تونس بين شوطين.. قراءة في الصراع الأمريكي فرونكوفوني بقلم: نسيم قبها
تاريخ النشر : 2021-07-28
تونس بين شوطين

قراءة في الصراع الأمريكي فرونكوفوني

بقلم: نسيم قبها

في ظل البلبلة السياسية ، و تردي الوضع الاقتصادي وتفشي وباء كورونا في تونس، وفي ظل الوضع السياسي الذي تمزقه الخلافات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، كما تولى الرئيس قيس سعيد السلطات التنفيذية بنفسه بعد احتجاجات شعبية جرت في عدة مدن تونسية مناهضة للحكومة وحركة النهضة.

وجاءت قرارات سعيد عقب اجتماعه مع قادة عسكريين وأمنيين في قصر قرطاج الرئاسي، بعد أن استغل غضب الشعب من تعاطي حكومة المشيشي مع ملف كورونا، من أجل التمهيد لإدخال الجيش على خط الأزمة السياسية، عبر تسليمه الجيش هذا الملف عوضًا عن وزير الصحة الذي أقيل على إثر مشاهد الفوضى في مراكز تطعيم تعاني من نقص الإمدادات، بالإضافة إلى عرقلة “سعيِّد” جهود البرلمان للمضي قدمًا في إنشاء المحكمة الدستورية التونسية، تحوطًا لأي تحرك دستوري لعزله، وهو الأمر الذي يعكس حدة الاستقطاب السياسي والتخطيط والمؤامرات الفئوية على حساب الشعب.

وكانت الرئاسة التونسية قد قالت عبر صفحتها على تويتر إن الرئيس سعيِّد "اتخذ القرارات بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وعملًا بالفصل 80 من الدستور .. حفظًا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة". فيما اتهم راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب الرئيس سعيِّد بتنفيذ "انقلاب على الثورة والدستور"، ودعا أنصار حركة النهضة وجماهير الناس للنزول إلى الشوارع، وحماية مؤسسات الدولة ومكتسبات "الثورة".

ولفهم طبيعة النزاع التونسي الداخلي الذي لا يعدو كونه انعكاسًا للتنافس والنفوذ الخارجي، وتضارب المصالح بين المستعمر التقليدي المتمثل بفرنسا، وبين وريث الاستعمار المتمثل بالولايات المتحدة بأدوات محلية رخيصة، لا بد من الإشارة إلى أن دوافع المشكلة التونسية تكمن في سعي أميركا لإعطاء دور سياسي قيادي لألمانيا بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على حساب فرنسا، بينما تحاول الأخيرة حشد الدول الأوروبية إلى جانبها عبر خلطها للأوراق، وخلق الاضطرابات، وتعميق الخلافات، ورفع حدة التوتر في دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، التي تؤرق الأوروبيين من فزع الهجرة والإرهاب، نحو تفجير الخلافات التونسية وتحريض الشعب الجزائري وعملائها في الجزائر؛ لإعادة الوضع إلى المربع الأول، وبخاصة بعدما فشلت في كسب تأييد عدد وازن من الدول الأوروبية لعقد قمة ألمانية فرنسية روسية؛ لمعالجة العلاقة الأوروبية الروسية بمعزل عن الإرادة الأميركية، وبعد أن تلقت صفعات مؤلمة من الولايات المتحدة في تشاد ومالي والجزائر وليبيا وشرق المتوسط، والتي من شأنها أن تهدد مصالح فرنسا الاقتصادية، ومكانتها الدولية والقارية والإقليمية، وتهز بالضرورة ثقة الشعب الفرنسي بقيادته، وتمكن أميركا من ضبط السياسة الفرنسية والأوروبية وفق مصالحها، وتحصن زعامتها وتفردها في الموقف الدولي.

