فلسطين السياق بلا سياق قراءة في القضية الغائبة بقلم نسيم قبها
تاريخ النشر : 2021-09-14
فلسطين السياق بلا سياق قراءة في القضية الغائبة        بقلم نسيم قبها


فلسطين السياق بلا سياق قراءة في القضية الغائبة 

بقلم: نسيم قبها

 ومضى الأسبوع الذي نبش أنفاسنا ، وخطف اللحظة ،  فلم يكن  اجتياز نفق الملاعق الحبيسة حصريًّا على الابطال الستة الذين حفروه ونبشوه ،لقد كان ثمة  عبوراً (لفلسطين) كلها ، الى سماء جديدة ،  فطوبى لبطولتهم التي غمرتنا وجدّدت فينا الهمس  بأننا مازلنا أحياء! ، وأنهم ( الصهاينة) ميتون في ملابس الإحياء.
 تابعنا ردود الأفعال وضجيجها  في الصحف العالمية على قضية هروب الأسرى الستة ، فكان من اللافت ذاك العنوان الواحد ،  والرواية الواحدة والكاتب نفسه في معظم الأحيان : ” فرار ستة سجناء من سجن شديد الحراسة في إسرائيل”. 

وبما أن التركيز كان باقتضاب حول أمرين: اختراق الأمن الاسرائيلي والكيفية التي تمت بها عملية الهروب ، لم أجد صحيفة (واحدة) تتحدث  عن القصص الغير مروية للأسرى الستة ومحكوميتهم وسنواتهم  اللانهائية من العذاب الهائل خلف جدران السجن أو أسرهم التي تركوها خلفهم حين اعتقلوا ، عن حكايات حفروها بأظافر لم تر الشمس ، عن آمال واقفة عن التنفيذ.

و حتى تلك الصحف التي تعد متعاطفة مع القضية الفلسطينية المنهمرة ، فلم أجد لتقاريرها صدا بحمل بحبحات الأسرى الطائرة.  لقد بدا الأمر عالميا  وكأن القصة تدور حول سجناء جنائيون أو أمنيون /لا فرق/ يقضون فترة عقابية تحت نظام قضائي عادل لدولة شرعية  بسبب سرقة أو قتل ، نجحوا في الهرب من السجن على طريقة الافلام الهوليوودية ، مع أن الحقيقة و الواقع مغاير تماماً لما توحي هذه الرواية المأخوذة عن صحف اسرائيلية ، ورواية المخابرات الصهيونية التي لم ينطق غيرها .

كان هناك منذ نشوء الصراع اللأخلاقي ، و القضية الفلسطينية تتأرجح سلبا  في أسلوب التغطية  العالمية لسياق الاحداث تلاعباً  في الالفاظ والكلمات لصالح اسرائيل التي تعتمد تكتيكاً التفافيًّا للرواية ، يعمل على التركيز في النتيجة دون ذكر الأسباب، ويفتت محاور القصة ، فلا يستطيع القارئ العادي ربط النقاط ببعضها البعض ، أو كما قال عالم السياسة الامريكي ” شانتو يانغار”  طرح “سياق بلا سياق” . بحيث يصل من يقرأ في النهاية الى خلاصة تبعد الادانة عن اسرائيل ، وتساوي بين الضحية والجلاد . 

فمثلا في قضية دفع رواتب الاسرى والشهداء ظهرت القضية عالميا  في النهاية بأسلوب (الدفع مقابل القتل) ، وفي قضية التهجير القسري لملاّك حي الشيخ جراح بدا الأمر وكأنه نزاع قضائي حول أحقية حكومة اسرائيل في إخلاء سكان المنطقة  . أما في الحروب على غزة فمجال الرواية المزورة أشدّ اتساعًا، والنتيجة  صواريخ حماس تقصف المدنيين مقابل رد اسرائيلي بقصف انفاق حماس تحت المنازل الفلسطينية !!أمّا معاناة الاسرى الفلسطينيين وظروفهم المأساوية وأحكامهم الجائرة وأسلوب الاعتقال اللا انساني سواء أطفال كانوا أم نساء أم رجال غائبة تماما عن الصحافة العالمية، ففي أحسن الاحوال هم أرقام .معظم الغرب يعرف عن مناضل ايرلندي اسمه بوب ساندز ورفاقه الذين ماتوا في السجن البريطاني إثر إضرابهم عن الطعام من اجل استقلال ايرلندا،  لكن هل يوجد في الغرب من يعلم اسماء أسرى فلسطينيون قادوا معركة الامعاء الخاوية  ومازالوا؟، أو أسرى محكومين مؤبدات متتالية تحرمهم حتى من مجرد الحلم بالحرية؟ 

إن الغرب لا يعرف أو لا يريد أن يعترف بأن اسرائيل تحاكم الاطفال في محاكم عسكرية.  الغرب لا يعلم أن عدداً من الاسرى يموت بعد خروجه من السجن الاسرائيلي ،  أو يفقد عقله بسبب مضاعفات التعذيب المستمر ، والغرب لا يعرف أيضا عن اسرى استشهدوا بسبب ظروف الاعتقال الجسدية والنفسية في ظل غياب تغطية اعلامية ومحاسبة قانونية ، ( بالطبع هم يعرفون).

وهنا هروب مساجين من سجن شديد الحراسة على طريقة مسلسل Prison break  أو فيلم (الخلاص من شاوشانك) ليس العنوان الحقيقي ولا التشبيه الملائم لقضية الابطال الستة .  فهم ليسوا جنائيين ولا مؤبداتهم عقابية ، وإنما أصحاب قضية ، وأي قضية  صبر ومعاناة ونضال وإيمان أن فلسطين ثمينة بالمعنى اللغوي والاصطلاحي .  

ومن حقهم الطبيعي الفعل الاستباقي واجتياز اسوار السجن الذي يشبه خط بارليف دون استئذان من السجان. هذا ما يجب أن يعرفه الغرب .أنا أخجل أن أرسل تحيتي للأسرى ، فيما شباك غرفتي يستقبل الشمس صباحا ، ويجاور القمر ليلا.