الأختان الغشيمتان الضُرّتان بقلم منجد صالح
تاريخ النشر : 2021-10-06
الأختان الغشيمتان الضُرّتان            بقلم منجد صالح


الأختان الغشيمتان الضُرّتان

بقلم: منجد صالح

المُنجي بن سالم شاب أسمر وسيم، جاء من الجنوب التونسي، من مدينة قفصة، إلى تونس العاصمة طلبا للعلم في دراسته الجامعيّة في جامعة الزيتونة.

لأوّل مرّةٍ في حياته تطأ قدماه ثرى العاصمه، كان يعرف القليل عنها من حكايات والده الذي كان يعمل تاجرا يسافر بين وعبر ولايات ومعتمديّات البلاد.

كانت تُبهره الحكايات عن تونس العاصمة وعن اتساعها وأحيائها، وأنّها تربض كلبؤة متوثّبة على شاطي البحر، على شاطئ بحر قرطاج وسيدي بوسعيد وقمرت وحلق الوادي، ومعالمها التاريخية والدينية والتراثية، وتونس البلدة القديمة بأزقّتها وزنقاتها المُبلّطة ومحلّاتها التجارية "المدبوزة" بالتحف والآثار والنحاسيّات والملابس الشعبية والتراثية.

كان يتمنّى أن يتمشّى يوما في شارع الحبيب بورقيبة الذي يخترق قلب وسط العاصمة، تُزيّنه الأشجار دائمة الخُضرة وارفة الظلال، موطن ومبيت آلاف الطيور والعصافير، التي تمللأ الدنيا زقزقة و"صراخا"، وتملأ الشارع والمركبات المتوقفة على جانبي الطريق "البوليفارد" ببرازها المُتساقط "مدرارا" بإستمرار من على الأشجار وأغصانها المُتشابكة الكثيفة. وكما يقول المثل الشعبي: "خرا الطير خير!!".

والخير العميم هلّ وحلّ على المُنجي بن سليم منذ قدومه من وسط الصحراء جنوبا إلى جار البحر شمالا... "جاري يا حمّوده حمّووودة، يا جاري دبّر عليّا يا ما، يا جاري دبّر علياااا يا ما، الناس اركوده اركوده وأنا نومي حرام عليّا يا ما...".

فقد وجد بسهولة بعد وصوله العاصمة شُقّةَ صغيرة "مكنّكنة" من غرفتين وصالة وتوابعها في حي المنزة السادس الجميل، بالقرب من المركز الثقافي الصيني ومجمّع "مارشيّات" المنزة. عمارة ذات ستة طوابق بمصعد.

بدأ المُنجي دوامه في الجامعة مُتّبعا طقوسا رتيبة. يخرج صباحا وقدّ سرّح شعره الأسود الفاحم اللامع وتعطّر بعطرٍ فرنسيٍ بديعٍ "يلسعُ" أنف كلِّ من يشمّه و"يُدغدغ" حوّاسه وكيانه انتعاشا و"طربا". يقضي يومه بين محاضراته والمكتية ويعود بعد الظهر إلى شقّته لمراجعة دروسه ومحاضراته، فقد كان طالبا ذكيّا موهوبا، يخرج إلى المقهى ليلا لشرب الأرجيلة بعد اتمامه دروسه.

خلال خروجه ودخوله صبح مساء، وأحيانا ليلا، كان "يصطدم" من حين للآخر بصبية جميلة عيونها كحيلة برّاقة:

-        صباح الخير يا جارتي، "اشني حوالك؟؟"، خاطبها المُنجي بتهذيب بادٍ وأدبٍ سائدٍ.

-        صباح الخير، مرسي، الحمد لله، اشني حوالك انتَ، ردّت الصبيّة تحيّته عليه بأحسن منها والبسمة تفطّ من ثغرها المُحمرّ.

دُرّة هي أوّل المُعجبات الولّهانات، أوّل"ضحايا" عطره الفرنسي البديع وشعره الأسود اللمّيع، جارته الصبية الفتية ذات العيون العسليّة والطلّة البهية الورديّة.

