أوهام التنمية الاقتصادية مقابل الأمن بقلم عبد الرحمن صالحة
تاريخ النشر : 2021-10-24
أوهام التنمية الاقتصادية مقابل الأمن         بقلم عبد الرحمن صالحة


أوهام التنمية الاقتصادية مقابل الأمن

بقلم: عبد الرحمن صالحة

 لقد ظهرت على الساحة السياسية في الفترة الأخيرة والسنوات الماضية، العديد من الأفكار والرؤى والخطط الإسرائيلية والأمريكية التي تتحدث عن التنمية الاقتصادية مقابل الهدوء والأمن في قطاع غزة، وهي معادلة مقبولة إسرائيليا مرفوضة فلسطينيا، لأنها تحرف المسار الفلسطيني من التحرير، والمشاغلة، ورفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي، إلى التراجع والاستسلام بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وهذه الخطط والرؤى في الحقيقة عبارة أوهام ليس أكثر من ذلك، وسنعرض عليكم من خلال السطور القليلة بعض الأوهام.

الوهم الأول حين وقعت السلطة الفلسطينية وإسرائيل في 1994م اتفاقية باريس أو "بروتوكول باريس" وهو جزءاً لا يتجزأ من اتفاق أوسلو، لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي على أن تنتهي الاتفاقية عام 1999، وكانت الاتفاقية بمثابة فخ وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بسبب القيود التي فرضتها على الاقتصاد الفلسطيني.

الوهم الثاني يتمثل في عام 2016م حين أعلن وزير المواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، عن خطة لبناء جزيرة اصطناعية على بعد 4 كيلومترات من شاطئ غزة، وعليها ميناء ومنشآت طاقة ومطار لنقل البضائع إلى القطاع، ويعتقد كاتس إن الفكرة أصبحت ملحّة في إطار استراتيجية جديدة تهدف إلى الانفصال عن قطاع غزة.

الوهم الثالث كان عام 2019م، عندما أعلن نفتالي بينيت، عن خطة يعتزم تنفيذها تقوم على إقامة جزيرة اصطناعية قبالة ساحل غزة، وطلب من رئاسة اركان الجيش الإسرائيلي إجراء دراسة جدوى أمنية للمشروع في غضون ثمانية أسابيع، وكان في ذلك الوقت موافقة على المشروع من وزير الخارجية يسرائيل كاتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

الوهم الرابع كان في عام 2020م عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد جون ترامب عن خطته التي تعرف بصفقة القرن لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكان الأساس الذي انطلقت منه الخطة اقتصاديا لحل القضية الفلسطينية وإنعاش الحالة الاقتصادية في قطاع غزة.

الوهم الخامس وهم وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الذي أعلن في 12 سبتمبر 2021 خلال كلمة له أمام "المؤتمر السنوي لمكافحة الإرهاب" الذي انعقد في جامعة رايشمان بمدينة هرتسيليا، خطة يعمل عليها وتقوم على "عرض تل أبيب خطة اقتصادية متعددة السنوات لقطاع غزة مقابل الأمن".

وقال لابيد: أنه ناقش فكرة الخطة مع عدد من قادة العالم بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إضافة إلى مسؤولين في مصر والاتحاد الأوروبي والخليج، وتقوم فكرة خطة لابيد على إعادة إعمار قطاع غزة وتقديم الاحتياجات الإنسانية في غزة، مقابل إضعاف قوة حركة حماس العسكرية عبر قوات دولية، دون تقديم توضيحات بهذا الخصوص.

في ظل الخطط والرؤى الاقتصادية التي تخرج للشعب الفلسطيني بين فترة وأخرى، يعاني سكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، أوضاعاً معيشية متردية للغاية، جرّاء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع، منذ أن فازت حماس بالانتخابات التشريعية في 2006.

وبجانب هذا الحصار، يشنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي من حين إلى آخر عمليات عسكرية على غزة، أحدثها عدوان استمر 11 يوماً بين 10 و21 مايو/أيار الماضي، وانتهى بوساطة مصرية.

توهم "إسرائيل" العالم من خلال الخطط الاقتصادية التي تقدمها أمام العالم والوسطاء بأن مشكلة القضية الفلسطينية ومشاكل قطاع غزة هي مشاكل وأزمات اقتصادية وليست سياسية، في المقابل فلسطينياً لا ينظر إلى تلك الخطط بالأهمية ولا يبدي لها أي طرف فلسطين أي قيمة ولا يقبل الحديث عنها أو السماح بتطبيقها.

السيناريو المتوقع بعد استعراض أبرز الأوهام الاقتصادية تجاه قطاع غزة سيحاول الاحتلال الإسرائيلي تجاه قطاع غزة لاختيار خيار أقل تكلفة، وأقل خسائر، وخيار ليس فيه أثمان سياسية ولا اشتراطات سياسية، ومشاريع اقتصادية مرحلية وليست مشاريع استراتيجية، ذلك بهدف تأخير أو منع مواجهة عسكرية جديدة مع قطاع غزة من خلال اتخاذ إجراءات هدفها تحسين الوضع الاقتصادي بشكل مؤقت في قطاع غزة منها زيادة تصاريح العمال، وزيادة مساحة الصيد، ومضاعفة الصادرات من القطاع.

من الوضح أن قطاع غزة يشكل "لإسرائيل" أزمة مستعصية ومزمنة فقد مارست معه كل السبل والمحاولات "لتركيع" قطاع غزة وحرف مساره النضالي والمقاوم الذي يعد رأس الحربة في مواجهة "إسرائيل".

مارست "إسرائيل" مع قطاع غزة الاحتلال الكامل وكانت النتيجة فشل كبير لها، واستخدمت "إسرائيل" القوة العسكرية والحربية مع قطاع غزة وكانت النتيجة "فشل مدوي"، كما قامت "إسرائيل" بفرض حصار صارم على قطاع غزة وكانت النتيجة فشل فادح، والآن "إسرائيل" تحاول استخدام الأوهام الاقتصادية مقابل الهدوء والاستقرار، وهي معادلة فاشلة، لأن الشعب الفلسطيني خاض تجارب مع تلك الخطط ويعلم أنها مجرد أوهام، الهدف منها كسب الوقت بدءاً من اتفاقية أوسلو حتى خطة يائير لابيد في 2021م.