فلسطين في الدراما الأردنية بقلم رياض سيف
تاريخ النشر : 2021-07-08
فلسطين في الدراما الأردنية 

بقلم: رياض سيف
 
اكثر ما تتصف به الدراما الاردنية في تناولها للقضية الفلسطينية , هو جديتها وصدقها في تناول الحدث كون العلاقة تتميز بجذور تاريخية وروابط وشيجة , وحاضر قائم بين الشعبين الاردني والفلسطيني , اذ يشكلان جناحين لجسم واحد لايمكن الفصل بينهما . و معاناة مشتركة عبر تلاحم مصيري واكب القضية منذ العصور الاولى وحتى يومنا هذا .

وبغض النظر عن قصر المسافة بين المدن الاردنية والفلسطينية والتى من خلالها يمكن رؤية القدس بالنظر المجرد من تلال عمان , ورؤية عمان بالنظر المجرد من تلال اريحا , الا أن المشاعر والاحاسيس والرؤى تُقرب المسافات أكثر , ولذا فان الصدق في التعبير عن القضية هو عنوان تتميز به الدراما الاردنية عن غيرها من الدراما العربية.

قد نتفق أن ماتم انتاجه من أعمال درامية تاريخيه سواء كانت مصرية او سورية قد أدت دورها في الاتكاء على ما سجل في كتب التاريخ , وان كانت في بعض الاحيان تنحاز قليلا لوجهة نظر معينه لكنها تبقى في الاطار المتعارف عليه لاتستطيع تجاوزه ,وكانت فلسطين في الدراما التاريخية جزء من الحدث وليس الحدث نفسه سواء في فترة الحروب الصليبية اوحكم المماليك في مصر او خلال الحكم التركي , اما ما بعد ذلك وخاصة في الدراما المعاصرة فهناك وجهات نظر وتوجهات تمليها السياسة بما يتفق مع اجندات ورسائل يقصد ايصالها للمشاهد عن طريق الدراما.

الا أن الأسوأ هو تناول القضية الفلسطينية بصورة هزيلة ومشوهه سواء عن قصد أو غير قصد من خلال أعمال درامية سطحية نتيجة الجهل وعدم المعرفة بمكنونات الشعب الفلسطيني وتفاصيل القضية , حتى أن بعض الاعمال الدرامية العربية تتخذ من طرح الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وسيلة للتسلية والهزل وكأن الامر يخص جزر الواق واق ولاتخص قضية مقدسة يجب أن تحترم في الطرح والمعالجه , واذا ما علمنا أن من يقوم بهذا الدور كتاب سيناريو كبار وفنانيين نجوم ومخرجين من الصف العربي الاول نتبين كم هو ألامر محزن في تناول الدراما العربية للقضية الفلسطينية.

دور التلفزيون الاردني .
في البدء كان للتلفزيون الاردني الريادة في طرح القضايا الساخنه وعلى رأسها قضية فلسطين , فمنذ انطلاق التلفزيون الاردني في 27 ابريل 1968م . باشر بأنتاج اول عمل فلسطيني بعنوان ( فندق باب العمود ) من تأليف وحوار الكاتب الاردني أمين شنار وسيناريو واخراج المخرج الاردني عدنان الرمحي وتمثيل الفنانة قمر الصفدي ووحيد جلال وهاني الروماني وعدد كبير من الممثلين الاردنيين والعرب .ويتناول المسلسل الصراع العربي الاسرائيلي وادعاءات الصهيونية بحقها الثوراثي المزيف في الاراضي المقدسة وقد وصف احد المشاهدين المسلسل حينها بأنه أكثر من رائع , وعلق اخر ( نتاجات منيرة ومستنيرة في زمن صعود الشعوب في مواجهة الهزيمه وللتلفزيون الاردني كل الفضل بهذا الانجاز الوطني ).

كما انتج التلفزيون الاردني في عام 1985 مسلسلاً بعنوان ابراهيم طوقان من سيناريو وحوار محمود شقير واخراج موفق الصلاح ومراجعة النص من قبل الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان ومن ثمثيل مجموعه من الفنانين الاردنيين , محمد قباني , محمود أبو غريب , زهير النوباني , عادل عفانه , وريم سعادة , وايمان هايل وغيرهم . واستعرض المسلسل سيرة الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان.