توالت السلامات والتحيّات والبسمات والضحكات وتبادل النظرات الحالمات المُعبّرات الثاقبات النافذات الخارقات الحارقات المُلتهبات، واللقاءات العفويّة والمُتعمّدات، "وربنا يُستر مما هو قادمٌ وآت!!!".    

" دُرّة" ذات العشرين ربيعا، الطالبة في معهد الحبيب بورقيبة، هي جارة سالم "الباب بالباب"، وهكذا يسهل التلاقي والكلام والخطاب.

بعد شهرين من سكنه في العمارة التي تسكنها "عائلة دُرّة"، أصبحت الصبيّة الفتيّة تزوره في شقّته خلسه من وراء ظهور البقيّة.

خلال أيامٍ من تعوّدها على زيارته في شقّته، استطاع المُنجي أن "يفضّ بكارتها" وأن يضاجعها مضاجعة الأزواج برضاها ورغبتها ومُناها وحتى بتشجيعها وتحريضها.

واستمر الحال على هذا المنوال بسلام ووئام دون خصامٍ ولا سؤال ولا جدال!!!

إلى أن جاء يومٌ "اعترضت" طريقه، طريق المُنجي، الفتاة الفاتنة فاتن، "الشعنونة" المُتمرّدة "القاصر"، التي تتحدّث مع موبايلها و"نتّها" أكثر مما تتخاطب مع أختها أو "تُدردش" مع والديها، المشغولان بدورهما ما بين عملهما وبين اللقاءات مع أصدقائهما والسهر حتى ساعات مُتأخّرة من الليل خارج البيت، حيث يتركا الصبيّتين على الغارب لمصيرهما "الغامض"!!.

سرّا ومن وراء ظهر أختها دُرّة، أقام المُنجي علاقة غراميّة مع الصبيّة "المجنونة" الفتيّة، التي بالكاد قد بلغت السبعة عشر عاما من عمرها.

الغريب في الأمر أن سالم الجنوبي القادم من بيئة مُحافظة قد استطاع الحفاظ  والمحافظة على وادارة "عمليّاته الحربية الأمنية الغراميّة الناعمة" بسرّية "مطبقة"، بحيث لم تدرِ دّرّة أنه على علاقة لاحقة بأختها الصغيرة فاتن، وفي نفس الوقت والزمان والمكان لم تدرِ فاتن أن فارس أحلامها على علاقة غرامية متوّردة مُتطوّرة سابقة مع سقيقتها الكُبرى دُرّة!!!!!.

بل أكثر من ذلك، نزيد ونُعيد ونستزيد من الشعر بيتا وبيوتا، ونُفيد بأنه أحيانا كان يتصادف وجود وتواجد الشقيقتين "المُتنافستين سرّا" في شقة سالم "العبقري"، كلّ واحدة منهما في غرفة منفصلة، يتكتّم سالم على وجود الواحدة عن الأخرى، ويقوم "برحلة داخليّة" شيّقة، بين الشقيقتين "الجارتين"، المُتكتّمتين الحالمتين "النائمتين في العسل"، يتزوّد ويُزوّدهما بالوله واللوعة والهيام والغرام و"المُتعة الحرام!!!".

وإن دلّ هذا الوضع الغريب العجيب على شيء فإنما يدل، مع الأسف الشديد، على "تفسّخ" هذه العائلة وانعدام الثقة والحوار بينهم، مع أنّهم يعيشون تحت سقف واحد، لكنّهم يعيشون "كالغرباء"، الأب والأم يلهثان وراء سهراتهما و"مجونهما" مع أصدقاء السوء، والبنتان الصبيّتان تجدان ملجأً للسباحة والغطس والغرق في "يمّ" المُنجي العميق بلا  مرسى ولا قرار ولا فرار.      

بعد ستة شهور من سكن سالم في العمارة .. "سالم في العمارة" .. "زُفّت البُشرى" المُجلجلة لعائلة الصبيّتين ولسُكّان العمارة وللحي كُلّه: "دّرّة وفاتن حبلت (حملت) كلاهما، وهما في الشهر الثالث من الحمل، من "الفحل" سالم .. أختين غشيمتين حاملتين "ضُرّتين"...  

كاتب ودبلوماسي فلسطيني