تعديلات اللجنة الملكية انقلاب على الدستور ونظام الحكم النيابي بقلم د. رلى الفرا الحروب
تاريخ النشر : 2021-10-10
تعديلات اللجنة الملكية انقلاب على الدستور ونظام الحكم النيابي

بقلم: د. رلى الفرا الحروب- أمين عام حزب أردن أقوى

شكل الملك عبد الله الثاني لجنة من ثلاثة وتسعين عضوا (استقال منهم ثلاثة) برئاسة دولة سمير الرفاعي من أجل مهمة واحدة هي تحديث المنظومة السياسية بهدف معلن هو الوصول إلى برلمان حزبي وكتل برامجية قوية تشكل حكومات برلمانية.

ولكن، وبحسب الملخصات التي نشرت عن تلك المخرجات، فقد تفاوتت مخرجات اللجنة في جودتها ، إذ جاءت توصيات لجنتي الشباب والمرأة جيدة وإن كانت تفتقر إلى آليات واضحة، في حين جاءت توصيات لجنة الإدارة العامة غامضة تخلو من التفاصيل، أما توصيات لجنة الانتخاب فقد جاءت دون الطموح، ولا تحقق الهدف المعلن وهو برلمان حزبي برامجي يشكل حكومة، بل إنها لا يمكن أن تقود في يوم من الأيام إلى وجود حزب يتمتع بالأكثرية النيابية، في حين جاءت بعض توصيات لجنة تعديل الدستور كارثية، وتناقض الهدف المنشود وهو تعزيز عمل البرلمان كسلطة تمثل الشعب، وتمكينه من تشكيل حكومة برلمانية، لتفعيل الركن الأول المعطل حاليا في نظام الحكم وهو الركن النيابي.

في هذا المقال، سأقصر تعليقي على فكرتين وردتا في الورقة المرجعية وسبع تعديلات خطيرة للدستور اقترحتها اللجنة الملكية، أراها انقلابا على الدستور الأردني ونظام الحكم النيابي الملكي، ونسفا لدور البرلمان كسلطة موازية في قوتها للسلطة التنفيذية، وإعداما لإمكانية قيام حكومة منتخبة في قادم الأيام، وسيكون لي مقالات قادمة حول مخرجات لجنتي الانتخاب والأحزاب.

أما الفكرتان فهما:

1. ورد في الورقة المرجعية وصف للشروط المطلوبة لتحديث المنظومة السياسية، وهي شروط لا خلاف عليها، ولكن الورقة ما طفأت تتحدث عن النموذج الديمقراطي المطلوب للأردن والذي يناسب الأردنيين دون أن تخبرنا بماهية ذلك النموذج المفصل لنا دونا عن خلق الله أجمعين، والذي يناسبنا ولا يناسب غيرنا، في حين أن أوراق الملك النقاشية، لا سيما الأوراق الخمسة الأولى، كانت قد رسمت ذلك النموذج المطلوب، أسوة بكل ديمقراطيات العالم، واعتبرت أنه تشكيل حكومات برلمانية حزبية تحقق المبدأ الدستوري " الشعب مصدر السلطات"، وليس سرا أن تمكين الشعب من حكم نفسه عبر برلمان منتخب وحكومة برلمانية، عدا عن كونه استحقاقا دستوريا للنظم البرلمانية التي ينتمي إليها دستورنا، إنما هو ترشيد للحكم ليلبي طموحات الشعب، ويزيح عبئا عن كاهل الملك في إدارة الدولة، ويبقيه في منأى من النقد والهجوم، ولذلك كانت هذه الحكومة البرلمانية محور رؤية الملك في أوراقه النقاشية، والغريب أن اللجنة قد تجاهلت ما رسمته تلك الأوراق من أدوار للسلطات الثلاث والشعب ومنظمات المجتمع المدني، مع أن الملك في كتاب تكليفه لرئيس اللجنة قد جعل تلك الأوراق مرجعية لعملها، ولكنها خرجت علينا بتعديلات تنسف تلك الرؤية، رغم الشعارات المعلنة التي يرددها أعضاؤها في وسائل الإعلام.

