الــسياسة بيــن الــفســاد ومــصير الــشعب بأكــمله بقلم عمر دغوغي الإدريسي
تاريخ النشر : 2021-06-08
الــسياسة بيــن الــفســاد ومــصير الــشعب بأكــمله

 بقلم: عمر دغوغي الإدريسي 

مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.                                                                                                                            
كثيرا ما يتردد على مسامعنا في العالم العربي، عبارات تحذيرية تُوجه لأي أحد قد يفكر بأن يخوض عالم السياسة أو يمتهنها ، حيث على سبيل المثال، عندما يُقرر شخص ما ، سواء كان هذا الشخص في مقتبل حياته المهنية أو يمر بمرحلة عمرية متقدمة و أراد أن يكون ناشطاً سياسياً، أو أعرب عن نيته بالانخراط بالعمل السياسي ، كثيراً ما يسمع هذا الشخص سواء كان رجل أو امرأة ، النصيحة الشائعة التي هي "لا تدخل في عالم السياسة ، فالسياسة لعبة قذرة ابتعد عنها ".

نعم لقد تم تربيتنا كعرب، بأن السياسة هي لعبة خطرة و تسودها الكثير من المؤامرات بين الخصوم أو حتى الحلفاء، و هي لا تصلح للناس الشرفاء لأنها تعتبر بمثابة وحل كبير و من تطأ قدميه هذا الوحل ، لا يستطيع الخروج منه، إلا بعد أن يتلطخ بطين المستنقع أو حتى يصيبه بعض رشفات خفيفة من المياه العكرة التي قد تسيء لسمعته الشخصية.

فنادراً بعالمنا العربي، ما نسمع أن سياسي ما ، قد احتل منصب سياسي رفيع المستوى لم تناله ألسنة الناس، أو انتشرت حوله بعض الشائعات التي تنهش في سيرته الذاتية و التي ربما تكون حقيقية أو مجرد شائعات كاذبة و مغرضة.

و لا أحد يستطيع أن ينكر أيضاً، أن السينما العربية قد روجت لتلك الصورة السلبية للطامحين بتقلد مناصب سياسية كبيرة ، حيث دائما ما كنا نرى في بعض مشاهد الأفلام العربية، مقاطع تمثيلية لفنانين يؤدون أدوار لسياسيين يركبون السيارات الفارهة ويحيطهم حرسهم الشخصي و يقضون الليالي الملاح في الفنادق السياحية الفخمة على أنغام مطربات فاتنات مع متابعة لوصلات فنية من الرقص الشرقي في قاعة مليئة بطاولات مُقدم عليها كافة أنواع الخمور والملذات.

وتُصور أيضا تلك الأفلام، مشاهد تمثيلية لفساد بعض أعضاء الأجهزة الأمنية ومدى سوء استغلالهم للنساء من أجل الضغط على المعارضين السياسيين و ابتزازهم، لكي يتخلوا عن معارضتهم للنظام الحاكم ، مما يُرسل إلي عقل المشاهد العربي رسالة واحدة مبطنة مفادها:

"لا تجرأ أيها المواطن على التفكير بالسياسة ، لأنها سوف تهدد حياتك و تلطخ شرفك ، هي لعبة قذرة ، مليئة بأشخاص فاسدين و لن يقبلوك بمملكتهم الغامضة المزدحمة ، المحاطة بسلطة المال و السلاح والجنس ، فلا تجرأ أن تفكر بالسياسة و إلا ستصبح قذراً! "

للأسف تلك هي الصورة السيئة التي عززتها السينما العربية في عقول الشباب العربي بشكل خاص، وفي نفوس كافة شرائح المجتمع العربي بأعماره المختلفة بشكل عام.

