فلاش باك سيء بقلم د. محمد بكر البوجي
تاريخ النشر : 2021-08-24
فلاش باك سيء           بقلم د. محمد بكر البوجي
د. محمد البوجي


فلاش باك سيء

بقلم: د. محمد بكر البوجي

فلاش باك سيء... عام 1991م .كانت الانتفاضة في أوج شعلتها .كنت في زيارة الى مخيم رفح عند بيت عمي . حدث اشتباك مطول استخدم الشباب السلاح. مات جنود . فرض جيش الاحتلال منع التجوال على مخيم رفح والمدينة . انحشرنا .غير قادرين على الخروج. كان الناس يتبادلون الطعام من فوق الجدران .بيوت المخيم متلاصقة .مرت ايام . قلت سأخرج الى بيت ابناء عمومتي يفصل ما بين البابين شارع ثلاثة امتار ..فتحت الباب ومشيت خطوتين. اذا بجنود الاحتلال في وجهي . وكف تعال هون . وين أوكف تكسير العظام والسجن .. فورا أدرت ظهري واسلمت نفسي لساقين سريعين بين ازقة المخيم. ومن زقاق الى زقاق .انا اجري وهم خلفي ..لكن يبدو انهم خافوا فتوقفوا . 

وجدت نفسي في زقاق طويل .طوله حوالي خمسين مترا وعرضه مترا واحدا أو يزيد . تخمنت انهم خلفي .كنت اجري بطريقة ليست مستقيمة حتى  لا يصيبني الرصاص لو اطلقوه . ثم من زقاق الى زقاق .وانا اسمع خشخشة حمولتهم الثقيلة .اذن هم  خلفي . وجدت بابا مواربا . فورا دخلت فيه واغلقت خلفي .واذا  به بيت احد معارفي .استقبلني الشاب ..شو في ..شو جابك ..شرحت له . جلست .شربت ماء .وشايا . جلست في ضيافتهم حوالي ساعة ..الان لا بد من العودة . زوجتي وجماعتي اكيد قلقون ..خرجت وبدأت اتسلل من زقاق الى اخر وانا اتصنت قد اسمع صوت جهازهم او خشخسة سلاحهم . الى ان وصلت.  في هذه الحالة متعارف انهم يتركون باب الدار مواربا بحيث يبدو مغلقا .. وصلت . بهدوء دفعت الباب ودخلت . هس .شو جابك . الجيش قاعد تحت الشباك .طبعا جهة الباب مغايرة لجهة الشبابيك . دقائق انصرفوا.. استمر منع التجوال . في الليل تكاثر جنود الاحتلال في الحارة . 

يصرخون ويفتحون الابواب عنوة . ياخذون بطاقات  الهوية . صوت وازعاج رهيب . الاطفال يصرخون . مروا من امام بيت عمي ..دقوا الباب بارجلهم واعقاب البنادق . نحن في منتصف الليل ..خرجت لهم . فتحت الباب . وين هوية ..خذ .تعال معي وهات مكنسة . يا خواجة انا استاذ جامعي .لازم تحترمني . ولا ولا هات مكنستين . اخذت مكنسة ومشيت خلفهم . روح هناك . وجدت مجموعة من الرجال.  جاء احد الجنود .يلا ..كنسوا الشارع. من هون للاخر . كنت ألبس جلابية .  رفعت جلابيتي وثنيتها على خصري . شاهدني احدهم .شو هذا ..هيك في بلادنا عند العمل .ضحكوا .قلت في سري .انتم غرباء عن الوطن .لقطاء .لا علاقة لكم بهذا الوطن .عاداته وتقاليده . جاؤوا من اوربا ومن كل بقاع الارض . السفلة فقط الذين جاؤوا . بدأت أكنس الشارع انا والرجال . وهم يضحكون ويقهقهون . ويخشخشون بالسلاح .انا اعمل بهدوء . جاءني احدهم . انت ليش مش بشتغل كويس . يلا خلص . و بعقب البندقية على ظهري . يا ابن الكلب .طبعا في سري .استمر الحال تقريبا ساعتين .  جاء أحدهم واعطى رجلا فينا كمية  بطاقات الهوية ..يلا خدوا . وروخوا البيت . طال منع التجوال.  اريد العودة الى بيتي في غزة .قررت الخروج بأي ثمن . حين بزوغ الشمس .لا بد ان احتال واحمل ابني .كأنني ذاهب الى المستشفى . في الخامسة  صباحا وبعد اكثر من اسبوعين سجنا . سمعت مكبر الصوت  المحمول على سيارة جيش الاحتلال . ينفك منع التجول .يا أهالي رفح ..عدت إلى بيتي  في غزة .. بعد يومين حدث ايضا اشتباك مسلح .يبدو ان جنودا ماتوا . فرضوا منع التجوال  على مخيم الشاطىء . في اليوم التالي  لمنع التجوال.

أردت وصول الدكان لشراء حليب لابني الطفل . نظرت من خلف الجدران يمينا ويسارا فلم اجد احدا . حاولت التصنت لسماع صوت سيارة عسكرية او اي صوت ..لم اسمع شيئا ..فتحت الباب .خرجت . مشيت  بضع خطوات .واذا  الجيب العسكري  امامي . فورا دون تفكير . جريت .دخلت من الباب . ليس عندي فرصة  لاغلاقه. وقفزت فوق الحائط  الى بيت الجيران ومنه الى البيت الذي يليه والذي  يليه . لمدة ربع ساعة الى ان انصرفوا.  عدت الى بيتي بنفس الطريقة  من فوق الجدران ..قابلتني زوجتي بالصراخ .حرام عليك . اهدأ واعقل . 

ما الذي فعلوه .دخلوا خلفك .فتشوا البيت .لم يجدوا احدا .  أين زوجك الذي شرد . لا أعرف . هذا ليس زوجي . نظر الضابط  الى المكتبة قائلا .شو هذا .لمين هاي المكتبة .قلت لك هذه مكتبة زوجي . زوجي استاذ جامعي . الذي هرب منكم ودخل من هنا وقفز خارج البيت  ليس زوجي ولا أعرفه . طب اين زوجك .ذهب الى المستشفى لعلاج طفلنا الصغير جاءت سيارة الاسعاف واخذته. نظر الى المكتبة .هز رأسه.  ثم انصرفوا  ..