وسطية أم تخلي عن الدستور الإسلامي بقلم بكر السباتين
تاريخ النشر : 2021-10-11
وسطية أم تخلي عن الدستور الإسلامي.. وما هو مصير اقتصاد الأفيون في ظل حكومة طالبان؟

بقلم: بكر السباتين

طالبان تختارُ دستورَ الملكِ محمد ظاهر شاه وأسئلةٍ أخرى

الموقفُ الطالباني حرج جداً فهل وضعتها الضغوطات الدولية أمام خياري التشدد أو الوسطية والانفتاح على المجتمع الدولي! دعونا نبحث في هذين الخيارين بالتفصل:

أولاً:- تبني حركة طالبان للخيار الإسلامي الوسطي باعتماد دستور موضوعي فضفاض مستوحى نسبياً من الشريعة الإسلامية لكنه بالمجمل دستور علماني وضعي كان يسير الحياة المنفتحة إبان العهد الملكي عام 1965؛ وتم اختيار ذلك لطمأنة المجتمع الدولي الذي تسعى الحركة لبناء علاقة تشاركية معه كي تدور عجلة التنمية الطالبانية في سياق دولة ناجحة، ربما اقتداءًا بالنموذجين الماليزي والتركي على نحو ما؛ رغم أن الحركة تدرك بأنها بذلك قد تخسر جزءًا من قاعدتها الجماهيرية التي ما فتئت تعزز موقفها الداخلي وهي التي ساعدتها على هزيمة المعارضة التي يقودها أحمد شاه مسعود في ولاية بنشجير، وبالتالي إسقاط الأجندة الفرنسية الصهيونية التي يمثلها رجل المخابرات الفرنسي الصهيوني برنارند هنري ليفي.. ناهيك عن أنها أيضاً وقفت خلف طالبان في التصدي لإرهاب داعش- خرسان التي تسعي لتحويل أفغانستان إلى دولة فاشلة من خلال تنفيذها لسلسلة من الانفجارات تباعاً. وكان آخرها تفجير مسجد شيعي في ولاية قندوز لإشعال الفتنة الطائفية المبرمجة صهيونياً، وهي أهداف كشف عنها عميل الموساد أبو حفص الإسرائيلي المعتقل في ليبيا والذي تخرج من جامعة تل أبيب الإسلامية، واسمه الحقيقي بنيامين إفراي.

ثانياً:- أن تتمسك حركة طالبان ببرنامجها الإسلامي المتشدد وغير الوسطي الذي نجحت جماهيرياُ على أساسه؛ فتخسر إزاء ذلك الشركاء الدوليين المحتملين لها، كأمريكا والصين على سبيل المثال، ولا يستبعد أن تتحول من جراء ذلك إلى دولة فاشلة وحاضنة للإرهاب، وأول المواجهات لها ستكون مع داعش التي تتهمها بالخضوع لشروط الاستعمار الذي ما خرج إلا بعد اتفاقه المسبق معها في الدوحة برعاية قطرية.

ويبدو أن طالبان بعد تروي وقع اختيارها على الوسطية التي تتيح لها المناورة في جميع الاتجاهات حتى تظفر بالكثير فيما تتكبد أقل الخسائر، ويكون سلاحُها التسويف وإطلاق الوعود. وسنبحث في هذا الخيار من خلال محوري الدستور الموضوعي والاقتصاد السليم.. والتخلص من أيَّة ازدواجية من شأنها أن تضع الفقهاء والخبراء في مأزق حقيقي قد يعوّق التنمية الشاملة من أساسها. وهما:

المحور الأول:- طالبان والدستور الموضوعي، ما بين الخيار الإسلامي والعلماني.

فقد أعلنت حركة "طالبان" عزمها على استبدال دستور أفغانستان الإسلامي الموعود، بتشريعات تعود إلى العهد الملكي من القرن العشرين.

جاء ذلك في بيان وزير العدل بالإنابة في حكومة حركة "طالبان" عبد الحكيم شريعي نهاية أوغسطس الماضي، قائلاً إن "الإمارة الإسلامية ستطبق القانون الدستوري للملك محمد ظاهر شاه الصادر عام 1964 لفترة مؤقتة، دون تطبيق أي محتوى يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومبادئ الإمارة الإسلامية".

وكلمة "مؤقتة" قد تكون تكتيكية للاستهلاك المحلي في سياق المضي بالمشروع الطالباني نحو الوسطية.. وبعد ذلك سيخضع الشعب لسياسة التسويف والتبرير حتى يتم ترسيخ الدستور الذي قد ينتهي بنظام ديمقراطي يقوم على الانتخاب الحر، وليس على التعيين في سياق مجلس شورى إسلامي، وهو احتمال ضئيل إلا إذا نجحت الوسطية الطالبانية بتحقيق أمن واستقرار؛ لبناء تنمية ناجحة ومستمرة في كافة النواحي تعود بالنفع على معيشة المواطن الضنكا.

وأوضح شريعي أن "الحركة ستحترم القوانين والمعاهدات الدولية التي لا تتعارض مع الإسلام ومبادئها" إلى أن قال:... "وإن الحركة تعتزم إقامة علاقات طيبة وودية مع العالم.".

