شيء من الذاكرة بقلم ناس حدهوم أحمد
تاريخ النشر : 2021-11-24
شيء من الذاكرة 07     

بقلم: ناس حدهوم أحمد

إنتقل والدي بعائلته من حي - العيون - إلى بيته الجديد بمجموعة – بالينيو - بحي سيدي طلحة . وأصبحنا نقيم بمنزل مستقل يحتوي على حجرتين وصالة للجلوس .كنا نستعملها أيضا للضيوف الأقارب .والمرافق الأخرى وحجرة صغيرة بجانب باب السطح . كما بات والدي يزاول التجارة مع شريكيه أحدهما إسمه سيدي الغالي البقالي والآخر كنا نسميه الفقيه الغماري . 

كان الثلاثة مثل الإخوة تتميز علاقتهم بالكثير من الود والإحترام والنزاهة والإستقامة للشراكة التجارية التي تربط بعضهم ببعض.

كانوا يقصدون معا أسواق الضاحية للمدينة مثل سوق سبت وادلاو - وسوق إثنين سيدي اليماني - وسوق ثلاثاء بني يدر.

وأحيانا بعض الأسواق البعيدة . فيأتون بالدجاج البلدي الذي كان يدفع بالجملة مباشرة لدكاكين السوق المركزي للمدينة . والزبدة البلدية والعسل والبيض وأحيانا حبوب القطاني.

تحسنت حياة العائلة بشكل ملحوظ . ونال المغرب إستقلاله بعد أن عاد ملك البلاد محمد الخامس صاحب الطلعة البهية - قدس الله روحه الطاهرة - من المنفى وأصبح المغرب يتمتع بسيادته وكرامته وفتحت المدارس أبوابها وتشكلت الإدارة المغربية من أجل خدمة المواطنين . وتوظفت شقيقتي الأكبر سنا بوزارة الشبيبة والرياضة إطارة تربوية للتلميذات من بني جنسها . 

وكنت أنا في بداية مرحلة الصبا . واشترى والدي بيتا مستقلا لعائلته يحتوي على طبقة أرضية وطبقة أولى قرب المستشفى الإسباني بحي الباريو . إنتقلنا إليه وسلم والدي منزله بحي بالينيو إلى عائلة أخرى مقابل مبلغ زهيد ورمزي . لكن القدر كان يحتفظ لأسرتي بحدث غير حياتنا إلى الأسوأ . إنه حدث الموت إثر إصابة والدي الحبيب بسكتة قلبية أنهت حياته بطريقة مفاجئة لم تكن في الحسبان على الإطلاق .. 

 جاء الموت متزامنا مع انقطاعي عن الدراسة وحصولي على الشهادة الثانوية - البروفي – لتدفع بي الظروف القاسية نحو مغادرة التراب الوطني نحو الغربة في بلاد الثلج والضباب وأنا لا يتجاوز سني 17 سنة . وكانت شقيقتي الكبرى فاطمة قد تزوجت قبل وفاة الوالد الحبيب . وطلب منها زوجها الضابط بالقوات المسلحة الملكية أن تقدم استقالتها من وظيفتها وتتفرغ لأسرتها التي كانت حينئذ تتكون من الزوجين واثنين من أبنائهما . ودارت الأيام علي وعلى عائلتي . وكنت أعاني من القلق على نفسي وعلى إخوتي الصغار ووالدتي المغلوبة على أمرها وعدم قدرتها على مواجهة طغيان الزمن القاسي . ولم أستطع تحمل صروف الغربة والعمل الشاق ومواجهة الظروف القاسية فكنت لا أستقر على حال ولا في أي مكان واضطررت إلى ركوب الأمواج عبر المحيطات على متن باخرة تجارية لنقل السلع تعرضت خلالها إلى أخطار البحر في الأطلنطيك لكنني نجوت من الموت .