وفي نفس العام وتأكيداً على الالتزام نحو القضية فقد قام التلفزيون الاردني عام 1985 بأنتاج مسلسل بعنوان ( هبوب الريح لكاتبه محمود الزيودي) واخراج محمد عزيزية ومن تمثيل الفنانين عادل عفانه , جميل عواد , جولييت عواد , موسى الغربي ,احمد الغوانمه واشرف اباظه واخرين . وتدور احداث المسلسل المشوق حول سيرة البطل عيد نجمات الصانع من فبيلة الترابين الفلسطينية من بئر السبع الفلسطينيه الملقب هبوب الريح بمحاربة الانجليز واليهود ابان الانتداب البريطاني على فلسطين .
كما قدم التلفزيون الاردني عام 1988م مسلسلا دراميا بعنوان ( وجه الزمان ) عن رواية للكاتب الاردني طاهر العدوان سيناريو وحوار الكاتب محمود الزيودي واخراج سعود الفياض وشارك في بطولته معظم نجوم الشاشة الأردنية منهم زهير النوباني، وشايش النعيمي، وحابس العبادي، وعبد الكريم القواسمي جولييت عواد , جميل عواد , ورفعت النجار , محمد ختوم، وغيرهم .
تناول المسلسل انتقال الناس من حياة البداوة إلى الفلاحة وكيف تغيرت من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في إطار القضية الفلسطينية و الاحتلال ومقاومته بين عامي 1941 و 1948 وهجرة الفلسطينين إلى الأردن وكذلك عن دور الجيش الأردني في حرب 1948..

على أن أهم الاعمال الدرامية التى تصدى لها التلفزيون الاردني كانت مسلسلا تلفزيونياً بعنوان ( بوابة القدس / الطريق الى باب الواد ) وذلك عام 2011م.

ويعتبر المسلسل هو الأضخم بتاريخ الدراما الأردنية من حيث ضخامة الانتاج واماكن التصوير والاحداث، وعدد الفنانين المشاركين، المسلسل من إنتاج تنفيذي للمؤسسة العربية للانتاج الفني للمنتج ألبير حداد، ومن تأليف الكاتب رياض سيف، واخراج رضوان شاهين.

ويشارك في العمل أكثر من مائة وستين فنانا اردنيا ومنهم: ياسر المصري، رشيد ملحس، نادرة عمران، عبير عيسى، هشام حمادة، عاكف نجم، محمد العبادي، نبيل المشيني، شاكر جابر، حسن الشاعر، ركين سعد، شفيقة الطل، صلاح الحوراني، حكيم حرب، علي عليان، عبد الكريم القواسمي، اشرف طلفاح، سامي متواسي، مصطفى ابو هنود، بكر قباني، رفعت النجار، خضر بيصون، فؤاد الشوملي، حمد نجم.

وشارك من فلسطين: اشرف فرح، سحر بشارة، حنان الحلو، محمود بدراني، وسيم خير، وشارك من السعودية: محمد بكر، عبدالله الجريدان، متعب الفهد، ومن لبنان: وليد العلايلي، إضافة الى مشاركة ثلاثة ممثلين بريطانيين

ويتناول العلاقة التاريخية بين الشعبين الأردني والفلسطيني مع التركيز على الفترة التاريخية منذ العام 1946 إلى العام 1948، من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية، مرورا بأحداث عسكرية تاريخية ومصيرية مهمة .

دور شركات الانتاج الاردنية الخاصة :
كما هودور القطاع العام الاردني في المساهمة في انتاج اعمال اردنية تمس القضية الفلسطينية , فقد ساهم القطاع الخاص بدوره في هذا المجال . وكانت الريادة الاكبر في هذه المساهمة للمركز العربي للانتاج الاعلامي واحياناً بالمشاركة مع مؤسسة الخليج للاعمال الفنية/ دبي .
 