2. تكرر أيضا في الورقة المرجعية وفي تصريحات أعضاء اللجنة ورئيسها أن توصيات اللجنة تأتي لتساعد الأردنيين في الوصول إلى النضج الديمقراطي لأننا في الوضع الراهن غير جاهزين للديمقراطية، وهي مفارقة هزلية، فهذه اللجنة المعينة التي لم ينتخب أعضاءها أحد، والتي قفزت عن دور البرلمان المنتخب، ترسم طريقا للشعب الأردني ليصل إلى النضج الديمقراطي، باعتبارنا نحبو في عالم الديمقراطية، ولسنا مؤهلين لتشكيل حكومة نيابية وحكم أنفسنا بأنفسنا أسوة بكل خلق الله من حولنا، مع أننا من أعلى دول المنطقة في نسبة التعليم وحملة الشهادات العليا وفي نسبة المبدعين والموهوبين في كل المجالات، ومن أقدم الدول في تاريخ العمل الحزبي والنقابي والبلدي. إن هذا الوصف لا يمكن أن يفهم إلا بأنه شتيمة للشعب الأردني بأحزابه ونقاباته ومجالس نوابه ومؤسساته المدنية، وهو وصف يستدعي محاسبة كل من يردده كالببغاء.

أما عن التعديلات الدستورية المقترحة الثلاثة والعشرين، فسأقصر حديثي عن سبع منها أراها نسفا للركن النيابي في نظام الحكم، وإخراجا لدستورنا من فئة النظم البرلمانية الملكية إلى فئة مجهولة ليس لها وصف ولا نظير، ولا يمكن تصنيفها ضمن أي إطار دستوري شائع، وهي شذوذ واضح عن الدساتير التي تشبهنا والمسماة بالملكيات الدستورية أو النظم البرلمانية.

هذه التعديلات المقترحة هي:

1. الفصل بين النيابة والوزارة، خلافا لأحكام المواد ( 1، 24، 22، 52) من الدستور الأردني.

2. إسقاط الحصانة البرلمانية عن أعضاء مجلس النواب، والاكتفاء بحصانة من التوقيف وليس المحاكمة، خلافا لأحكام الدستور في المواد (86 و 87) التي تستوجب تصويت الأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس على نزع الحصانة، والتي لا تؤاخذ العضو عن أي رأي أو تصويت أو خطاب يلقيه أثناء اجتماع جلسات المجلس.

3. قبول استقالة النائب فور تقديمها حكمها دون تصويت أعضاء المجلس عليها، خلافا لأحكام المادة (72 ) من الدستور.

4. رفع العدد المطلوب لقبول مذكرة طرح الثقة في الحكومة من عشرة أعضاء إلى 25% من إجمالي أعضاء المجلس، خلافا لأحكام المادة (53 ) من الدستور.

5. النص على أن الحكومة التي تحل مجلس النواب قبل أربعة شهور من انتهاء عمره الدستوري لا تلزم بالاستقالة، خلافا لنص المادة ( 74/2 ) من الدستور.

6. تحصين قوانين عادية من التعديل في المجالس المقبلة، ورفعها إلى مرتبة تعديلات الدستور، وهي: قوانين الانتخاب والاحزاب والهيئة المستقلة للانتخاب وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء، وذلك باشتراط موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب (المنتخبين) وثلثي أعضاء مجلس الأعيان (المعينين) لتعديلها، خلافا لأحكام المواد (84، 95) من الدستور.

7. تحويل شروط الترشح لمجلس النواب الواردة في قانون الانتخاب إلى شروط دستورية، أي تعديل الدستور ليتواءم مع القانون وليس العكس، خلافا لأحكام الدستور الأردني في المواد ( 70 و 75).

وقبل أن أتناول هذه النقاط السبعة بقدر يسير من التفصيل، لا بد أولا من توضيح موضع الدستور الأردني من دساتير العالم.

