خطاب عباس في الأمم المتحدة بقلم خالد صادق
تاريخ النشر : 2021-09-27
خطاب عباس في الأمم المتحدة.. يُسمعني حينَ يفاوضني كلمـاتٍ ليست كالكلمات

بقلم: خالد صادق

اعتاد المهزومون البحث عن نصر وهمي من بين ثنايا الكلمات، وكأن "إسرائيل" ذاك الكيان النازي المستعمر المغتصب لأرضنا ومقدساتنا ستزول وتفنى بكلمات يطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس امام الأمم المتحدة والتي تمثل ميدان نصر دائم "لإسرائيل" على مدار تاريخ الصراع بيننا وبينها, كلمات حاول بعض الادعياء من بطانة السوء تسويقها كنصر للسلطة الفلسطينية، وان مسار التسوية سيوصلنا في النهاية الى حلم الدولة والتحرير, وبما ان "إسرائيل" لا تحاسب على الكلام لآنها تعلم ان نهايته "لا شيء" فإنها تنظر باستخفاف وسخرية لحالة الاستجداء والاستعطاف التي تنتهجها السلطة في المنابر الدولية للبحث عن حقوقها, وعلى ما يبدو ان السلطة لا تدرك حتى الان ان "إسرائيل" اقوى من الأمم المتحدة ومن مجلس الامن ومن الجنائية الدولية ومن كل المؤسسات العالمية وتضعها بين اصبعيها لتقلبها كيفما تشاء, وبما يخدم مصالحها وأهدافها, وتساعدها في ذلك الإدارة الامريكية, التي تتحكم في هذه المؤسسات الدولية بقوتها العسكرية والاقتصادية, فليس في تاريخ الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ما يشفع لها في الوقوف مع الحق الفلسطيني, وقراراتها تبقى مجرد حبر على ورق وحبيسة الادراج, ولا يمكن لها ان ترى النور, فهل هناك شواهد لدى السلطة الفلسطينية يمكن ان تقدمها للشعب الفلسطيني كي يطمئن ان الأمم المتحدة انتزعت في يوم ما حقا من حقوقنا من الاحتلال, وقدمت شيئا للفلسطينيين, وهل السلطة مقتنعة بقدرة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على فرض ارادته على "إسرائيل".

وللوقوف على حقيقة خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس امام الأمم المتحدة والذي هلل له البعض واعتبر انه يمثل نصرا مدويا للسلطة على "إسرائيل" نقول ان هذا الخطاب لا يختلف عن خطابات أخرى سابقة القاها رئيس السلطة امام الأمم المتحدة وتم التصفيق لها والوقوف اعجابا بالكلمات وتمسك الرئيس عباس "بالسلام" لكنها في النهاية تلاشت كما يتلاشى السراب لان العالم لا يدار بالكلمات انما بالأفعال الحقيقية على الأرض وهو كما قال الناطق باسم " حماس " فوزي برهوم " إعادة إنتاج لمسار التيه والفشل، وتضمن اعترافًا واضحًا وصريحًا بعجزه وفشله في تحقيق أي إنجاز عبر مسار أوسلو الذي يتزعمه". فهل يليق ان يبقى خطاب السلطة الذي من المفترض انه يمثل الموقف الرسمي للشعب الفلسطيني يحمل عوامل الضعف والاستجداء والتوسل في الوقت الذي يسطر فيه شعبنا ملاحم بطولية حقيقية في الميدان ويحقق انتصارات متتالية على الاحتلال, ويكشف ضعف ووهن هذا الوهم المسمى "إسرائيل" ان الخطاب جاء دون المستوى والتحديات الجسيمة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، واستمر في توصيف الواقع المرير والحالة الفلسطينية المزرية الصعبة التي أوصلنا إليها مشروع التسوية, وكما قال محللون فان المجتمع الدولي و"إسرائيل" لن تأخذ خطاب عباس على محمل الجد، خاصة بعد تهديده سحب الاعتراف بـ"إسرائيل" خلال عام إذا لم تنسحب من الأراضي الفلسطينية, لأن العالم لا يحترم إلا القوي، ولن يحترمنا أحد ليقدم حقوقنا على طبق من ذهب.

رئيس السلطة محمود عباس ذهب الى منبر الأمم المتحدة متحزما "بالسلام" ومتمسكا بمسار التسوية الذي لا بديل عنه, لأنه يؤمن بقدرته على اقناع العالم بظلوميته والضغط على "إسرائيل" لتنفيذ الاتفاقيات وحل الدولتين وشرقي القدس عاصمة للفلسطينيين, رغم ان "إسرائيل" باتت تستهزئ بمن يطرح هذه المعادلات السياسية, وتعتبر ان الزمن تجاوزها من دهور, لكن الزمن لدى رئيس السلطة ثابت لا يتحرك, هل يمكن لمن يؤمن بأنه بسطار في قدم إسرائيل ان يسحب الاعتراف بها, هل يمكن لمن يقيم علاقات تجارية واستثمارات بالملايين بل المليارات بينه وبين "إسرائيل" ان يسحب الاعتراف بها, ان مدير المخابرات ماجد فرج ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ يمثلان عامل حماية دائم للعلاقة التي تربط إسرائيل برئيس السلطة الفلسطينية, فهناك مشاريع تجارية كبرى ومصالح تربطهما "بإسرائيل" ولا يمكن المغامرة بها, لو كان الرئيس جادا في سحب اعترافه "بإسرائيل" لذهب الى الأمم المتحدة متسلحا بإنجازات المقاومة في ملحمة سيف القدس البطولية, ولتحدث عن تفعيل خيار الكفاح المسلح كخيار مكفول للشعوب المحتلة وفق القرارات الأممية, ولتحصن بشرعية الشعب الفلسطيني كله وليس بتمثيله لحركة فتح وخطابها السياسي فقط, لكن الرئيس يدور في دوائر الفراغ ولا يريد ان يخرج من محبسه الفكري الذي يضع نفسه فيه, ثم لماذا لم يتحدث رئيس السلطة عن حصار الاحتلال لقطاع غزة, والمعاناة التي يعيشها أهالي القطاع, ام انه يخجل من ذلك لأنه شريك مباشر في هذا الحصار؟!.

خطاب رئيس السلطة ليس مجرد كلمات, فالكلام الذي لا يحمل عوامل قوة ذاتية لا يخترق مسامع الناس وليس له اثر, نريده ان يسمعني حين بفاوضني كلمات ليست كالكلمات, كلمات تحمل الطلقة وتفجر البراكين وتترك اثارها الخالدة في النفوس كتلك الكلمات الخالدة التي قالها القائد الليبي عمر المختار حين ساوموه على الاستسلام فقال " نحن لا نستسلم اما ننتصر واما نستشهد", هذا الكلمات التي خلدها محمود العارضة بالفعل وليس القول.