الرجل المقلوب! بقلم بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2021-08-30
الرجل المقلوب!

بقلم: بكر أبوبكر

كان يلبسٌ فردةَ حذاء واحدة، ويسير على رأسه!

التقى مع جمع من الناس فلم يلقي عليه أحدٌ منهم التحية!

هم أصلًا قد تجاهلوه كما ظنّ، وربما لم يروه سهوًا-هل هذا معقول!، فكيف لاينتبهون لقدرته الفذة كما رآها على السير مقلوبًا أي على رأسه في وسط الطريق. إنهم حفنة من الأغبياء! وهو لديه الكثير.

هو مصرٌ على فعله الأثير والمحبب له، إذ يصحو في صباح يومه المنبعج بأفكار لاقيمة لها ولكنها بالنسبة له قمة التفكيراللولبي، فيلتقي مع نفسه الذابلة ليحدثها أنه الأجمل والأشجع والاقوى والأفهم ثم يستأذنها للسير على رأسه وبفردة حذائه اليسرى على الشارع.

لعل أحدهم يشكره على فعلته المقلوبة! أو يسأله عن قدرته العجيبة، أو يصورّه! أو لربما يجد من يُستثار من الفردة الواحدة أو من لون الجوارب الفاقع! فيقول لهم أنه الأشجع والاجرأ والأقوى باعتزاز!

كان يمارس مثل هذه العادة لفترات طويلة من الوقت مفترضًا في لا وعيه أو في وعيه أن يلفت الأنظار له ليبهرهم بالرد حين يسألون-وهو ما كان ينتظره- بالقول: أنه الأشجع والأفهم والأقوى

في يوم ربيعي مشمس كان يسير على رأسه منزلقًا على المروج، ومستخدما في ذلك تقنية التزلج ذاتها التي يستخدمها الأطفال تحت أرجلهم، ولكنه باعتباره الأفهم والأقوى والأشجع وضعها تحت رأسه المقلوب على الأرض وسار بها مسافات طويلة...بلاطائل.

كانت الزلاجه تحت رأسه قابلة للتحكم منه رغم فردة الحذاء اليسرى التي يلبسها ورغم الجوارب زرقاء اللون في قدمه اليمنى المرفوعة الى السماء!

في هذا اليوم الربيعي كان قد أنهك ذاته العليا في تزلج الرأس، فلم يستطِع أن يستمر لفترة طويلة رغم المشاهدات الممتعة للأشجار والاطيار والعساكر المارة والمنطلقين لأعمالهم، والاطفال لمدارسهم، وابتسمات البواب عبدالجبار.

أبصر من أسفل الى أعلى حشدًا كبيرًا من الناس في الحديقة، هل هي وليمة! كانوا يأكلون إفطارهم مفترشين بساطًا مزركشًا بالنقوس العربية الجميلة واضعين عليه اللذائد، وهو ما أثار في نفسه الرغبة بالأكل فهو جائع منذ أيام، رغم أنه الأقوى والأشجع والأفهم.

اقترب برأسه المتزلجة ورجليه المرفوعة الى السماء من المتنزهين، وبدأ يقوم بحركات دائرية ولولبية برأسه المقلوب على الزلاجة متأملًا أن يدعوه أحد المحتشدين للوليمة..فالجوع اقوى من الشجاعة والإبهار والفهم والقوة، ولكن هيهات

أصيب بالكلل والانهاك لكثرة ما سار على رأسه محاولًا أن يظهر للناس عامة أنه الأشجع والأقوى والأهم والاجرأ.

في الحقيقة هم لم يروا فيه أي من هذه المميزات العظيمة، كان سيبهرهم لو سألوه!

قلة قليلة ممن التفتوا اليه للحيظات، سار في حال سبيله فلم يرى فيه الا بهلوانا متلونًا يحاول أن يجذب الناس بحركات لولبية لا قيمة لها الا في موسوعة الغرباء والمتشردين.

كان يحدّث نفسه أن ما يفعله شيء يجلب الفخر والعظمة ويدخل في موسوعة العظماء والموهوبين الذين من المتوجب تكريمهم بمجموعة من الأوسمة و"النياشين"!

طرق باب الدولة برأسه لعلّه يجد من ينتبه له أولًا! لقد تواضعت مطالبه! ولكن الغباء من الآخرين كان حقيقة ردة الفعل كما فهمها لوحده! فلجا للصحافة التي تعاملت معه ببرود خاصة في ظل صحافة بدأت شمسها تغرب، وسلمت رايتها للفضائيات، والتي أيضا بدأت تلملم ذاتها وترسم خطًا متقاطعاً مع وسائط التواصل الاجتماعي على الشابكة.

بعد أكثر من عشرة أيام مجهدة وشاقة من المشي أو التزحلق على رأسه بفردة حذائه اليمنى، عفوًا اليسرى المنطلقة للسماء وجوربه الأزرق لعله يُسأل فيرد، ولعله ينال التقدير والتكريم والاعتراف بأنه الأقوى والأشجع والأفهم، أو على الأقل لعله ينال الاعجاب والرضا! ورغم كل ذلك فإن ما تمناه كان سرابًا.

انحدرت أمنيات الرجل المقلوب على رأسه، وهو الأشجع والأجرأ والأقوى، لمجرد أن يلفت الانتباه لقطط الشوارع.