ينتمي الدستور الأردني المأخوذ أصلا في نصوصه عن الدستور البلجيكي إلى عائلة من الدساتير تسمى الملكيات الدستورية أو نظم الحكم البرلمانية، وتختلف هذه النظم عن نظيرتها من النظم الرئاسية في عدد من الأمور:

1. هذه النظم البرلمانية نوعان: نظم يرأسها ملك يرث الملك بالوراثة وتسمى بالملكيات الدستورية، والملك فيها يملك ولكنه لا يحكم مباشرة، ولا يستطيع ان يمارس أي صلاحية إلا تلك التي نص عليها الدستور، ومن خلال حكومته، وإرادته لا تنفذ ولا تكون ملزمة إلا إن صادق عليها الوزير المعني ورئيس الوزراء، ودستور الأردن ينتمي إلى هذا النوع من النظم، مثله مثل بلجيكا واسبانيا وهولندا والدنمارك والنرويج والسويد وبريطانيا إلى حد ما، ونظم أخرى يرأسها رئيس جمهورية ينتخب من الشعب أو يتم التوافق عليه من قبل الكتل الحزبية في البرلمان كالعراق ولبنان وتونس وإسرائيل وتركيا قبل التعديلات الأخيرة للدستور. كلا النوعين يسمى بالنظم البرلمانية، وإن اختلف مسمى رأس الدولة (ملك أو رئيس) وطريقة وصوله إلى السلطة ( بالوراثة او الانتخاب أو التوافق البرلماني) وحجم الصلاحيات الممنوحة له ( مقيدة أو نسبية أو مطلقة).

2. أن السلطة التنفيذية في النظم البرلمانية لها رأسان: رأس بصلاحيات محدودة هو الملك أو الرئيس مصون من التبعة والمسؤولية، ورأس ثان يأتي من البرلمان بترشيح الأكثرية النيابية التي هي في الديمقراطيات المستقرة أكثرية حزبية، ويمارس السلطة والولاية الدستورية بكامل صلاحياتها وهو الذي يحاسب ويسأل برلمانيا وقضائيا وشعبيا، ولذلك، فقد نصت دساتير تلك الملكيات الدستورية صراحة على أن الأحزاب هي من يترشح للبرلمان، بل ونصت على توزيع المقاعد بينها بموجب أحكام الدستور الذي يفصل الدوائر الانتخابية وعدد ممثلي الدوائر وغير ذلك من قضايا.

3. وهي بذلك تختلف عن النظم الرئاسية (كالولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا) التي تتمتع برأس واحد للسلطة التنفيذية، حيث ينتخب فيها الرئيس مباشرة من الشعب ويشكل حكومته بهذا التفويض الشعبي، ويقابله البرلمان الذي ينحصر دوره في المساءلة والرقابة والتشريع ومنح الثقة لحكومة الرئيس او سحبها منها ومن الرئيس عبر آليات دستورية. ولكن، حتى في هذا الشكل من الحكم، يلزم الرئيس أن يأتي من حزب يحوز أكثرية المقاعد في البرلمان، وإلا أضحى مشلولا عاجزا عن تمرير أي من سياساته وقراراته، وفي كثير من الحالات، فإن الرئيس يختار وزراءه كلهم أو بعضهم من البرلمان لإضفاء الشرعية الشعبية على حكومته وضمان الدعم الدائم لقراراته في البرلمان.

4. وعليه، فإن نظم الحكم البرلمانية لا يوجد فيها فصل قاطع بين السلطات، وإنما هو فصل مرن، بمعنى أنه فصل للصلاحيات، كي لا تتكدس السلطة في يد واحدة منها، ولكن من يتولى تشكيل الحكومة ( أي السلطة التنفيذية) هو في الواقع البرلمان (أي السلطة التشريعية)، خاصة في الملكيات الدستورية، لأن الملك منبعه الوراثة، والحكم منبعه الشرعية الانتخابية أو البرلمان، فالملوك ليسوا منتخبين، ولكن البرلمانات منتخبة، ولذلك سميت الملكيات الدستورية المشابهة للأردن بالنظم البرلمانية، لأن البرلمان هو من يمارس الحكم فعليا، وليس الملك.