ولما كانت المقاطعة الخليجية للاعمال الفنية الاردنية اثر حرب الخليج وخاصة ما يمس القضايا العربية المعاصرة . وتحايلاً على الرقابة التى بدأت تشدد على مضامين الاعمال الدرامية , فقد كان لابد من انتاج اعمال ترميزية اقرب الى التغريب لتمرير الفكرة , والتي طالت عملين دراميين يمسان الصراع الفلسطيني مع الغزاة والمستعمرين , وهما مسلسل ( التراب المر ) انتاج عام 1966, تأليف رياض سيف واخراج مازن كايد العوامله وانتاج المركز العربي ومؤسسة الخليج . ومسلسل ( عرس الصقر ) تأليف رياض سيف واخراج احمد دعيبس وانتاج المركز العربي . وتمثيل نجوم الشاشة الاردنية . الاول يتحدث عن جابر السهلي الذي هُجرمن قريته الى المنافي البعيدة من قبل اليعقوبي ومن يسانده من الغرباء , حتى اذا ما عاد بعد سنوات طويلة متخفياً بأسم غريب بدأ يحرض شباب القرية على المطالبة بحقوقهم في ارض ابائهم المسلوبة , حتى اذا ما بدأت القرية انتفاضتها خرج الشباب الى الجبال , لتبدأ الثورة بغريب الدار وتنتهي بمجموعة قررت فرض مصيرها من خلال البندقية , والغريب أن الاحتلال الاسرائيلي ادرك مغزي الرسالة من المسلسل وطالب بوقفه في الحلقة السادسه , لكنه مع تفاعل الجماهير مع احداث المسلسل استمر عرض المسلسل مع تعرضه الى مقص الرقابة في مشاهد كثيرة .

ولعل مسلسل ( عرس الصقر ) اوفر حظاً من حيث عدم الملاحقة من أي جهة حيث أنه يتناول فترة تاريخيه في زمن احتلال ابراهيم باشا لبلاد الشام
 
يتناول المسلسل حقبة من تاريخ المنطقة العربية، وخاصة في فلسطين ليبني حدثاُ دراميا عبر حكاية شعبية أقرب إلى الأسطورة، فيقدم للمشاهد قصة مشوقة تستفز المشاعر.
. بطولة – جميل عواد – زهير النوباني – جولييت عواد – عبير عيسى – خالد تاجا – محمود أبو غريب – ساري الأسعد – رشيد ملحس – سوسن ميخائيل – إياد نصار – لارا الصفدي – أنور خليل.
تدور الأحداث في قرية وقع عليها الظلم من الوالي الذي يقوم عساكره بجباية الضرائب، والقبض على الهاربين من التجنيد، ليعيشوا في الأرض فسادا وتخريباُ، فتفقد القرية المؤونة، ويهرب الشباب ليعيشوا في الجبال محاولين أن يشنوا هجمات على العساكر من الجبال .. .
 
وهذا العمل هو من انتاج المركز العربي للانتاج الاعلامي , تأليف رياض سيف واخراج احمد دعيبس وقد فاز بعدة جوائز في أكثر من مهرجان عربي .

