تحديات التحول الديمقراطي في العالم العربي
تاريخ النشر : 2021-07-28
تحديات التحول الديمقراطي في العالم العربي
سعيد سلامة


تحديات التحول الديمقراطي في العالم العربي

بقلم: سعيد سلامة

فشلت عدة محاولات عربية للممارسة الديمقراطية، فالمجتمعات العربية هي مجتمعات فتية قليلة الخبرة بالممارسة السياسية والحزبية، فعدم الاستقرار للنظم السياسية وتكرار الانقلابات والتفاعل السلبي بين النخب السياسية المتنازعة والطامحة إلى السلطة وتصفية بعضها لإرث البعض الآخر ساهم في الحرمان من تراكم الخبرة السياسية.

هذا المجتمع الفتي والنسبة الكبيرة من الشباب ولد ضغوطا على الموارد الاقتصادية غير المتطورة والتي لا تملك قدرات تنافسية الى جانب الموارد الثقافية المحدودة، مما تسبب في نشوء جيل  محبط ضعيف الإنتاجية ويفتقر الى التربية المدنية والاندماج المجتمعي، مما يجعله مجتمعا استهلاكيا وهدفا للنخب المتنفذة سواء في أجهزة السلطات الحاكمة أو قوى المعارضة المتطرفة مما يجردهم من روح الإنتماء الوطني ويغذي لديهم مفاهيم التعنصر والحقد وعدم قبول الآخرين.

لقد حصلت معظم الشعوب العربية على استقلالها في القرن الماضي بحيث حرص الإستعمار على تسليم مهامه الى شرائح قبلية أو دينية موالية لا تحرص على الإستجابة للمطالب الإجتماعية التي تتعلق بالحرية والعدالة والمساواة والتنمية، واستعاضت عنها بتغذية الولاء والخضوع والإستسلام من خلال الاحتفاء والتقديس لحكامها، لتتلاشى الوطنية والقومية إلى مجرد شعار زائف لا يعني شيئا أمام تعميق الحدود والجدران لتجزئة شعوبها التي يقاس ولاؤها بتقديس صور زعمائها وإعلان الولاء للشرعية.

فمعظم النخب الحاكمة استلمت السلطة بالسيطرة المباشرة كوريثة للقوى الإستعمارية وبالتفاهم المسبق معها، واستمدت شرعيتها من إدعاء جذور تاريخية أو دينية أو قبلية، أو من خلال انقلابات عسكرية، ولم تعتمد أي منها في صعودها إلى السلطة على مشاورات جدية مع شعوبها، ولا تزال ترفض أن تطرح وجودها وبقاءها في السلطة بل وحتى سياساتها لأي استفتاء أو مشاورات أو موافقة شعبية، فهي تترفع عن ربط استمرارها في السلطة بموافقة أو قبول الرأي العام، وتفرض نفسها كحقيقة قائمة غير مطروحة لأي نقاش ولا يمكن توجيه أي مساءلة لها أو اعتراض، حتى أن نظم سياسية رئاسية ورثت الأبناء.

على الرغم من التحولات على المستوي الدولي في تطوير أنظمة الحكم في اتجاه التعددية والممارسة الديمقراطية والمشاركة الشعبية في اختيار ممثليهم المؤتمنين على توجهاتهم ومصالحهم كما حصل في الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وكذلك افريقيا، تستمر البلدان العربية كإستثناء بمنأى عن الممارسة الديمقراطية لعدة عوامل وأسباب منها:

1.   وجود النفط الذي يمثل المورد الأساسي وربما الوحيد في تأمين استمرار المجتمعات اقتصاديا لدى بعض البلدان العربية في ظل انعدام بنية شمولية وقد ساهم بذلك في توفير موارد وفيرة للسلطات الحاكمة تمكنها من تهميش مجتمعاتها سياسيا مع الحرص على تغذية السلوك الإستهلاكي لديه.

2.   توقعات المواطن، وذلك في حالتي المغالاة أو التواضع، فالمبالغة في التوقعات تسبب خيبة أمل، أما التوقعات المنخفضة كعدم الثقة بنزاهة الإنتخابات والقانون والقضاء، فإنها تسبب حالة من عدم المبالاه والتعايش مع ديمقراطية شكلية.

