رثاء الأحياء بقلم المحامي حسن مطر
تاريخ النشر : 2021-11-10
 رثاء الأحياء

 المحامي حسن مطر

 بقلوب مكسورة، وعقول مرتبكة، ونفوس تائهة، وعيون دامعة، وخواطر مجروحة، وكرامات مهدورة، وثقة مفقودة بالانفس والحاكمين، الحاضر قهر مستمر، المستقبل معدوم، المرضى بدون دواء، العيش اشبه بسكان القبور، الاطفال بدون حليب، الشباب بحالة هروب، كبار السن بلا ضمان، الشباب من الجنسين بلا زواج، خريجو التعليم بلا وظائف، البطالة منتشرة، وباء الكورونا حصد مئات الالوف، الوطنية في خبر كان، التبعية رائجة، والحقيقة ممنوعة، النقد جريمة، وقتل انسان وجهة نظر، والقضاء مقضي عليه، وتفجير نووي بسيطة، وشتم رئيس او زعيم يشعل حربا اهلية، وماذا بعد هذه اللائحة الكارثية انه رثاء الاحياء. 

في لبنان هذا العهد والزمان وفي انظمة عربية اخرى لم تعد المفارقة كبيرة بين رثاء الاموات ورثاء الاحياء، كانت وجهتنا دائما رثاء الاموات من الاهل والاقرباء والجيرة والاصدقاء والزملاء واخوة النضال وشخصيات مرموقة، وقامات مجتمعية ووطنية يترك رحيلهم وموتهم أسى شديد وحزن عميق وبات الرثاء يصوب للاحياء القابعين في اوطانهم بالخوف والمشردين من اوطانهم نازحين او لاجئين الى بلاد اخرى طلبا للامن والامان ولأبسط مقومات الحياة التي من المستحيل ان يعيش الانسان بدونها. المياه ومنها كل شيء حي، النار التي تزيل العتمة والكلاء الغذاء وارتفاع اسعاره، والناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ. فالمواطن اللبناني المبتلى بالتركيبة السياسية الحاكمة والذي يتقاطع بالبلاء مع كثير من اشقائه في دول عربية اخرى بسبب الجور والطغيان والاستبداد، فالموت الاول قرار الهي لا راد له، اما موت الاحياء فهو قرار الظالم والظالمين للمظلومين، والمستقوين على المستضعفين والمستتبعين على الوطنيين والمقامرين بالوطن والمواطنين من اجل كرسي الحكم والحكومات واحتكار السلطة والمواقع ونهب الاموال والودائع والمدخرات. 

لبنان الوطن يجري تحليله وتفكيكه ويساق الى التقسيم والتفتيت وقاب قوسين أو أدنى من الزوال، انه في اسوأ واقبح حالاته والمصيبة الكبرى ان المتحكمين بمقدراته لا يعتبرون ولا يرون ولا يسمعون، في قلوبهم مرض وفي عقولهم خرف لا يدرون ما يفعلون، فالتاريخ سوف لن يجد من التعابير لوصف زمانهم. اما لبنان المواطن وضعوه بين حالتين، الاعدام او المجاعة وعليه احد الخيارين والا فهو ارهابي او امبريالي وعلى الموقع الاخر ايراني فارسي او تركي عثماني. ويبقى الشعار المرفوع كذبا وخداعا وتجارة. 