ومن انتاج مؤسسة الخليج للاعمال الفنية بالتعاون مع المركز العربي تم اطلاق مسلسل من أهم المسلسلات التى تتناول القضية الفلسطينية بدأت بأجيال فلسطينية عديدة من تاريخ فلسطين تحت الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني وحتى ما بعد نكسة حزيران 1967 عبر صراع تحرري وطني واجتماعي بعنوان ( الدرب الطويل) للكاتب د. وليد سيف وأخراج صلاح ابو هنود انتاج 1998 تمثيل: عباس النوري- محمد القباني - محمد العبادي - نادرة عمران وفنانين اردنيين . وهو ماتم اعادة تصويره مرة اخري في سوريا بعنوان ( التغريبة الفلسطينية ) اخراج السوري حاتم علي .
الا أن المغامرة الكبرى والمخاطرة التي خاضها المركز العربي في ظل رفض المحطات الكبرى لكل ما يمت الى القضية الفلسطينية بصلة هو انتاج مسلسل مثير للجدل يتناول اجتياح الاحتلال الاسرائيلي لمدن وقرى ومخيمات فلسطين ومحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات برام الله عام 2002 م تحت مايسمى عملية السور الواقي والتى قادها شارون ووزير حربه موفاز وأدت الى مجازر في أكثر من موقع وخاصة في مخيم جنين . ولاول مرة يتناول مسلسل ما موضوعاً ساخناً في حينه بعنوان( الاجتياح) بقيادة المخرج الفذ شوقي الماجري وتأليف الكاتب رياض سيف الذي عاش الاحداث من خلال تواجده في رام الله في تلك الفترة العصيبة . حيث لم تمض خمس سنوات على الحدث ليبدأ تنفيذ المسلسل وينال في عام 2008 اهم جائزة ذهبية في مهرجان ايمي الدولي في نيويورك وسط عزوف المحطات العربية عن بثه . وقد ادى مجموعة من نجوم الفن في سوريا والاردن ادوارهم في هذا المسلسل بكل مشاعرهم واحاسيسهم , مما أوصلهم الى العالمية .
وكما ادى المركز العربي دوره في هذه المسيرة , فقد قامت شركات انتاجية اخرى بدورها في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية فبالتعاون مع كنوز الخليج الكويتيه تم انتاج مسلسل ( القدس اولى القبلتين ) والمسلسل الذي يقع في ثلاثين حلقة, يتناول مرحلة مهمة وحرجة وخطيرة في تاريخ المدينة المقدسة وفلسطين, بدءاً من وعد بلفور في 1917 وحتى السقوط النهائي لهذه المدينة وبشكل كامل بأيدي الجيش الإسرائيلي عام1967 . والمسلسل من كتابة بكر قباني , واخراج أحمد دعيبس , وتمثيل مجموعه من الفنانين الاردنيين والعرب .
ومن بطولة نادرة عمران وعامر الخفش بمشاركة عدد كبير من الفنانين الاردنيين وانتاج شركة ابداع ميديا وانتاج تنفيذي واخراج سهيل الياس استوحى الكاتب رسمي ابوعلي سيرة الشاعرة الفلسطينيه فدوى طوقان من السيرة الذاتية التي كتبتها الشاعرة فدوى طوقان “رحلة جبلية رحلة صعبة”، وما كتب عنها. والمصادر التي التجأ إليها في كتابة السيرة الذاتية موثقة ومعروفة حيث انتج مسلسل ( فدوى طوقان ) عام 2008-2009م.
ولاننسى في هذه العاجله ايقونة ما قدمه المخرج موفق صلاح والكاتب جبريل الشيخ والتي تمثلت في العمل التراثي الشعبي الفلسطيني ( سيدي رباح ) بالتعاون بين مؤسسة الخليج والاراضي المقدسة للانتاج
حيث قام بالادوار عدد من الفنانين الاردنيين محمود ابو غريب , محمد القباني ,ساري الاسعد ,حابس العبادي ,نادرة عمران, رانيا فهد, ريم سعادة ,زياد ابو سويلم ,علي عبدالعزيز ,نادية عودة .
هذا غيض من فيض يحسب للدراما التلفزيونية الاردنية , التي جعلت من القضية الفلسطينية قضيتها الاولى , ولولا موانع وتوجهات القنوات العربية نحو الاعمال الدرامية التى تمس قضايا الامة العربية والفلسطينية منها خاصة لشهدنا عطاءً اردنياً نحو القضية بما يفوق الوصف.

ورغم هذه الانجازات التي تسجل للدراما الاردنية نحو فلسطين الا أن بعض المنتجين من تجار الفن حاولو أن يركبوا الموجة من أجل ذر الرماد في العيون من خلال تقديمهم أعمالاً اساءت الى فلسطين وشعبها وقد ساعد في هذا الاتجاه بعض المتنفذين في فلسطين الذين أعمتهم مصالحهم المادية , ولم يقرؤا جيدا ما خلف السطور حين اجازوا وساهمو في بعض الاعمال سواء بالانتاج او شراء النصوص التى مازالت مركونة في ادراجهم ولا أعتقد انهم قرأو منها حرفا ليتبن لهم سوء ما فعلت ايديهم , ولنا في هذا حديث طويل قادم.