شتاءات ديسمبر
تاريخ النشر : 2021-10-24
شتاءات ديسمبر

بقلم: أحلام علي أحمد الخصبة


بَزَغَتْ شَمْسُ دِيسِمْبِر مِنْ رَمَادِ الذِّكْرَيَاتِ اللَّاذِعَةِ مُتَخَفِّيَةً بِلِثَامِ اللَّاوُجُودِ مُتَرَاءٍ بِنَحِيبٍ صَامِتٍ يَلْذَع مُهْجَةَ اللُّبِّ،أَرْوَاحٌ مُهَشَّمَةٌ بِصَلِيلِ الشَّجَنِ اَلْمفسول بِقَاعِ الْخَيْبَةِ، أَخُطّ عَلَى جَبِينِ الْكَدَرِ قَدْرًا غَامِضًا مُنَمَّقٌ بِتَجَاعِيدِ الضَّنْكِ اثوى الوصَب بِهِ، أبِى اللَّجُّ ابْتَغَى الْخُلُودَ.

شَذَرَاتٌ مِنْ سِرٍّ عَظِيمٍ تَتَوَارَى خَلْفَ ذِكْرَيَاتِ دِيسِمْبِر اَلْمُلَغَّز كَأَنَّهُ بَخْت لَاذِعٌ قَدّرَ لِلْإِنْسِيِّ ظُلْمَةَ الرَّحِمِ وَظُلْمَةُ الْقَبْرِ
دِيسِمْبِر الْوَثِيقِ جُودَ عَلَى أفئدتنا بِحَنَانَيْكَ فَمَا أمطارك إِلَّا قَهْوَةً وَبَسْمَةُ الْأَهْلِ سُكْرُهَا، أَنْوِي لَيْلَكَ الْعَمِيقَ وَبِرَدِّك الْقَارِسُ وَضَبَابِكَ الْمُبْهَمِ بِأَمْوَاجِ السلو وَتَذَاؤِبُ رِيحَكَ عَلَى شُرْفَتِي أن يُشَتِّت أَفْكَارِي وَيَعُودُ بِي إِلَى ذكرى تَمُّوز الَّتِي مَنَحَتْ فُؤَادِي حُزْمَةً مِنْ خُيُوطِ شَمْسِ الْجَذَلِ، اَلْجَذَل الَّذِي لَنْ يَأْتِيَ مَهْمَا غَرَّدَتْ أسراب الصَّرِيمَةِ أَنْ تَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِ لَقَدْ تَدْثَّرُ بِسُتْرَةِ الْأَجَلِ الْحَتْمِيِّ لَا مَجَالَ لِلْفِرَارِ مِنْهُ.