5. بناء على ما تقدم، فإن مشكلتنا في الأردن كانت وما زالت تعطيل الركن النيابي في الحكم، وتحويل البرلمان إلى شكل مشابه للنظم الرئاسية، في حين أن الملك غير منتخب وحكومته غير منتخبة، والأحزاب أضعفت كي لا تشكل أكثرية في البرلمان، والبرلمانات يترشح لها مستقلون، وتأتي بطرق تخلو من الشفافية والنزاهة تجعل إرادتها مرتهنة للحكومات المعينة، وهكذا تكدست كل السلطات فعليا بيد الملك وحكومته المعينة، وتحول البرلمان إلى هيكل خال من المضمون، خاصة وأن مجلس الأمة لدينا فيه غرفة ثانية يعينها الملك، ولا ينتخبها الشعب، وهو ما يجعلنا حالة شاذة عن معظم الملكيات الدستورية المشابهة لنا.

والآن، وبعد توضيح نظام الحكم الدستوري الذي ننتمي إليه، يمكن بكل يسر اكتشاف أن التعديلات السبعة المقترحة للجنة الملكية إنما هي انقلاب على الدستور وعلى الركن النيابي في الحكم، وإن وضعناها جنبا إلى جنب مع توصيات لجنة الانتخاب التي لا يمكن أن تسمح بوصول أي حزب إلى حيازة أكثرية نيابية تؤهله لتشكيل حكومة او حتى تسمية رئيس وزراء، فإننا نصل إلى الهدف الخفي للجنة الملكية والذي يناقض الهدف المعلن، ألا وهو إضعاف البرلمانات القادمة ونوابها، وضمان عدم وصول أي حزب إلى تشكيل حكومة، أي بقاء الحال على ما هو عليه، مع اختلاف الشكل الظاهري لقانون الانتخاب.

كيف؟

1. إن التوصية بفصل النيابة عن الوزارة، توصية شاذة لا وجود لها في النظم البرلمانية المشابهة لنا، بل هي نسف لشرعية البنيان الذي تقوم عليه تلك النظم، في وجود مُلك مصدره الوراثة وسلطة مصدرها الشعب وبرلمانه المنتخب الذي يشكل حكومة تمثل إرادته، وبالعودة إلى كل الدساتير المشابهة لدستورنا، كالبلجيكي والهولندي والاسباني والدنماركي والسويدي والنرويجي والبريطاني، نجد استثناءات محدودة، فالدستور الهولندي لا يتيح للنائب أن يكون وزيرا ولكنه يبيح للوزير ان يكون نائبا الى حين البت في قرار استقالته رفضا أو قبولا، والبلجيكي يلزم النائب الوزير بالتنازل عن صلاحياته في مجلس النواب، إلى حين مغادرته الوزارة، حيث يستعيد تلك الصلاحيات بعدها، وما عدا ذلك، فإن جميع الملكيات الدستورية، ليس في أوروبا وحدها، بل في آسيا أيضا، وجميع النظم البرلمانية، بما في ذلك تلك التي يرأسها رئيس، تشكل فيها الحكومات من البرلمان، أو يسمي البرلمان على الأقل رئيس الحكومة من حزب الأكثرية أو ائتلاف الأكثرية. بل إن هذه التوصية هي نقيض لما ورد في البند ثانيا من الورقة النقاشية الثالثة للملك، وتعارض مجمل الأفكار الرئيسة الواردة في أوراقه النقاشية الخمسة الأولى.

2. إسقاط الحصانة عن النواب المقبلين، مع دخول الأحزاب عبر قوائم عامة إلى البرلمان، يعني إضعاف النواب، بالأخص الحزبيين الذين ينتمون إلى أحزاب المعارضة، في مواجهة السلطة التنفيذية التي لن تشكل من البرلمان المقبل ولا الذي يليه، وربما لن تشكل أبدا من أي برلمان، وهذا الإضعاف معاكس في غاياته للغايات المعلنة، وهو هدم للعمل النيابي، وشذوذ عن القاعدة الدستورية لجميع النظم المشابهة لنا، باستثناء حالة وحيدة هي الدستور النرويجي الذي يمنح حصانة من التوقيف والاعتقال وليس المحاكمة، ولكنه في الوقت ذاته ينص على أن النائب لا يجوز محاكمته أبدا على ما ينسب إليه أثناء اجتماع الدورة البرلمانية.

