انفراد إسرائيل كل عام بنشر بعض الحقائق والمعلومات عن حرب 1973 بقلم حماد صبح
تاريخ النشر : 2021-10-11
انفراد إسرائيل كل عام بنشر بعض الحقائق والمعلومات عن حرب 1973 

بقلم: حماد صبح

في كل ذكرى سنوية لحرب السادس من أكتوبر 1973 ، أو العاشر من رمضان ، تنفرد إسرائيل بنشر بعض الحقائق والمعلومات عن تلك الحرب ، وتكتفي مصر وسوريا بنشر بعض المقالات التي تمجدها ، وهي فعلا تستحق التمجيد لاعتبارها أول حرب حقيقية يخوضها العرب ، أو بالأدق دولتان منهم ، هما مصر وسوريا ، مع إسرائيل . وكانت اختبارا قاسيا وعسيرا لها ، وتعرية لحقيقة انتصاراتها الثلاثة السالفة ، ولكن المقالات لا تكفي قي ذكرى هذه الحرب ، ولا غنى عن المعلومات والحقائق التي تضع كل حدث من أحداثها في موضعه الصحيح ، وتحدد إيجابيته أو سلبيته في مسارها ، ومن ثم تغذي المقالات حولها . 

التكتم من ناحية مصر وسوريا على معلومات وحقائق تلك الحرب صدى صادق لفقدان الحق في الاطلاع على المعلومات والحقائق المكفول قانونيا في بعض الدول ، ومنها إسرائيل ، وإن بضوابط منظمة له قد تمنع نشر بعض تلك المعلومات والحقائق . فالوثائق الاثنتان والستون التي أذنت الرقابة في إسرائيل بنشرها في الذكرى الثامنة والأربعين للحرب لم تنشر إلا بعد التماس قدمه إلى المحكمة العليا العام الماضي المحامي بنيامين بيرتس ، وجنرال الاحتياط أوري أور ، و " مركز حرب يوم الغفران " ، ورئيسه رامي تسفات ، والبروفيسور أوري بار يوسف . وهناك وسيلة أخرى في إسرائيل وأوروبا وأميركا وبعض الدول لنشر المعلومات والحقائق عن الأحداث المهمة ، وهي قانون إجازة النشر بعد انقضاء ثلاثين عاما على تلك الأحداث ، وبداهة أن هناك ما يحجب مما له مس بالأمن الوطني ، أو يثير حساسية ما . في الدول العربية لا شيء من هذا ، ولا تقتصر هذه الحالة على الأحداث السالفة ، بل تمتد إلى الأحداث الحالية ، مثلا : كل أخبار إسرائيل في ما يتصل بالتطبيع مع الدول العربية وسواه تأتي من إسرائيل ، والسبب ذات سبب التكتم على الأحداث السالفة . إنها ذات العقلية ، وذات الثقافة ، وذات إدارة الأمور . وكله يجب أن يزول ، ولن يزول إلا إذا زالت تلك العقلية ، وتلك الثقافة ، وتلك الإدارة للأمور ، وتقرر قانونيا حق المواطنين في الاطلاع على المعلومات والحقائق التي تخص بلادهم وحياتهم ومصيرهم ، ولن يتقرر هذا الحق إلا إذا أزيحت الأنظمة السياسية التي تئده ، وهذه رواية طويلة معقدة إلا أن القوى الواعية في العالم العربي ، وما أكثرها وما أقدرها على بيان الأمور ، وتشخيص الصواب من الخطأ ، وما ينفع الأمة وما يضرها تستطيع أن تفعل شيئا ذا تأثير في التوصل إلى شيء من هذا الحق حتى قبل إزاحة الأنظمة الاستبدادية الكبتية . المعلومات الصحيحة والحقائق الصادقة هي التي تخلق المواطن المقتدر على تمييز الأمور تمييزا صحيحا دقيقا ، وهذا المواطن هو منجم قوة المجتمع والدولة . وبلاؤنا في العالم العربي أن الأنظمة الحاكمة ، بل المتحكمة المتسلطة ، تخاف هذا المواطن مخافة الموت ، وترى أمنها وأمانها في نحر طاقاته وفاعلياته وحيوياته ، واستجلاب معززات بقائها وداعماته من الغرب ، ويا للمرارة والمعرة ، من إسرائيل . 