 
فِكْرَةُ الِاسْتِحَالَةِ تَرْشُقنِي بِنَظَرَاتِ الِاسْتِهْزَاءِ وَكَأَنَّهَا لِلتَّوِّ انْتَصَرَتْ عَلَى وَكَفّ عَيْنِي الْمُلَطَّخَةِ بِدُمُوعِ الْهُزَالِ. . . لَيْلَةً طَوِيلَةً قَضِيَّتُهَا بِرُفْقَةِ الْقَمَرِ اَلْمِحَاق وَالنُّجُومِ الْخَافِتَةِ وأنا عَلَى شُرْفَتِي اعْزِفْ ببوق اَلْأُمْنِيَات لَعَلَّ شِهَابَ مُنِيرٌ يَخْسِفُ تَرَحَ الذِّكْرَى وَيُلْهِمُنِي أَزُرْ الذُّهُولِ اسْتَفْحَلَ الظَّلَامُ، اكْتَظَّ الْغَيْمُ وَازْدَادَ سَوَادُهُ، أَضْحَتْ مُتَرَاصَّةً كَ مَخْبِز مَحْدُودِ الْعَطَاءِ لِحَشْدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ، هَطَلَ الْمَطَرُ عَلَى رُوحِهَا كَأَنَّمَا غِبْطَةٌ روحانية تسللت إِلَى جَوْفِهَا الْمَكْلُومِ، لَمْلَمَتْ شَتَاتَهَا، أَطْفَأَتْ لَظَى النَّارِ الْمُوقَدَةِ فِي خَيَالِهَا اَلْمُعْتِم، وَأَغْمَضَتْ عَيْنَاهَا بِنَسِيجِ اَلْوِدّ لِ تُرْسِلُ قُبُلَات ثَنَاءٍ إِلَى السَّمَاءِ، سُرْعَانَ مَا تَرَاجَعَ انْصِبَابُ الْمَطَرِ، وَلَكِنَّهُ أصر عَلَى إمتاعها بِخُيُوطِهِ الرَّفِيعَةُ الْمُتَدَلِّيَةُ مِنَ السَّمَاءِ فِي انْسِيَابٍ حَرِيرِيٍّ عَلَى خُصُلَاتهَا الْمُتَعَرِّجَةِ، ، إِنَّهُ الْأَمَلُ.. ! الْأَمَلُ الَّذِي لَا يَنْضُبُ مَادَامَ بُخَارِ الْقَهْوَةِ يَتَصَاعَدُ بِتَبَخْتُرِ نَحْوِ قِمَمِ الْأَمَانِي الْبَرَّاقَةِ الْمُتَجَمْهِرَةِ فِي صُنْدُوقِ الْخَيْبَةِ لِيَصُبَّ عَلَى تَبَرُّم رُوحهَا شَيْئًا مِنْ دَغْدَغَةِ الذِّكْرَى الصَّامِتَةِ لِتَرْسُمَ عَلَى شَفَتَاهَا ابْتِسَامَةً دَافِئَةً كَ دَفِئَ الشِّتَاءِ بَيْنَ لَفِيفٍ مِنْ الْأَخِلَّاءِ.

بَدَأَ زَئِيرُ الْعَوَاصِفِ أَنْ يَهْدَأَ وَتَضَاؤُل خَيْطِ الْمَطَرِ الْمُتَعَرِّجِ وَكَأَنَّهُ حَانَ مَوْعِدَ أَنْ يُودِعَ شُرْفَتِي، وَانْقَشَعَتْ السَّحْبُ الرُّكَامِيَّةُ عَنْ يَاسَمِينِ الْأَحْلَامِ وَعَلَا وَحِلِّ اَلدَّيْجُور لٍ يَمْكُثُ بَيْنَ كِتَابَاتِي الَّتِي غَزَاهَا الشِّتَاءُ.
 
رَائِحَةُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْمَطَرِ تَأْسِرُ جَوْفِي بِنَبَضَاتِ الْبَهْجَةِ فَكَأَنَّنِي اسْتَافَ مِسْكًاً أَذْفَرًا، الْأَمْرُ يُبْدُوا وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تُدثرني بِرَسَائِل مُوَاسَاةٍ قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ غَيْثُ الْبَهْجَةَ وَيُقَدِّمَ لِي تِيجَانًا مِنَ الصَّبْرِ لِأَحْيَا مُنِينَ مَهْمَا تَقَلُّبَاتُ أَمْزِجَتِي وَخَارَتْ قُوَايَ، أَلْقَتْ شَلَّالَات الْمِيَاهِ الْمُنْهَمِرَةِ مِنْ مَيَازِيبِ الرَّجَاءِ طَبُطْبَةٌ رَأْفَةٌ عَلَى قَلْبِي الْأَعْجَفِ بِكَلِمَاتِهِ هَذِهِ؛ أنت ابْنَةُ الْعِشْرِينَ الْبَهِيَّةِ، لَسْتُ بِوَرَقَةِ مُصْفَرَّة مِنْ غُصْنٍ مُهَشَّمٍ خَشَب، عَلَيْكَ النِّضَالُ وَتَفْرِيغُ جَعْبَتك مِنْ حُطَامِ تَمُّوزَ الْمُتَغَلْغِلِ فِي أَعْمَاقِكَ ابسطِ يديك لأمطار السعادة ولاتجزع أن ألمت بكِ الخطوب من كل صوب.