عملية حاجز زعترة بوادر الثورة بقلم السفير منجد صالح
تاريخ النشر : 2021-05-04
عملية حاجز زعترة بوادر الثورة     بقلم السفير منجد صالح


عملية حاجز زعترة بوادر الثورة

بقلم: السفير منجد صالح

الشعب الفلسطيني المُكافح البطل "يمتهن" دروب النضال والثورة منذ مئة عام أو يزيد. شعب بهذه المواصفات والتكوين لا يمكن ان يكنّ أو يستكين. بل يواصل النضال موجة وراء موجة كما كان يقول الشهيد ياسر عرفات.

اليوم امتطى فارسان من فرسان فلسطين صهوة مركبتهما وتوقّفا أمام محطة للباصات على حاجز زعترة الإحتلالي. تختزن في احشائها جنودا ومستوطنين بصورة دائمة. ترجل احدهما ووثب كالنمر وقابل الجنود والمستوطنين وجها لوجه وأطلق الرصاص عليهم من سلاحه الفردي، فاصاب ثلاثة مغتصبين، جراح اثنين منهم خطيرة، وعلى الأرجح أنّ واحدا منهم حالته ميؤوس منها.

ثم ركب السيارة وغادرا المكان، خلال لمح البصر، خلال ثلاثين ثانية، قبل أن يتنبّه الجنود إلى ما يجري، و"يستفيقون" من هول الصدمة، ويُطلقون النيران في الهواء، في أثر النمرين المُتوثّبين ومركبتهما.

عملية بطولية تشبه في كُنهها وهندستها وتنفيذها عملية عاصم البرغوثي قبل حوالي السنتين على محطة للجنود والمستوطنين في الشارع الإلتفافي الذي يصل بين رام الله والطريق الرئيس شمالا جنوبا بمحاذاة طريق قرية رافات المقفل والمهمل والمُعطّل بسبب إجراءات الإحتلال التضييقية على حياة الفلسطينيين.

جدير بالذكر والتنويه والتذكير أن جنود الإحتلال المدججين بالسلاح والحقد والغطرسة "يتشاطرون" على الأبرياء والمدنيين، قد أمطروا حاجة فلسطينية، رحاب خلف زعول، ذات الستين عاما، على حاجز عصيون جنوب بيت لحم، توأم حاجز زعترة في السوء والبطش والقتل ضد المواطنين الفلسطينيين العزل، بوابل من الرصاص أدى إلى استشادها اليوم لتنضمّ إلى شاب فلسطيني آخر استشهد بالقرب من نفس الحاجز، بجانب مستوطنة افرات، قبل عدة ايام.

الإحتلال يستخدم الحواجز مصائد يصطاد بها المواطنين الفلسطينيين العزل، الذين يمرّون من خلالها أو بالقرب منها.

حاجز زعترة، الذي يبدو وكأنه حدود دولية، ممنوع على الفلسطينيين أن يمرّوا من خلاله راجلين، وأن كل من يفعل يّعرّض نفسه لإطلاق نار مُحقق من قبل جنود الإحتلال المُتمترسين عليه.

وأن كل من يُريد أن يتحرّك من المدنيين الفلسطينيين في نطاقه، عليه أن يبتعد أكثر من مئة وخمسين مترا من حدود دوّار الحاجز، ويخوض، صيفا شتاء، في الأراضي الزراعية والوعرة، ليتمكّن من الحركة في الجهات الأربع حول الدوّار.

مُعاناة ومقت وتحقير، يُشعرونك من خلال اجراءاتهم العقابية غير القانونيّة وكانّك دخيل على المنطقة وأنت، في الحقيقة والواقع، الأصل وصاحبها ومالكها، وهم الدخلاء المُحتلّين الغاصبين.

إنّها غطرسة القوة وشريعة الغاب ولغة السلاح. في نفس البقعة من الأرض يُطبّقون قوانين من "حلاوة" للمستوطنين الغاصبين، في الوقت الذي يُطبّقون على الفلسطينيين أقسى أنواع الممارسات العشوائية الاحتلالية العنصرية العدوانية. للمستوطنين دولة قائمة الأركان ضمن إسرائيل، قوّة الإحتلال.

في أي لحظة يُشهرون هذا "الكرت" في وجه الفلسطينيين، "كرت" المستوطنين المُدججين بالسلاح والمحميين دقيقة بدقيقة من قبل جنود الإحتلال. مستوطنين "مُتوطّنين" بالقوة والحديد والنار مقابل فلسطينيين "مواطنين" عزل "آمنين" في ديارهم وممتلكاتهم وأرضهم وبلادهم وتاريخهم وهوائهم ودقيق قمحهم.

فهل تلعب الحكومة الإسرائيلية الإحتلالية وجيشها على وتر أن المستوطنين "مدنيين"؟؟؟!!! وأن الفلسطينيين مدنيين، وأن الاشتباك لا يعدو إلا أن يكون بين جهتين مدنيّتين، وأن الجيش الإسرائيلي يقف "على الحياد" بين مدنيين!!!

هكذا يزيد الحمل ووقع الإحتلال على الفلسطينيين، ليتبيّنوا أنّهم واقعين لا محالة تحت احتلالين: احتلال إسرائيل الدولة، وإحتلال المستوطنين الدولة داخل الدولة.

حاجز زعترة الإحتلالي البغيض لا يبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن "مفرق سلفيت غربا"، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، لكن طارئا وغصبا مفرق أو دوّار مستوطنة آرئيل. وهي أكبر مستوطنة في الضفة الغربية، ويُطلقون عليها لقب "عاصمة السامرة" وفيها جامعة يدرس فيها طلاب أجانب من دول مُتعددة.

على هذا المفرق، نفّذ الشهيد عمر أبو ليلى، ذو التسعة عشر عاما، عملية بطولية قبل أكثر من سنتين، اختطف فيها رشاشا من يد جندي احتلالي وعاجله برصاصه، ثمّ ألحقه بآخر واختفى في رحم كروم أشجار التين والزيتون في محافظة سلفيت، إلى أن سقط شهيدا بعد أسبوع في بلدة عبوين، على اثر مواجهة غير مُتكافئة مع عشرات جنود الإحتلال.

أرضنا المُطرّزة بالتين والزيتون والعنب والزعتر والميرمية تُنجب أبطالا أمثال عمر وثائر حمّاد وفارس عودة واشرف نعالوه ومهند الحلبي ومروان البرغوثي ودلال المغربي وسعد صايل (أبو الوليد) وعزمي الصغيّر وعلي أبو طوق.

ارضنا ولّادة تلد وستلد مزيدا من الفرسان الجدد المُلثّمين بالكوفيّة، يمتطون صهوات أحصنة مُجنّحة من نور، يمتطون سيّارات مُجنّحة، لنصرة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والمُقتلعين من ديارهم في الشيخ جرّاح.

وليبقى باب العمود رمزا للصمود، مُلتقى للشباب الفلسطيني الثائر، يٌلوّحون بقبضات وسواعد التحدي والعنفوان، ويفترشون درجات باب العمود في طقوس فلسطينية تراثية متوارثة، بعيدا عن دنس جنود الاحتلال.

هل عملية زعترة هي بوادر الثورة، المُتجدّدة والمُستعرة؟؟ الأيام القادمة ربما يكون في جعبتها جوابا.

رحم الله شُهداءنا الأبطال.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني