري كله ، إنها حقيقتي الوحيدة .. إنها التاريخ الجميل في حياتي ، وهي صفحات نصوصي التي أواظب على قراءتها كل صباح ومساء ، لن أدعكم تبددونها في لحظة عابرة من لحظات إثمكم وفجوركم .. لا .. لا .. لن أستسلم أبداً .. تقاومهم وهم يتجهون نحوها يحاولون الإمساك بها ... يفرغ صبرهم .. يلطمها أحدهم على وجهها الطاهر الصارخ .. أنذال .. أنذال .. أنذال .. يتجاذبها الجنود المدججين بالسلاح فيما بينهم ويحملونها عنوة بعيداً عن الدار ويا لها من كارثة ... كارثة .. سرى صوت إلى أسماعها كأنه سم الأفاعي ..آخاد .. شتايم .. شالوش .. ثم صوت انفجار غاضب رهيب يزيل الدار من الأرض ويزلزل الدور المجاورة .

ناموس
إنهم ما يزالون يبحثون عن عبد الرحمن .. لم يعثروا له على أثر ... لقد اختفى .

آية
ينمو الحمل في رحمها .. تحاول الترويح عن نفسها من أجل طفلهما المرتقب .. وقررت أن تذهب إلى الحقل لعلها ترى بعض آثار زوجها الحبيب الغائب .. إنها تعرف مكانه المفضل .. تحت شجرة الخروب العجوز وظلها الرطيب .. لم تجلس تحتها معه بل لم تأت إلى الحقل من قبل .. كانت عروساً لم يرد عبد الرحمن إرهاقها بالفلاحة والعمل في الأرض ... ثم جاءت علامات الحمل فأصبحت هي أيضاً تخشى الخروج إلى الحقل لكنها ستذهب الآن لترى آثار حبيبها وتتنشق عبيره الذي زرعه في الأرض ، لتبث حب الأرض في قلب وروح جنينها العزيز بعدما نجا بأعجوبة من بين أيدي الجلادين إذ يتقاذفونها بينهم وهم يجرونها بعيداً عن الدار
على جذع شجرة الخروب تقرأ فاطمة العبارة التي ورثتها من عبد الرحمن الذي ورثها بدوره من والديه ... إنه عبد الرحمن ووالديه .. لقد صدقوا عهدهم واتجهوا إلى الأرض في رحلتهم الخالدة ... لله درك يا زوجي الحبيب الوفي المخلص .. سأظل فخورة بك كما أنا دائما وسأنتظرك .. لا تخف على مولودنا سأعلمه حب الأرض وأن الأرض منا ونحن منها وبدونها لا نكون

ناموس
منذ ذلك الحين انتقل مكان إقامة فاطمة إلى الحقل .. حيث أقامت كوخاً صغيراً بجانب شجرة الخروب تعيش فيه يؤنسها حلم المولود القادم بانتظار عودة الحبيب حبيبها عبد الرحمن .. حبيب الأرض

بشارة
عندما يغيب الناموس تتوقف عجلة الحياة فوق الأرض التي يصيبها الجمود .. وتثبت الأشياء في أماكنها تأكلها الرياح وتنحتها المياه ...
فقط العيون تنظر إلى السماء تستطلع الناموس الذي سوف يجيء.