إنها صورة مرعبة رنانة و ذات منحنيات تموجية حادة ، تبرق باللون الأحمر، لون الخطر ! كإنذار تحذيري يطن داخل العقل الباطني للمواطنين العرب ، حيث أن معظم المصطلحات السياسية ترتبط ذهنياً في عقل العربي، بكلمات سلبية مثل القتل و هتك الشرف و الفساد و الكذب و الخديعة و الظلم و السلاح و الدم و التعذيب و الاعتقال و الانتقام و المؤامرة و غيرها من الكلمات الصاعقة التي يخشى أي شخص أن يتم تهديده أو اتهامه بها.

ولكي نكون واقعيين، نحن بالفعل لا نعيش في عالم مثالي ، وقد تصيب في كثير من الأحيان النظرة السلبية لبعض الأفلام العربية و قد تصيب أيضاً اعتقادات عدد كبير من المنخرطين بعالم السياسية، حول أن السياسة غير نظيفة و منغمسة بالفساد الأخلاقي و المادي ، لأن هذه الصورة السوداوية لعالم السياسة في الوطن العربي هي بالفعل لم تأت من فراغ ، حيث مازال هناك انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان و مازال هناك عدد كبير من الفاسدين الذين احترفوا السياسة في عالمنا العربي وتقلدوا المناصب الكبيرة.

لكن إن حدثت هذه الأشياء السيئة في المجال السياسي بشكل بارز بعالمنا العربي، لدرجة أن المواطن العربي، أصبح يخشى أن يعبر عن رأيه السياسي بحرية خوفاً من سياسة القمع وتكميم الأفواه و التهديد بانتهاك شرفه أو اعتقاله أو حتى اغتياله ، فلابد هنا من القول ، أن السياسة انحدرت لتلك المستويات الدنيئة ليس فقط بسبب الفاسدين المخترقين للحياة السياسية، بل بسبب الشرفاء أيضاً، الذين استسلموا بسرعة و انسحبوا بصمت من عالم السياسة، إما تجنباً للمشاكل أو خشيةً على أمنهم الشخصي و حياتهم الأسرية.

فالسياسة في الدول المتقدمة، ليست حرب ووعيد و وتهديد و انتهاك لحقوق الإنسان ، السياسة هي طريقة لحل المشكلات و الأزمات التي تتعرض لها البلاد، لكن بطريقة إبداعية وذكية ، تحمي أمن وحقوق المواطنين، و تحقق النمو و الرخاء للشعب ، إنها ببساطة فن الممكن و اللا مستحيل.هذه هي السياسة التي نحتاج إلي ممارستها كعرب دون خوف أو تهديد.

لذا أكرر هنا أن السياسة ليست لعبة قذرة كما يظن معظم الناس، بل هي أفضل وسيلة يستطيع الحكام و القادة توظيفها من أجل مصلحة الشعوب، و لكنها تعتمد على من هم هؤلاء القادة الذين سيستعملون تلك الوسيلة الإنسانية ؟

فتصوروا مثلاً ، لو امتهن السياسة تاجر سلاح ، كيف ستكون نظرته للسياسة؟

بالطبع ستكون السياسة بالنسبة إليه ، عبارة عن صفقات للأسلحة الرابحة بين الدول الغارقة بالحروب و الصراعات الدموية، و سوف يستغل منصبه السياسي لتحقيق ثروات هائلة في عالم الأسلحة المشروعة أو حتى المحرمة دولياً ، ولن يهمه حينذاك عدد القتلى و المصابين من المدنيين، فهم بالنسبة إليه مجرد أرقام!

لكن تصوروا، لو امتهن السياسة خبير في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ، كيف ستكون نظرته للسياسة ؟

بالطبع سوف يخشى هذا الخبير على سمعته، بأنه رجل ينتهك حقوق المواطنين وسوف يقوم بتشجيع حرية الرأي و دعم مؤسسات المجتمع المدني ، و سيحرص على الالتزام بالمعاهدات الدولية و القوانين و الدستور الوطني من أجل حماية حياة المدنيين ، لأنه يؤمن بالإنسانية و الحق المقدس بالحياة ويرى أن الشعب لديه السلطة الأولى و الأخيرة.