وأهم البنود التي انسجمت مع الخيار الطالباني، هي:

1 ـ أفغانستان مملكة دستورية، مستقلة وغير قابلة للتجزئة.

2ـ دين الدولة الإسلام وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة.

3ـ ضمان الحرية لكل من لا يدينون بالإسلام.

4ـ اللغة الرسمية: البشتونية والدَرية.

5ـ عاصمة أفغانستان، هي كابل.

6-علم البلاد مكون من ثلاثة ألوان، وهي: الأسود والأحمر والأخضر

ولا أدري إن كانت طالبان ستلتزم بهذا البند أم ستجد صعوبة في ذلك، نظراً لأنها تمتلك علمها الخاص الذي يرفرف فوق مبانيها الحكومية، والمكون من اللون الأبيض كتبت عليه عبارة: "لا إله إلا الله ومحمد رسول الله" وفي تقديري أنها لو فعلت ذلك فإنها ستواجه مأزقاً مع المتشددين الذين يعتبرون هذه الراية شعار مشروعهم الإسلامي، بالمقابل فاختيار العلم الدستوري بألوانه الثلاثة، سيطمئن الأفغانيين المتمسكين به كرمز لدولة أفغانستان المستقلة والغير مجيرة لحركة طالبان.

بعد الانتهاء من محور الدستور الموضوعي، سنأخذكم إلى محور الاقتصاد السليم.

المحور الثاني :- محور الاقتصاد السليم والصراع بين المبادئ الإسلامية من جهة، ومصالح حركة طالبان من جهة أخرى، من خلال مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، على نحو دعم اقتصاد الأفيون كوسيلة لتعزيز موقف الدولة المالي ومخصصات التنمية، إلى جانب دعم المشاريع الأخرى وبالتالي الانسحاب التدريجي من اقتصاد الأفيون لبناء قاعدة سليمة لاقتصاد نظيف مُهَيَّأ لأية شراكة دولية.

فهل تتوافق الشريعة الإسلامية مع الاستمرار في تجارة الأفيون وزراعة الخشخاش في إطار اقتصاد الموت وغسيل الأموال!؟

أم أن الاعتماد على دستور الملك محمد ظاهر شاه المعتمد لدى طالبان سيمنح الحركة مساحة أكبر للمناورة في تبني الخيارات وحذف المرفوض منها في الوقت المناسب على نحو ما ذكرناه آنفاً؟

وتجدر الإشارة إلى أن اقتصاد الأفيون يعتمد على تجارة المخدرات وانتشار مزارع الخشخاش على طول الأرض وعرضها وبخاصة ولاية بنشجير.. وانتشار منتجات زهرة الخشخاش الأفغانية البيضاء من أفيون وهيروين في دول الجوار وصولاً إلى أوروبا.. وتوفر هذه التجارة عائدات مادية ضخمة تستفيد منها الدولة إلى جانب الحركات الإسلامية بما فيها طالبان وحركة داعش- خراسان، ناهيك عن مافيات المخدرات، والرقيق الأبيض وغسيل الأموال.. بإدارة تشاركية تحت إشراف الدولة العميقة في أفغانستان.. مع قبول جماهيري بهذه التجارة لأن زراعة الخشخاش يتولاها مواطنون أفغانيون من كافة الطبقات والأعراق، وتدرُّ عليهم أرباحاً طائلة في ظلِّ ظروف معيشية سيئة وفقر مدقع، تسبب بها الاستعمار إلى جانب التناحر العرقي والطائفي في البلاد.

وللوقوف على حجم هذا الاقتصاد، سنذهب بكم إلى تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حيث قدر الاقتصادَ الأفيونيَّ غير المشروع الإجمالي للبلد في العام 2017 بما يصل إلى 6.6 مليار دولار.

وتؤكد الأمم المتحدة وواشنطن أن طالبان متورطة في جميع الجوانب، من زراعة الخشخاش واستخراج الأفيون والاتجار به، وصولاً إلى فرض "ضرائب" على المزارعين ومختبرات المخدرات، وفرض رسوم على المهربين عن الشحنات المتجهة إلى إفريقيا وأوروبا وكندا وروسيا ودول أخرى.

وفي دراسة ميدانية أجراها الباحث مانسفيلد لصالح الولايات المتحدة، خلص فيها إلى أن ما تكسبه طالبان من المواد الأفيونية غير المشروعة هو نحو 40 مليون دولار سنوياً، معظمها من الرسوم المفروضة على إنتاج الأفيون ومختبرات الهيروين وشحنات المخدرات.




وجنت طالبان منذ عام 2008 فصاعداً، أكثر من نصف إيراداتها من المخدرات، وتنظيم زراعة الخشخاش، وحماية محاصيلها، وتأمين طرق الإمداد الإجرامية إلى آسيا الوسطى. فهل تتخلى طالبان عن كل ذلك بسهولة ما لم يتوفر البديل؟

وفي عام 2020 وفقا لآخر مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، كانت هناك زيادة بنسبة 37% في مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الخشخاش.