3. قبول استقالة النائب دونما عرضها على أعضاء مجلس النواب للتصويت عليها شذوذ أيضا عن كل النظم الدستورية المشابهة لنا، فتخلي النائب عن صلاحياته ليس حقا له، بل حق للأمة، لأن النائب حين ينتخب ويقسم اليمين، يضحي ممثلا لكل الأمة، وليس للفئة التي انتخبته، وقبول استقالته يتطلب موافقة الأمة على ذلك، وهذه الأمة يمثلها أعضاء مجلس النواب المنتخبين كما توضح ذلك أحكام المادة 72 من الدستور. إن إلغاء شرط عرض الاستقالة على المجلس لقبولها أو رفضها يضع النائب، بالأخص المعارض، لقمة سائغة في مواجهة الحكومة والقوى الخفية التي يمكن ان تضغط عليه لتقديم استقالته أو تلفق له تهما تقايضه عليها بتلك الاستقالة، أو حتى تحكمه بموجبها وتحكم عليه.

4. رفع العدد المطلوب لتقديم مذكرة طرح الثقة في الحكومة إلى 25% من أعضاء المجلس بعدما استقرت في أحكام الدستور الاردني لأكثر من سبعين عاما على عشرة نواب فقط ، يعني عمليا تحصين الحكومة من مذكرات طرح الثقة، وهو إجهاض لعمل الأحزاب النيابي قبل أن يبدأ، فمن الطبيعي جدا أن نتوقع من الحزب المعارض أن يوظف جميع أدواته الدستورية في مواجهة حكومة لا يتفق مع سياساتها، بدءا من الأسئلة والاستجوابات، وصولا إلى مذكرات طرح الثقة. والمشرع الدستوري حين منح الأقلية النيابية ممثلة في عشرة نواب هذا الحق لم يكن يلغو، وإنما كان يهدف إلى تحقيق التوازن بين سلطة النواب وسلطة الحكومة، هذا التوازن الذي هو أحد أعمدة نظم الحكم النيابية، ولذلك، فإن سلب حزب الأقلية حقه في تقديم مذكرة لحجب الثقة، سيحرم هذا الحزب من أي فاعلية، وسيجعل وجوده في البرلمان مساويا لعدمه، في ظل أنه لا يملك أدوات يضغط بها على الحكومة ليجبرها على تعديل سياساتها، بمعنى أنه هدية للحكومات لترتاح وتطمئن وتكون بمنأى عن أي تهديد برلماني بسحب الثقة منها، خاصة وأن توصيات قانون الانتخاب التي خرجت بها اللجنة لا تؤهل أي حزب في المدى المنظور للوصول إلى نسبة 25% من مقاعد البرلمان.

5. إلغاء النص الذي يلزم الحكومة التي تحل البرلمان بتقديم استقالتها خلال اسبوع، والسماح لها بالبقاء إن هي حلت البرلمان قبل أربعة أشهر من انتهاء عمره الدستوري هو شذوذ دستوري لا مثيل له في النظم المشابهة لنا، وقد سبق أن عَدلت حكومات سابقة هذا النص وألغته، ولكن الربيع الأردني أعاده مع تعديلات الدستور عام 2011، واليوم، تنقلب اللجنة الملكية على مكتسبات الشعب الأردني التي حققها الحراك الشعبي، لتحصن الحكومة التي تحل البرلمان من الاستقالة، بذرائع عملية، في الوقت الذي تنص فيه الدساتير المشابهة لنا على أن الحكومة التي تجري الانتخابات يجب أن تستقيل، فما بالك بتلك التي تحل البرلمان قبل انتهاء عمره الدستوري؟!

6. تحصين قوانين عادية مثل الانتخاب والاحزاب والقضاء والهيئة المستقلة للانتخاب والنزاهة والشفافية ورفعها إلى مرتبة تعديلات الدستور أو تلك القوانين التي يردها الملك، بمعنى أنها تتطلب أكثرية الثلثين في كل من مجلسي النواب والأعيان، هو أيضا شذوذ دستوري، وخروج عن الأصل العام، فالأصل أن جميع القوانين تمر بأكثرية النصف + واحد، أي الاكثرية المطلقة، أما الدستور ونظرا لحساسيته الشديدة باعتباره رأس الهرم التشريعي، فهو وحده ما يتطلب أكثرية الثلثين. هذه التوصية هي سلب لصلاحيات مجالس النواب القادمة، التي يؤمل أن تكون مسيسة باعتبار أن بعض الأحزاب ستجد طريقها إليها، وهي إغلاق للباب في وجه تلك الأحزاب ليكون لها رأي في القوانين التي تحكم عملها، وهو إجراء غير ديمقراطي، عدا عن كونه خروجا عن الاصل العام لا مبرر له.

