المشاركة والتعليم السياسي والاستثمار الإيجابي بقلم هاني جودة
تاريخ النشر : 2021-10-11
المشاركة والتعليم السياسي والاستثمار الإيجابي 

بقلم: هاني جودة

أبرز ملامح ضعف الوعي السياسي في أزمة الهوية حيث يجهل أفراد المجتمع هوية نظامهم وطبيعته، فهل هو نظام قبلي أم ديني أم علماني، أم غير ذلك، الأمر الذي يجعل الصورة غير واضحة ومشوشة لدى الأفراد مما يجعلهم غير قادرين على تحديد حقوقهم وكيفية التعامل مع المواقف والاختلافات السياسية.

لا شك أن المشاركة السياسية من مكونات الوعي السياسي فهي مؤشر قوي على مدى تطوّر أو تخلّف المجتمع ونظامه السياسي، فالمجتمع التقليدي يفتقر إلى المشاركة السياسية، في حين تتوافر المشاركة السياسية في المجتمع الحديث وينظر للمشاركة السياسية بأنها حرص الفرد على أن يكون له دور ( إيجابي ) في الحياة السياسية ، وتكمن أهمية المشاركة السياسية في أن النمو الديمقراطي يتوقف بدرجة كبيرة على مدى اشتراك أفراد المجتمع بفاعلية في تحديد وتحقيق الأهداف السياسية. كما أنها تعد وسيلة أساسية لتعميق الشعور بالمسؤولية لدى الحاكم والمحكوم، ووسيلة لدعم الحكم الجماعي فهي تنبه المشاركين إلى حقوقهم وواجباتهم، وتوسع من نطاق وعيهم عن طريق الخبرات السياسية الناتجة عنها , نقول أن المشاركة السياسية تمثل موضوعا محوريا لارتباطه بالحرية التي كافحت أكثر الشعوب من أجل نيلها، لتحقيق المساواة بين الأفراد، وهي تعدّ كذلك المظهر السياسي المعبر عن ديمقراطية الدول، وكذلك تدل على مستوى الوعي السياسي للمواطنين. وقد قسمت المشاركة السياسية داخل المجتمع إلى أربع مستويات: أولها النشطاء السياسيون كالعضوية في الأحزاب، وثانيها المهتمون الذين لهم علاقة بالنشاط السياسي كالتصويت والانتخابات، وثالثهما الهامشيون أو الذين لا يميلون إلى العمل السياسي، ورابعها المتطرفون السياسيون والذين يعملون خارج الأطر الشرعية، ويلجئون إلى أساليب العنف .
تعتبر عملية التعليم السياسي جزءا من مكونات العملية التعليمية والثقافية والتربوية التي يسعى الفرد إلى اكتسابها، باعتباره عضوا في المجتمع، وهذا ما تحرص عليه النظم السياسية المتقدمة، أو التي تسعى إلى تطوير وتحديث مجتمعاتها وجماهيرها. فالثقافة السياسية ما هي إلا جزء من الثقافة العامة والتي تسهم جميعها في عملية التنمية الشاملة. والثقافة السياسية هي التي تمكن المواطن من أن يؤدي دوره السياسي بوعي وخلق وكفاية ومسؤولية، حيث تشمل الثقافة السياسية معارف ومفاهيم وقناعات وتوجهات سياسية تتناسب اتساعا وعمقا مع إعداد واستعداد المواطن.

الثقافة السياسية هي القيم السائدة في المجتمع والتي تتصل بعلاقة أفراده بالنظام السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهي مجموعة من القيم والمعتقدات السياسية الأساسية السائدة في أي مجتمع، والتي تميزه عن غيره من المجتمعات. كما أن هناك علاقة ارتباطيه بين الثقافة السياسية وحقوق المواطنة، فكلما تحسنت مستويات الثقافة السياسية لدى المواطنين فإنهم يستطيعون من خلالها الحصول على حقوقهم الطبيعية والمدنية، فالثقافة السياسية تستطيع أن تزيد من وعي المواطن الفردي والجماهيري نحو أهمية الحصول على هذه الحقوق وأهمية المحافظة عليها وتعتمد كذلك على تحقيق درجات مناسبة من الإشباع النفسي والوجداني لدى المواطنين عن طريق تلبية حاجاتهم الأساسية، ومنها حقهم في الحصول على الثقافة السياسية التي تؤهلهم إلى أداء وظائفهم السياسية المتمثلة في حقهم في الانتخاب أو المعارضة، أو المشاركة في المظاهرات والإضرابات، أو المشاركة في الأحزاب السياسية التي تسهم جميعها في إيجاد روح المواطنة والانتماء لديهم، والقائمة على الحقوق والواجبات والمسؤوليات أيضا اتجاه المجتمع، وكذلك المشاركة في حياته السياسية لتطويره.

