يدرك السوري بقلم: محمد شريف الجيوسي
تاريخ النشر : 2021-08-01
يدرك السوري أن العودة إلى وطنه والإسهام في إعادة بنائه وصياغة مستقبله، أولى به من انتظار رخائه والعودة إليه سائحا غريباً

بقلم: محمد شريف الجيوسي

تريد الولايات المتحدة الأمريكية ، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والكيان الصهيوني وتركيا وأطراف عربية وغير عربية ؛ أخرى ، شاركت كلياً أو جزئيا أو ( سلبيا ) في الحرب على الدولة الوطنية السورية مباشرة أو بالوكالة ، بالتمويل أو التسليح أو التدريب أو تجنيد المرتزقة أو تمريرهم ، أو بالإعلام وحرب الإشاعة ـ أو بأكثر من وسيلة مما سبق ، إعاقة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم .

وذريعتهم في ذلك، لا يجوز قسر هؤلاء على العودة إلى وطنهم ، طالما أن الأوضاع لم تستقر بعد تماماً ، حيث الأوضاع المعيشية غاية في الصعوبة ، والكثير من أماكن السكن ما زالت مهدمة ، وفي ظل الإنخفاض الشديد لقيمة صرف الليرة السورية ، وعدم توفر بعض المواد ، وإنقطاع الكهرباء ..

ويضيفون ، ما زالت مناطق في شمال وشرق سورية غير آمنة ، محتلة إما من عصابات إرهابية مدعومة من تركيا ، أو محتلة مباشرة من الجيش التركي ، أو من مليشيات (إنفصالية) مدعومة من أمريكا ( قسد ) أو محتلة مباشرة من أمريكا .

لكن ثمة فرق بين عدم قسر الناس على العودة ، وبين  تعطيل وإعاقة عودتهم إلى وطنهم ، بوسائل وأساليب عديدة ، منها مصادرة وثائقهم المدنية الثبوتية ، أو إغلاق الحدود والمنافذ بالقوة أمام عودتهم ، أو اعتماد حرب الإشاعة عن مضايقات أمنية ومصاعب إقتصادية وسكنية مزعومة يواجهها العائدون إلى الوطن ، أو بتقديم إغراءات للاجئين من فرص عمل وتجنيس ورعاية صحية وتعليم في مقابل البقاء ، تحت ضغط أمريكي غربي ؛ ورجعي تركي وعربي .. وغير ذلك من أساليب ووسائل .

رغم أن بقاء اللاجئين في المنافي بخاصة القريبة من سورية ، يشكل أعباء إقتصادية وديمغرافية وأمنية وتعليمية وصحية وعلى صعيد العمالة والبنى التحتية ، لا قبل لتلك الدول بها ، بخاصة أن الإبقاء على اللاجئين ، لا تكافئه المساعدات والمنح التي تقدم من ( المانحين ) بما يكفي ، فضلاً عن الأعباء غير المنظورة ، وفضلاً عن أن المساعدات ، تقدم بكثير من الدعاية الإعلامية والبهرجة والمن ، ما يعطي إنطباعات لدى المواطن في البلدان المضيفة واللاجيء فيها معا ، أنها كافية وزيادة ، وأن مأساة اللاجيء هي محل إتجار من البلد المضيف وليست عبئاً يئن تحته ولا يقدر إلا على قبوله ، وفي زاوية من الذهن لدى الدول المضيفة ، أن ما تقوم به ، عملاً إنسانياً وأخوياً .

في حين أن البلدان الضاغطة تتاجر باللاجئين ، بغرض إطالة أمد ( الأزمة السورية ) لعل الدولة الوطنية السورية ترضخ وتقبل بالشروط ألـ 8 التي قدمتها أمريكا لسورية في أعقاب إحتلالها للعراق ؛ مع زميلتها العجوز بريطانيا ، أو القبول بشروط شبيهة أشد سوءاً .

إن ( العطف والشفقة ) على اللاجيء السوري في المنافي والمغتربات ، لا تستدعي حصار الشعب السوري المقيم على أرضه المحررة من الإرهاب ومن داعميه ، ولا تستدعي مد العصابات الإرهابية والإنفصاليين في شمال وشرق سورية ، بأسباب الصمود من حماية وسلاح وعتاد وتدريب وإعلام وغذاء بذريعة الإعتبارات الإنسانية ، فيما تنتفي هذه الإعتبارات عندما يتعلق الأمر بالمواطنين السوريين المقيمين على أرضهم وبالذين عادوا إليها (نحو 2,5 مليون ) بجهود سورية روسية .

ليرفع المانحون الكذبة أيديهم عن ملف اللاجئين السوريين وليتركوا لهم حرية العودة إلى وطنهم دون معيقات ولا مغريات خادعة للبقاء ، وليفهموا أن السوري غالباً مهما اختلف مع نظامه السياسي أو حتى دولته ، تعيش في قلبه وعقله وضميره ، بدليل إقباله على المشاركة في إنتخابات الرئاسة في الخارج ، وليس في الداخل فحسب ، ولذلك حاولوا في أكثر من دولة منع اللاجئين السوريين من المشاركة ، فالمشاركة تكشف مدى زيف المتآمرين على الدولة الوطنية السورية وعلى اللاجئين معا .

تريد أمريكا والغرب ومن معهم ، إستخدام اللاجئين كورقة ضغط على وطنهم بوهم أن يستسلم ،  وبأمل تجنيد بعضهم كعملاء مفترضين ، ولتشغيل العمالة العادية في الغرب بأجور زهيدة ، وإستثمار الكفاءات العلمية كما حدث ويحدث عادة في إستغلال كفاءات الأمم والشعوب لصالح تقدم الغرب وحجبهم عن خدمة أوطانهم الأصلية .

ما لم يتعلمه الغرب من النكبة الفلسطينية سنة 48 و1967،أن القهر والتهجير والاحتلالات والهيمنة لا تُنسي الشعوب أوطانها بل تشعل فيها حبها والولاء والوفاء لها ، وأن اللاجئين السوريين ما كانوا يوما ولن يكونوا أقل ولاء ووفاء وتمسكا بوطنهم من سواهم ، والغرب بإصراره على إعاقة عودة اللاجئين السوريين إنما يجلب النار إلى أوكار دوله ؛ التي طالما صدّرت القهر والفتن والحروب والاحتلالات والإستعمار والصهيونية إلى غيرهم .

بكلمات ؛ يدرك اللاجيء السوري الذي اضطر تحت وطأة الإرهاب والتكفير الذي صنّعته أمريكا والغرب والعثامنة والرجعية العربية ، أن العودة إلى وطنه ليسهم في إعادة بنائه وتقدمه وصياغة مستقبله أولى به  ، من أن يعود إليه كزائر أو سائح غريب أو قاطن فندق ، وإنما كمواطن فاعل قوي منتج متصالح مع نفسه ومع وطنه.