7. ترقية شروط الترشح لمجلس النواب التي نص عليها قانون الانتخاب لتصبح شروطا دستورية، بمعنى إضافة شروط لم يشترطها الدستور طيلة سبعين عاما من عمر الدولة، إنما هو قلب للهرم التشريعي، فالأصل أن القانون يتوافق مع الدستور، لا أن نغير الدستور ليتوافق مع حيثيات في قانون انتخاب وضعت أسسه لجنة غير منتخبة عينها الملك، وألزم بمخرجاتها حكومته، وسيقره برلمان انتخبته أقلية شعبية، خاصة وأن القوانين تتغير من زمان الى زمان وفق متطلبات الضرورة والحاجة، في حين تبقى القواعد الدستورية صالحة لكل زمان باعتبارها قواعد عامة. ولكن، ما هو الشرط الوارد في قانون الانتخاب والذي لا يرد في الدستور للترشح لعضوية المجلس؟ الشرط هو أن يكون قد مر على حصول المرشح لمجلس النواب عشر سنوات على اكتسابه الجنسية. هذا الشرط غير دستوري بالأساس، لانه يخلق درجتين من المواطنة، الأولى للمواطن الذي حصل على جنسيته لفترة زمنية تقل عن عشر سنوات، والثاني للمواطن الذي حصل على جنسيته لفترة تزيد عن عشر سنوات، وهذا إخلال بالمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة السادسة من الدستور، والذي يجعل الاردنيين امام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، ولنص المادة (22/1) الذي يجعل لكل أردني الحق في تولي المناصب العامة، وتعريف الاردني بموجب قانون الجنسية الاردني هو كل من حمل الجنسية الاردنية، ولم يرد في القانون اي اشتراط للزمن كي يكتسب الاردني حقوقه السياسية من مثل الترشح للانتخابات العامة. إن تحويل هذا الشرط ليصبح شرطا دستوريا يعني أننا ندستر وجود طبقتين من الجنسية، ويحرم الكثير من الأردنيين من ممارسة حقوقهم السياسية، وهو خروج عن العرف الدستوري الذي أقرته الدساتير التي تشابهنا، والتي لا تشترط للترشح لأي انتخابات سوى أن يكون المرشح مواطنا، بل إن بعض تلك الدساتير تبيح للمقيمين الترشح لانتخابات البلديات.

وأخيرا، فإن هذه التعديلات الدستورية إن وافق عليها البرلمان، ستكون بمثابة الضربة القاضية لأي إمكانية قادمة في استعادة سلطة الشعب، وستنتج مجالس نواب ضعيفة، بلا أدوات دستورية في مواجهة الحكومات المعينة غير المنتخبة، وهي إجهاض لأي حمل مستقبلي ينجح في تشكيل نواة لحكومة برلمانية، وستضع الملك مجددا في مواجهة الشعب جراء إخفاق حكوماته وضعف برلماناته، خاصة حين تسقط الورقة الأخيرة المؤمل عليها وهي ورقة الأحزاب التي ستجد نفسها بلا حول ولا طول في البرلمانات القادمة، سواء شكلت فيها نسبة 30% أو 60%، فالمهم ليس عدد الأحزاب الممثلة أو عدد الحزبيين، ولكن المهم أن يصل أي من تلك الأحزاب إلى حيازة أكثرية برلمانية تؤهله لتشكيل حكومة، أو أن ينجح ائتلاف منها بتشكيل تلك الأكثرية، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ظل تنافر برامجها وأيديولوجياتها ومواقفها وتغول الحكومة الخفية عليها وعلى كل خيوط اللعبة، ومن ثم، فأبشري بطول سلامة أيتها الحكومات التي حملتنا مديونية فاقت ناتجنا المحلي الإجمالي، وكان الله بعونك يا مؤسسة العرش، لأن السهام ستتكاثر باتجاهك.