وتتجلى المشاركة السياسية الإيجابية مع مفعول التعليم السياسي الإيجابي طبعا عندما يبدا المجتمع بادراك المخاطر وتعلو تعابيره مناداة بحقوقه الطبيعية والاجتهادية ويبدو في اغلب الحالات وأوضاع الدول ترافقت الصحوة السياسية مع سياسات اقتصادية تقوم على إغراق الدول في الديون الخارجية وربطها بسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وشروطها المذلة التي سحقت القطاعات الشعبية الفقيرة إلى جانب خصخصة القطاع العام وتبديد ممتلكات الدولة، الأمر الذي أدى إلى تحوّل الفقر والبطالة وخاصة في أوساط الشباب وخريجي الجامعات إلى معضلة سائدة تستعصي على الحل، ومع مرور الوقت تعمقت منطوقات الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى غدت ملازمة للمجتمعات فتهاوت تحت وطأتها كل دعوة للاصلاح ومشاريع التنمية التي أطلقتها الأنظمة العربية لاحتواء غضب الشعب، لقد وصلت التناقضات إلى مداها الأقصى، ولم يعد هناك ما يمكن فعله لتبرير الإخفاقات المتراكمة لبعض أنظمة الحكم على كافة المستويات والصُّعد.

وأيضا تتمثل هذه التراكمات في العوامل السياسية، وذلك عندما حدثت فجوة بين الخطاب السياسي والواقع، فما تقدمه التصريحات من صورة مشرقة عن الانجازات الاقتصادية والاجتماعية، جعل هناك أزمة ثقة ومصداقية في خطاب السلطة وجعل المجتمع بكافة مكوناته ينقم على الأوضاع عامة، ويخرج في حركات احتجاجية تعبر عن حالة غضب ولأجل هذا التردي العام في حالة المجتمعات على كافة المستويات كانت لدينا حركات الرفض والتي نرشح ان يتصدرها من مروا بتجربة التعليم السياسي الإيجابي البناء لأن ذلك يدور ضمن حلقة صراع تاريخي علمي لعمل الأنظمة والدول وجدوى نجاح أي معارضة .

لقد ركز الفكر السياسي الإنساني على أهمية الوعي السياسي في بناء الأنظمة الديمقراطية، وهذا ما أشار إليه جميع الفلاسفة والمفكرين ابتداء من العصر الإغريقي عندما وصفوه بمصطلح (الفضيلة المدنية) وربطوه مع القيم الديمقراطية، وأشاروا إلى أن أول حالات الوعي السياسي جاءت نتيجة الحاجة الإنسانية إلى الاجتماع وتكوين السلطة عندما اضطر الإنسان في محاولة منه لتأمين الغذاء والحماية إلى الانتظام في مجتمعات سياسية لها إطار سلطوي عبّر عنه بالقبيلة والقرية والمدينة والدولة. وهذا ما ذهب إليه مفكروا العقد الاجتماعي أمثال هوبز وروسو ولوك وغيرهم عندما أشاروا إلى حالة المجتمع المضطربة التي أدت إلى تنازل الأفراد عن حقوقهم السياسية لصالح السلطة مقابل ضمان الغذاء والأمن. وعدّوه بدايات لما عرف بالوعي السياسي لدى الأفراد والمعبر عنه بالحاجة إلى التنظيم السياسي لإدارة المجتمع والدفاع عنه إلا أن مرحلة وضع الأساس الأول للمجتمع وقيام الدولة أفرز الحاجة إلى قيم أخرى غير الغذاء والأمن، ألا وهي العدالة وتأمين الحريات الفردية والعامة.

ويمكن القول بأن الوعي السياسي والتعليم السياسي الجمعي له مفعول إيجابي جدا في صياغة ( الثقافة والهوية الوطنية ) لان من اهم ملامح الجهل والضعف في الوعي السياسي هو الاصطدام بأزمة الهوية الوطنية حيث يجهل أفراد المجتمع هوية نظامهم وطبيعته، فهل هو نظام قبلي أم ديني أم علماني، أم غير ذلك، الأمر الذي يجعل الصورة غير واضحة ومشوشة لدى الأفراد مما يجعلهم غير قادرين على تحديد حقوقهم وكيفية التعامل مع المواقف والاختلافات السياسية. وتعد أزمة الاندماج الاجتماعي ثاني هذه الملامح نتيجة التخلف الذي يعاني منه المجتمع لاسيما على الصعد الاجتماعية والاقتصادية وهي آثار متراكمة عبر عقود طويلة من القهر والحرمان جعلت الأفراد يلتفون حول تقسيماتهم الطائفية والعشائرية أو القومية، وبالتالي أصبح الوعي السياسي مغيبا عن المجتمع وحل محله التعصب والانحياز غير الواعي. أما أزمة المشاركة السياسية فتعد ثالث هذه الملامح، فنتيجة شعور أفراد المجتمع بأن الواقع السياسي الجديد لم يحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية ، وأن النخب السياسية منشغلة في الصراع على السلطة ومكاسبها، كل ذلك جعل الأفراد يعزفون عن المشاركة السياسية وبذلك تصبح العملية الديمقراطية غير ناجحة .