وتصوروا أيضاً، لو امتهن السياسة رجل أعمال فاسد محاط بالغانيات، و همه الأكبر أن يحقق أرباح مالية بكافة الوسائل المشروعة و الغير مشروعه ، فكيف ستكون نظرته للسياسة ؟

بالطبع سوف يستغل النساء من أجل التأثير و الضغط على الخصوم، وسوف يقدم الرشاوى لكي يجلب الحلفاء، و لن يكترث إذا ما وظف مال الشعب لمصلحته السياسية الخاصة ، فثروات البلاد و أموال الشعب سوف تكون بالنسبة إليه ملكية شخصية ، والشعب هم مجرد رعاع يتوسلون إليه من أجل أن يتكرم عليهم بمنحة أو صدقة ما.

لكن تصوروا لو امتهن السياسة رجل شرطة نزيه ، قضى حياته وهو يحقق في ملفات الفساد ويلاحق المجرمين، كيف ستكون نظرته للسياسة ؟

بالطبع سوف يلتزم هذا الشرطي بالقانون و سيعتبر أموال الشعب أمانه عنده ، وسيحترم القضاء و لن يتردد بتسجيل أي مورد مالي يأتي للشعب بسجلات الدولة أو يتخاذل في محاسبة الفاسدين ، حيث سيعتبر هذا الشرطي ، أن لا أحد يجب أن يعلو صوته فوق صوت القانون.

إذن نستنتج من تلك التصورات السابقة ، أن السياسة هي سلاح ذو حدين ، يمكن أن تكون قذرة إذا استخدمها الفاسدون و القتلة و يمكن أن تكون نظيفة إذا استخدمها الصالحون و النزهاء.

وما نحتاجه بعالمنا العربي، أن يتجرأ هؤلاء الصالحون و النزهاء بالخوض بعالم السياسة، وأن لا يترددوا بإعلاء كلمة الحق، ومحاربة الفساد و لكن بطريقة حكيمة و سلمية، وتخلو من كافة أنواع العنف و التحريض و التشهير بأشخاص ومؤسسات و شركات و تنظيمات سياسية دون وجود أدلة و إثباتات مادية ، حيث تلك هي الأخطاء القاتلة التي تقضي على صاحبها و التي يقع بها بعض الوطنيين المتحمسين للتعبير عن مشاعرهم الوطنية ورغبتهم بمحاربة الفساد بأي وسيلة دون وجود أدلة و جهات تدعم قضيتهم!

و لابد من الإشارة ، أنه طالما كان هناك استخدام لأي شكل من أشكال العنف و التحريض، من قبل هؤلاء الأفراد الذين ينشدون التغيير و الإصلاح ، تحت شعار الديمقراطية و حرية التعبير، فعلى هؤلاء الناشطون السياسيون أن يعوا جيدًا ، أن جهودهم السياسية، سوف تبؤ بالفشل و ستعود عليهم بمزيد من اليأس و الإحباط ، فالسياسة هي فن الإقناع و التغيير بأقل الخسائر الممكنة ، و التضحية بالنفس بسبب اعتقادات و أفكار غير مدعومة بأدلة و حلفاء، تعتبر من أهم أسباب فشل السياسيون و عدم تأثيرهم على سياسات حكومتهم أو مشاركتهم في عملية الإصلاح السياسي التي يجب أن تتم بالتدريج وعلى دفعات تمهيدية.

فالسياسة ليست مجرد أن تتظاهر بالشارع بشكل عشوائي و تلعن الحكام أو تدعوا لاستخدام العنف و الانتقام .

السياسة هي تكتيكات ذكية و عمل دبلوماسي دءوب و إجراءات شفافة و أنشطة سلمية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية، بشكل قانوني و حضاري و بأقل الخسائر المادية و البشرية الممكنة في سبيل مصلحة المواطنين.

السياسة بكل بساطة ليست لعبة قذرة، بل هي حياة و مصير لشعوب بأكملها .