3.   احترام النتائج وقبول الآخر، قبول الهزيمة في الانتخابات النزيهة مؤشر على الإنتماء للمجتمع والثقة فيه، وفي المجتمعات الديمقراطية الناشئة، من الصعب على المتعصبين لقضاياهم بشدة أن يتقبلوا فوز الطرف الآخر في الانتخابات، فالإيمان بالديمقراطية لا يجعل من خسارة الانتخابات كارثة وطنية، لأن الديمقراطية الدستورية تحمي الحقوق والحرية والملكية، وتضمن التداول السلمي للسلطة.

4.   سيطرة الحزب الواحد وضعف التعددية السياسية، إذ يمكن أن تتكون الأمة من خليط من العشائر والمجتمعات الدينية والطوائف والمجموعات العرقية، مما يعني أنها ليست بالضرورة أن تجمع على قضية واحدة، ومحاولة فرض الإجماع ربما يتسبب في زعزعة النسيج المجتمعي وإندلاع الصراعات التي ربما تؤدي الى اندلاع أعمال عنف.

والتعددية لا تمثل أولوية بالنسبة للمجتمعات العربية بالمقارنة مع مخاطر أخرى مثل الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين ومواجهة التحديات الاقتصادية، والإعتقاد أن التعددية والديمقراطية بما تتضمنه من حرية الرأي، قد تخدم أجندات أجنبية وإقليمية وتغذي الصراعات الداخلية كالطائفية والقبلية والدينية. وهذا يتناغم مع مصالح الأنظمة الحاكمة التي تعتقد أن الحفاظ على الأمن والوحدة الوطنية لن يكون ممكناً دون تقييد حرية الرأي والحريات السياسية والجزبية.

إن غياب التعددية السياسية والديمقراطية في العالم العربي إما يعزى إلى الثقافة السياسية التقليدية المستمدة من نبذ نقد بعض المحطات في التاريخ الإسلامي، أو إلى النفوذ شبه الاستعماري في المنطقة، بما فيه دولة الإحتلال الإسرائيلي مما يمثل ذريعة للنشاط البوليسي القمعي في المنطقة.

5.   العدالة، عدم استخدام الديمقراطية ونتائج الإنتخابات لمصادرة حقوق وحريات الآخرين لتصبح بذلك أداة للظلم، خاصة في المجتمعات ذات التنوع العرقي أو الديني أو الطائفي أو القبلي؛ وتحميل المسؤوليات عن الأزمات للأطراف الأخرى، مما يتطلب تقييد الحكومة بالقانون والدستور والتعامل مع المواطنين على حد سواء دون انحياز للمناصرين ونبذ للمعارضين. 

6.   غياب نموذج عربي للحكم الديمقراطي، يفتقد العالم العربي لنموذج عربي ديمقراطي يمكن محاكاته باعتباره النموذج الأمثل بل يتم محاكاة نماذج الإستبداد.

7.   غياب نخب المثقفين ديمقراطياً، لتكون بمثابة الطليعة التى تقود عملية التحول الديمقراطي، لأن جزء من المثقفين ينافق السلطة، والجزء الآخر في المنفى يتربص بالفرصة المناسبة من أجل الثأر وتصفية الحسابات بأي ثمن، وهشاشة القوى الديمقراطية، تقتصر الدعوة للديمقراطية على تنظيمات هامشية من اليسار بهدف أيجاد مكان لها في الساحة السياسية أو إلى بناء تحالفات دولية جديدة.

8.   مجتمع أبوي، فالجميع يجب أن يضحي من أجل القائد الذي لا يتقبل النقد والحوار ومن يشذ عن القاعدة يتعرض للمسائلة وربما الإتهام بالخيانة، فالشعوب العربية لا تمتلك الحق في السلطة بما فيها المشاركة في التشريع والرقابة الفعلية، على الرغم من وجود مؤسسات برلمانية أو انتخابات شكلية.