اي لبنان نريد ؟! هذا حال لبنان ومواطنيه والقاطنين فيه، لكن ما هو حال المواطنين في معظم بلدانهم العربية، الفرق ان الاول مكشوف بديمقراطية مزيفة واعلام مؤمم لحساب دول خارجية اقليمية ودولية، اما الثاني مستور، كشفه خيانة وتداوله مؤامرة وبات السؤال الموضوعي لستر المكشوف وكشف المستور، هل لدول المشرق العربي قائمة؟! ؟! ؟! لنلقي نظرة على امم غيرنا في هذا الزمن العجائبي لعلنا نتعلم ونتعظ ونستوعب ونقلد غيرنا بما هو مفيد وحضاري لا بما هو مذل ومدمر، ولنا في تكتل الدول والاتحادات والاحلاف والمحاور الامثلة في التعاون والتضامن والشراكة وحفظ الامن والردع المشترك ما يحفظ الاوطان وشعوبها وتقدمها ولعل الاتحاد الاوروبي احد هذه الامثلة الساطعة. فالاتحاد المذكور بدأ تكوينه عام 1957 من 6 دول اوروبية وتوسع ليضم بزمن قليل 28 دولة عضو، عشرون منها جمهورية و6 ملكية وواحدة دوقية انضمت مؤخرا العام 2013 . عضوية الاتحاد مفتوحة لكل دولة اوروبية مستقرة تقبل التزاماتها، حرية، ديمقراطية، سيادة القانون وحقوق الانسان. لا يطرد احد من العضوية بل تعليق حقوق معينة، الانسحاب من الاتحاد مسموح، انسحاب بريطانيا مؤخرا حصل في 31 كانون الثاني 2020.   في الاتحاد الاوروبي تاشيرة دخول اوروبية واحدة تتيح لحاملها من كافة الناس الدخول لكل دولها دون خوف او اشتباه، قطار اوروبي واحد يلف بكل دوله بامن وامان وبدون مراكز وعوائق حدودية وممراتهم سالكة بدون رشوة ولا ابتزاز. عملة اوروبية واحدة باسم واحد ( اليورو ) دونه سائر العملات لامم اخرى وبرلمان واحد لكل دول الاتحاد وشؤونه وشجونه يدرس ويبحث ويناقش ويشرع لكل متطلبات وقضايا الاتحاد وهكذا اعتصموا ببعضهم وما تفرقوا فاستحقوا القوة والتقدم والاحترام. هذه دول خاضت ضد بعضها الحربين العالميتين وجرى احتلال احداها للاخرى كاحتلال المانيا لفرنسا وعاصمتها باريس، لا تجمع بينها لغة واحدة ولا قومية واحدة ولا عرقا واحدا بل مصلحة واحدة ومصالح مشتركة وامنا واحدا ودفاعا مشتركا واحدا ومن اجل اوطانهم وشعوبهم اتحدوا وفي الاتحاد قوة وفي الفرقة والانقسام ضعف وهوان وحروب وصراعات دموية كما نراه ساطعة في دولنا العربية البائسة والمتخاذلة والتي اصبحت الان اسيرة حالات طائفية ومذهبية وعرقية واثنية ودول فاشلة وتابعة ومستتبعة لامم ودول اخرى لن تشفع لها وحدة الارض ووحدة التاريخ والجغرافيا الواحدة وما انعم الله عليها من ثروات كالنفط والغاز الذي جعل منها اغنى الدول ماليا، وثروات لا تعد ولا تحصى، ولغة واحدة، ومصيرا مشتركا واحدا.. واين اليوم هذه الدول واين ثرواتها واين كذبة الدفاع العربي المشترك التي تهلل له لفظا بعض انظمتنا واين الوقوف والتضامن والدفاع عن فلسطين والقدس ومع الشعب الفلسطيني المجاهد والمقاتل باطفاله وفتيانه وشبابه ورجالاته ونسائه،. واعفي النفس من ذكر الحروب والصراعات الدموية بين بعض انظمتنا وشعوبها والحروب الاهلية والحروب العبثية القائمة..  ان المواطن الحي بات يحسد اخوه المتوفى بعزة وكرامة بدل حياة الذل والمجاعة والاستبداد والطغيان.... وبعد، اما نحتاج الى رثاء الاحياء بدل رثاء الاموات. فاعتبروا ان كنتم تعتبرون.--------------- *هل للمشرق العربي قائمة؟* المحامي حسن مطرجريدة النهار/بيروت3 تشرين الثاني 2021  تناول رهط من المفكرين والباحثين والمهتمين بقضايا أوطانهم وأمتهم العربية حال ما هو قائم فيها من وقائع وتحديات ومخاطر جمّة عبر السؤال المنهجي والمسؤول الذي طرحه "مركز الحوار العربي في واشنطن: " هل للمشرق العربي قائمة"؟ هذا السؤال الذي يقتحم بدلالاته المواطن العربي يثير لديه من جهة الحزن الشديد لما آلت اليه أوضاع الامة في هذا الزمن العربي الرديء، ومن جهة اخرى القليل القليل من الأمل الذي يراه بعيدا حيث بات ساحة تمارس فوقها القوى الاجنبية، عالمية واقليمية، مشاريع ومخططات ليس اقلها التقاطعات والنفوذ والسيطرة وصولا إلى الاحتلالات وقتل واعدام رؤساء عرب وتحويل البعض منهم إلى عقوبات جنائية ضد حقوق الانسان، او باسناد قرارات دولية لم تنصف يوما قضايا العرب لا بفلسطين المحتلة من الصهاينة ومجازرها اليومية ومحاولات محو كل اثر عربي فلسطيني، والتي نراها تتمدد إلى المقدسات الدينية المسيحية والاسلامية التي يستميت دفاعا عنها الشعب الفلسطيني البطل الذي يلقى ابناؤه في #الدول العربية الحصار والتضييق، ولا في اي قضية من قضاياهم العادلة، اذ تبقى هذه القرارات الدولية حبرا على ورق ينساها كثير من المسؤولين العرب قبل غيرهم وتدخل هذه القرارات في مستودعات النسيان والنكران، من دون ان يكون ممكنا ان يحل الحكام العرب مشكلاتهم وازماتهم بأنفسهم بدلا من دعوة الاجنبي او استدعائه لنفسه بقوة الامر الواقع الذي يتيح له الدخول من كل الابواب المشرعة وذات الحمايات الضعيفة، لان السابق عليها حماية السلطة وامن السلطة وحراستها مع ترحيل واجب الحفاظ على الوجود وطنا وشعبا وثروات، بل تاريخا وحاضرا ومستقبلا، فيصبح للاجنبي ومصالحه وغاياته الكلمة الفصل بكل ما يتعلق بهذه الدول، كما هي الحال في العراق وليبيا والحرب الدائرة في اليمن ودول عربية اخرى داخل ذات الفِخاخ المغطاة ببعض وريقات التوت... لاشك في ان ما نحن بصدده يثير الحذر والجدل كما يثير الاستفزاز والحيرة، محزن في كثير منه نعم، لكنه يفتح على امل كما يراه المفكر والمحاضر الدكتور كمال خلف الطويل، رغم اننا وسط هول من التحديات وبين برزخ من العتمة والنور، منها انشطار وتشظي الدولة الوطنية، التجزئة وفقدان الكيان الكبير الجامع والسوق الواسعة النافعة، وحتى يكون للمشرق العربي قائمة يحتاج إلى فعل ارادة وضرورة لدى شعبه وحكامه وادراك بالوعي الجمعي المسؤول، انه لا يستقيم ولا قائمة للمشرق العربي ودوله من دون توفير الامن القومي الحقيقي والفاعل وليس اللفظي الفارغ من اي مضمون. وفي هذا السياق يرى السياسي المخضرم معن بشور ضرورة اعادة طرح فكرة الوحدة العربية كما في نهاية الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي، والمضي في مقاومة الصهاينة ومشاريعهم بوحدة ابناء الامة، ومعالجة التراجع العربي الرسمي والهوان، وتراجع الوعي القومي.واعود لاقول ختاما وجوابا موضوعيا عن سؤال ان ثمة صعوبة بالغة في ان تكون للمشرق العربي قائمة كما ينبغي له ان يكون اقله خلال ربع القرن الآتي، طرحت السؤال على عدد من المواطنين فكان جواب معظمهم أننا نسير نحو الانحدار العميق، مستشهدين بما هو قائم في لبنان من فوضى وخلافات هدامة وما سبق وجرى في سوريا، والعراق، والسودان، وليبيا، والحرب العبثية القائمة في اليمن، وما قد يقع بين المغرب والجزائر. وما يحوّل للمشرق العربي من قائمة حاليا هو الآتي :