وقد كان لهذا انعكاسٌ مباشرٌ على مناطق النفوذ الفرنسي والأميركي ومن ذلك ما جرى مؤخرًا في تونس، فقد كان موقف الرئيس التونسي قيس سعيِّد متوقعًا، حيث تم الكشف عن خطة واردة في وثيقة تم تمريرها إلى ميدل إيست آي، وصفت بأنها "سرية للغاية" مؤرخة في 13 أيار/مايو وموجهة إلى رئيسة ديوان الرئاسة، يدعو فيها أحد المتواطئين مع الرئيس إلى انقلاب ناعم يفضي إلى تركيز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية. ووفقًا للمعطيات الدولية على صعيد العلاقة الفرنسية الأميركية، ووفقًا للمعلومات التي كشفت عن تلقي قيس سعيِّد تعليمات من فرنسا، بالإضافة إلى التسريبات التي تفضح علاقة سعيِّد بالمخابرات الأميركية يترجح أن خطة قيس سعيِّد للانقلاب على الدستور قد تم تدبيرها من قبل فرنسا بهدف حشد الدول الأوروبية إلى جانبها كي تتمكن من إعاقة أميركا في إعطاء القيادة لألمانيا، ومن أجل الحفاظ على بقايا نفوذها ومصالحها في إفريقيا وأوروبا، سيما فيما يتعلق بمسألة حلف الناتو وتحكمه في الأمن الأوروبي، وبخاصة وأن خطوة قيس سعيِّد قد جاءت بعد لقائه وزير الدولة للشؤون الفرانكوفونية الفرنسي جين بابتيست لوموين قبل 3 أيام من الانقلاب، وتلقي تونس لجسر من المعونات عقب الانقلاب دعمًا لقيس سعيِّد من طرف فرنسا.

غير أن ثمة مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة ليست غائبة عما يجري، بل إن إشرافها على الجيش التونسي -الذي تواطأ مع الرئيس سعيد في الانقلاب الناعم- عبر قوات أفريكوم ودعمها للجيش التونسي بمليارات الدولارات منذ سنة 2011، يدل على أنها تنصب فخًا للرئيس سعيِّد وحاشيته الفرنكفونية للجمهم نهائيًّا، أو اقتلاعهم من السلطة إما بالحوار أو عن طريق الجيش، الذي سبق واستعملته في خلع الرئيس زين العابدين في غفلة تامة من الفرنسيين. وقد ظهرت مؤشرات التربص الأميركي من خلال موقف تركيا الرافض لقرارات الرئيس سعيِّد تحوطًا لتداعيات الأزمة على ليبيا والجزائر. كما ظهرت المؤشرات من خلال دعوة رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، ودعوة رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف إلى انعقاد عاجل للبرلمان، وإصدار قرار بعزل رئيس الدولة، بسبب اعتدائه على الدستور، وتعريض البلاد إلى مخاطر الاحتراب الداخلي، وظهرت كذلك من خلال ردود الأفعال الداخلية التونسية، وبخاصة ردود فعل حركة النهضة ودعوة الرئيس السابق ورجل أمريكا منصف المرزوقي الشعب إلى رفض الانقلاب.

ولذا فليس من المتوقع أن ينجح قيس سعيِّد ومن خلفه فرنسا في الاستيلاء على السلطة وتنحية خصومهم، حتى وإن كانت أميركا تسعى إلى تصفية ذيول "الربيع العربي"، بمن فيهم حركة النهضة التي سلطت الولايات المتحدة عليها الإمارات لإضعافها وتقزيم دورها، وإبعادها عن المشهد السياسي في وقت لاحق، ضمن حملة القضاء على كل من يرفع شعار الإسلام السياسي، كالنهضة ، والإخوان التي تخلت عن كثير من مبادئها ، في سبيل الحفاظ على مكتسباتها الحزبية، وذلك من أجل أن تصل الولايات المتحدة من ذلك كله إلى علمانية خالصة على المستوى السياسي والمجتمعي والحركي في المنطقة ، وأن لا يكون للحركات "الإسلامية" فيها دورٌ سوى خدمة الأنظمة وصمام أمان لها واستعمالها مطية ورافعة للقيم الأطلسية .