موتٌ سريري بقلم سيف الدين دويدار
تاريخ النشر : 2021-10-23
موتٌ سريري

بقلم: سيف الدين دويدار

قيل على لسان دوستويفسكي "ماذا لو لم يكن للإنسان مكانٌ يذهبُ إليه."

دعنا نبتعد قليلاً عن فلسفة دوستويفسكي ولنطرح هذا السؤال على بعضٍ من الواقع..

ماذا لو أن هناك إنساناً ضاقت به الدنيا ولم يجد من يذهب إليه أو شخصاً يواسي ظلمةَ ألمه، لا يوجد شخصٌ معين.. لا حبيبٌ يرفعُ عنه ألمه بضحكته ولا صديقٌ يقاسمه تلك الآلام. 
أو ماذا سيحصل لو لم تجد شخصاً تتكلم معه في ما يُؤلمك، لم تجد شخصاً يرفع عنك قليلاً من ألمِك أو يخفف بعضَ مصائِبك.
لم تجد الصديق الذي يُساندك، ليس لديك من يستطيع الإطاحة بِألمك.

رباه....!
ما الذي يمكنك فعله حينها، تخيل عزيزي أن هناك أشخاصاً لا يجدون من يتحدثون إليهم، ليس لأنه لا يجد، بل لأنه أمرٌ صعب في هذه الأوقات إيجاد أشخاص يمكنهم تحمل هذا العبء الثقيل، لا يجد الأشخاص المناسبين لهذه الأوقات الحرجة في حياته.. رغم أنهُ يمتلك هاتفاً نقالاً يتكلم فيه يومياً مع ما لا يقل عن عشرة أشخاص،


لا يستطيعُ البوح لأحدهم بكلمة واحدة مما يشعر به،
إلا أنهُ يحاول النسيان بالتحدث مع الناس بمواضيع أُخرى ليتلاهى بها عن ما يؤلمه،


أجل، لا يستطيع حتى أنه لن يستطيع أن يتكلم كلمة واحدة.
سيدي لم يكن مضطراً لأن يُخفي هذه المشاعر لو لم يُصب بِخيبات أملٍ تضر به وبنفسه،


و لديه العديد من الحسابات على مواقع التواصل الإجتماعي لكنه لا يجد فيها ما يؤانس ظلمته، في العديد من هذه الحسابات يوجد لديه عدد من الأصدقاء الرقمين لكنه لا يستطيع التفْريج عن نفسه بالكلمات لهم أو محادثاتهم،


بنظره إلى المحادثات معهم لم يجد فيهم من يكون أهلاً للثقة ليكون حاوية الألم الخاصة به، أو أن هناك أشخاصاً لكنه يخاف أن يعكر صفو عقولهم بسبب مشاكله.


جُلّ ما يستطيع فعله أن ينشر عدة كلمات يوحي بها إلى صعوبة تحمله لما هو حوله، لا يفهمها إلا هو و قليلاً ممن يراها، لكنهم يبدأون بكتابة تعليقات بمعرفتهم هي لا تمد بصلةٍ لألمه لكنهم أرسلوها له بهدف التهوين عليه ونسيان ألمه..
كل هذا الألم يجتمع ليكون تلك المائدة الدسمة من العذاب.
إنها مسرحية موتِ مشاعر لم يَمُت من يحملها.


أيسْتطيعُ الأنسان قول كُل شيء؟
إنهُ سؤال آخر يُطرح على ذاك الذي وجد شخصاً يسمح له بأن يَقُص قليلاً مما مر به هذا الشاب.

ترى أنه لن يستطيع سوى أن يسرد تفاصيل بسيطة لمن حوله من المشكلة و الأغلب منهم يلجأ لما يُعرف بالبكاء، لأنه لن يقدر على إيصال المعنى الحقيقي لمُشكِلته، و منهم من يكتم ما هو المصدر الأساسي للمشكلة حتى لا يُحرج إن كان ألمهُ من عواطف حساسة، و أخرون لديهم كبريائهم فمنهم لا تتوقع أن يُبادلوك حديث ألم قلوبهم.

لذا حتى لا تكون من أصحاب النهايات الصعبة و المأساوية و الأكثر حزناً على حالهم من البقية و لتكون كما هيأ الله الحياة للبشرية ، عليك إختيار من لحزنك كارهون و لفرحك مقدمون .
هل جربت أن يكون لديك حادثة و لا تستطيع الحديث لأحد بما حصل لك فيها ؟
ماذا كان شعورك حينها ؟
نعم إنها مرارة، بل وألم قلبٍ يحرق حامله،
فقط حرر قلمك لتسيطر على ألمك.