والمستهجن أن تكتم مصر وسوريا على معلومات حرب أكتوبر وحقائقها يحدث مع وجود نواحٍ كثيرة مشرفة مشرقة في أداء جيشي البلدين حتى حُسِب ما أنجزاه انتصارا أو تعادلا مع إسرائيل ما كانت لتبلغه ، إسرائيل ، لولا التدخل الأميركي التام السريع في صفها والذي فسر هنري كيسنجر سببه المباشر قائلا : " لن نسمح بانتصار السلاح السوفيتي على السلاح الأميركي " الذي سيكون في هذه الحالة انتصارا سوفيتيا على أميركا في زمن الصراع المحتدم بين القطبين . قيل عن انتصار إسرائيل الغريب الساحق في حرب يونيو 1967 إنه انتصار مجتمع منظم على مجتمع ترتجل فيه الأمور ارتجالا ، وصُدِم هذا المجتمع العدو المنظم بشيء جديد من التنظيم الطارىء في مصر وسوريا في حرب 1973 ، وصدمته تاليا المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله والمقاومة الفلسطينية بشيء من التنظيم ، ولو تواصل التنظيم المصري والسوري الذي ظهر في حرب أكتوبر وتعمق في روح المجتمع وسلوكه لما انحدرنا إلى هذه الحال القاتلة السوء التي يتحالف فيها بعض العرب والفلسطينيين مع عدو الأمة الضاري قاطبة ، ويصير أمنه جزءا من أمنها الوطني ، بل مقدما عليه . 

ومن غرائب التاريخ أن الانحدار السياسي والقومي العربي عقب انتصار حرب 1973 النسبي يشبه الانحدار العربي والإسلامي الذي تلا الانتصار الساحق على الصليبيين وطردهم من المنطقة بعد مائتي عام من وجودهم الغازي فيها . 

وقابل الانحدار العربي والإسلامي انبعاث أوروبا بعد انهزامها ، ودلوفها عصر الاستنارة أو العقل ، واندفاعها الاستعماري خلف الأطلسي وفي آسيا وأفريقيا الذي سمته كشوفات ، ونهوضها الصناعي الذي استهلته إنجلترا في القرن الثامن عشر . عقب حرب 1973 افترقت مصر وسوريا ، ورجعت إسرائيل إلى تغولها وتعربدها ، ولولا ضبط المقاومة اللبنانية والفلسطينية لذلك التغول والتعربد لرأينا منها كل غريب متجرىء عسكريا ، وفي المقابل نرى منها كل غريب متجرىء في السياسة ، وهو ما لا قدرة ولا أهلية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية على وقفه . 

ما عساها تفعل مع الدول العربية التي تعدو نحو مستنقع التطبيع مع إسرائيل ؟! وما أكثر مفارقات ومتنافرات العالم العربي التي تستحلبها إسرائيل بسهولة ! وفي المجمل كانت حرب أكتوبر انتصارا عربيا عسكريا أو تعادلا مع إسرائيل ، وانحدارا أو هزيمة سياسية ، وفي هذا مخالفة كبيرة لرؤية أن الحرب وسيلة لبلوغ أهداف سياسية .

*قال الإعلام العالمي وقت الحرب إن رئيس الأركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي نظم اندفاع القوت المصرية عبر القناة ، وحركتها القتالية في سيناء أحسن كثيرا من تنظيم حركة المرور في القاهرة.

*من وسائل التضليل والخداع عن موعد الحرب التي استعانت بها القيادة المصرية إذاعة خبر عن تهيؤ عدد من الضباط لأداء العمرة ، ومنها ارتقاء بعض الجنود المصريين للأشجار، ومصهم القصب أمام الجنود الإسرائيليين قبل الحرب مباشرة.

أذاع التوجيه المعنوي في الجيش المصري خبرا حول تحليق طيور خضر ، طيور الجنة ، فوق زوارق القوات العابرة للقناة ، والهدف رفع معنويات المواطنين الذين يصدقون مثل هذا الخبر.

ذهل الجنود الإسرائيليون من مهارة الجنود المصريين في القفز من سياراتهم المسرعة دون أن يقعوا أرضا ، وفي هذه المهارة يرد الجندي الواقف على جانب السيارة ظهره إلى الخلف ، ويقفز ، ويندفع بأقصى سرعته ليتوازن جسمه ويستقيم ، فلا يقع.

من الجنود الإسرائيليين الجرحى والمرتجين نفسيا من كان يصيح في نوبات مفاجئة في المشافي الإسرائيلية :" الله أكبر! " ، الصيحة التي فاجأهم بها الجنود المصريون وقت العبور واقتحام خط بارليف.

النكتة لا تفارق الإنسان المصري حتى في أشق اللحظات ، وقد تكون هذه اللحظات داعية لها عنده أكثر من لحظات الاطمئنان والسرور واليسر . كتب بعض الجنود المصريين على العربات والدبابات الإسرائيلية المحطمة المحترقة : " إذا حضرت الملائكة هربت الشياطين " .