1- خريطة موازين القوى العالمية غير الثابتة والمتطورة اقتصادياً وتسليحياً وتكنولوجياً.

2- قيام الحرب الباردة التي يشتد صعودها بالمحورين القديم منها، اميركا واوروبا واسرائيل وحلفاؤها، والجديد، الصين وروسيا وحلفاؤهما والدول العربية الموزعة على المحورين ودول اقليمية صاعدة أبرزها تركيا وايران.

3- المشروع الصهيوني الاحتلالي التقسيمي التطبيعي.

4- تنظيمات وميليشيات وقوى لا اصل لها ولا فصل ارهابية تنسب نفسها زورا وبهتانا للاسلام والمسلمون منها براء كداعش والنصرة.

5- المشاريع التقسيمية التفتيتية بعناوين طائفية ومذهبية وعنصرية وتفكيك الجيوش العربية داخل دولها واستبدالها ببدائل او تكتلات بشرية جهوية مدعومة بالمال الكثير والسلاح الخطير.

6- اضعاف الدولة من الداخل وتهميش مؤسساتها ورجالها وانظمتها ودساتيرها وتحويلها هيكلا خاويا تمهيدا لسيطرة الدويلات على الدولة المركزية.

7- تثبيت نظام الفساد وسيطرة الفاسدين والطغاة والجري الوحشي نحو السلطة والتسلط.

8- منع وعزل الطاقات والكفاءات العلمية والاخلاقية ومن ذوي السيرة الحسنة واصحاب الخبرات والتجارب السياسية في بناء الاوطان.

9- حشو المواقع الرسمية والادارات بالازلام والانصار والاقربين عائليا وبالمحازبين الاكثر تبعية وابعاد الشباب والشابات جيل المستقبل المسموح له بالهجرة تخلصا منه.

10- من المهم الإشارة إلى ان معاناة المشرق العربي في العصر الحديث بدأت في الحرب اللبنانية عام 75 ثم الاجتياح الإسرائيلي لاول عاصمة عربية عام 82 ثم في غزو الكويت وتداعياته ثم باتفاقية أوسلو ثم باحتلال العراق.  فمزيج ذلك في العقود الأربعة الماضية هو الذي اوصل المشرق إلى حافة الانهيار