ورقة حول.. احتمالات تأجيل الانتخابات الفلسطينية: خطورة تأبيد الفشل والإمعان في الشمولية
تاريخ النشر : 2021-04-26
ورقة حول.. احتمالات تأجيل الانتخابات الفلسطينية: خطورة تأبيد الفشل والإمعان في الشمولية


ورقة حول

احتمالات تأجيل الانتخابات الفلسطينية: خطورة تأبيد الفشل والإمعان في الشمولية

أولاً: سياق إصدار مرسوم الانتخابات: بارقة الأمل الهشة والمهددة في الواقع المتداعي

أصدر الرئيس محمود عباس في 15/1/2021 مرسوماً بإجراء الانتخابات العامة بعد (15) عاماً من التعطيل الذي قاد إلى خلل جوهري في النظام السياسي وما يشبه التدمير لمؤسساته الأساسية بما فيها البرلمان صاحب الاختصاص التشريعي والرقابي الدستوري الأصيل، طوال سنوات احتكرت السلطة التنفيذية حق التشريع وتعسفت في استعماله، ومورست بشكل واسع أعمال تهميش للمكونات المدنية ولمبدأ الشراكة الوطنية، كما لم يتم احترام مبدأ الفصل بين السلطات، أو مبدأ استقلال القضاء إذ حصلت العديد من الممارسات التي تشير إلى تدخل السلطة التنفيذية بشكل فاضح في عمل السلطة القضائية وإدارتها.

بالعودة لمرسوم الانتخابات الذي نُظر إليه بارتياح واسع وعلى أنه بارقة أمل قد تكون الأخيرة القادرة على إصلاح ما يمكن إصلاحه إن كتب لها النجاح، فقد نص المرسوم على إجراء الانتخابات التشريعية في 22/5/2021، والرئاسية في 31/7/2021، على أن تعتبر انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني وأن يتم استكمال تشكيل المجلس في 31/8/2021 وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينيات والتفاهمات.

جاء إصدار المرسوم الرئاسي كنتيجة لحوارات مطولة ومتتالية جرت بين طرفي الانقسام، حركتي "فتح" و"حماس"، مثّل الأولى في المباحثات عضو اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب، فيما مثل حركة "حماس" عضو مكتبها السياسي صالح العاروري، بالنتيجة صدر مرسوم بإجراء الانتخابات واتفق الطرفان على ترحيل قضايا الانقسام العالقة منذ سنوات بحيث تتحمل الحكومة الجديدة عبء حلها، ثم تلى اللقاءات الحوارية الثنائية لقاءات فصائلية واسعة في العاصمة المصرية القاهرة تهدف لتهيئة البيئة العامة لإجراء الانتخابات.

وعلى الرغم من أن خطوة الترحيل دون التعمق في الإشكاليات ومعالجتها بجدية قبل الذهاب للانتخابات - كأن يتم تشكيل مؤسسة للعدالة الانتقالية تعوض الضحايا وتجبر الضرر وتحاسب الجناة وتنشر الحقائق على سبيل المثال – قد اعتبرت قفزة في الهواء من أطراف عدة، إلا أن الإجماع العام سرعان ما التف حول ضرورة عقد الانتخابات العامة بصورة لا تحتمل التأخير في ظل الواقع المتردي سياسياً واقتصادياً وصحياً واجتماعياً.

ثانياً: احتمالات التأجيل: بين أزمة الثقة وقصد تهيئة الوعي الجمعي له

لم يمضِ كثيرٌ من الوقت حتى بدأت المؤشرات التي تشير إلى احتمالات قوية للغاية لتأجيل الانتخابات تتسارع، والتي تأتي لاحقاً لأصوات بدأت منذ اليوم الأول للمرسوم في الترويج لموضوع التأجيل "الوارد جداً"، في جانب يشكل ذلك الخطاب انعكاس لأزمة الثقة بين المواطنين الفلسطينيين ونظامهم السياسي وطبقتهم السياسية وحركتهم الوطنية بعد كل هذه السنوات العجاف، وهو حصاد مر للتدمير الذي لحق بالمؤسسات الرسمية وبممارسات الحكم الرشيد وبالشرعيات بعد الانقسام، لكنه في جزء آخر قد يشكل ممارسات ليست بريئة تماماً من مراكز قوى وجدت أن مصالحها الذاتية متعارضة مع المصلحة العامة بإجراء الانتخابات وهدفت لاستغلال أزمة الثقة بين الطرفين - أصحاب الحكم وأصحاب المصالح - لتهيئة الوعي الجمعي لفكرة التأجيل.

وعليه، تنعكس هذه الاحتمالية بالتأجيل مجدداً على ثقة المواطن الفلسطيني في النظام السياسي، إذ من شأن الخطوة أن تحدث شرخاً لا يمكن إصلاحه في ثقة متداعية بالأساس وترسخ النظرة للنظام السياسي على أنه ذو طبيعة أبوية جديدة، قائم ليرعى امتيازات فئة محدودة ومعزولة من المواطنين النافذين ويمارس التعيين على ذات الأسس الولائية ويهمش مبدئي المواطنة والمساواة ولا يلقي بالاً للدستور أو المصلحة العامة.

من المهم الإشارة إلى أنه بتاريخ 4 مارس/آذار 2021 أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بقانون رقم (9) لسنة 2021 بشأن تأجيل انتخابات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية، والذي جاء فيه: "على الرغم مما جاء في أي تشريع أو حكم قانوني آخر، تؤجل لستة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القرار بقانون انتخابات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية التي يتوجب إجراؤها قانوناً خلال تلك المدة، ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية". وهو ما صدر دون أي توضيح أو ذكر للأسباب وكان مستغرباً في ظل التوجه المعلن لعقد انتخابات عامة تشريعية ورئاسية في ظل أن انتخابات النقابات والاتحادات  والمنظمات الشعبية ستشكل رافعة تعزز الديمقراطية العامة على بوابة الانتخابات، الأمر الذي يمكن قراءته على أنه مؤشر سلبي لما هو قادم بشأن الانتخابات العامة.

 ثالثاً: مبدأ الدورية: لماذا يُغيّب الحق الدستوري لشعب بأكمله وفقاً لتفاهمات حزبية مصلحية ضيقة؟

بالتزامن مع حالة سياسية عامة من التلكؤ والتردد وعدم الحسم، غابت سمة الدورية عن الانتخابات في الحالة الفلسطينية منذ البدايات لتشكل الكيانية الوطنية الرسمية. في فهم الممارسة الديمقراطية، من غير المألوف عالمياً رغم تكراره في الحالة الفلسطينية إجراء الانتخابات وفقاً لتفاهمات فصائلية حزبية. إذ تعتبر دورية الانتخابات وفقاً لموعد دستوري وباعتبارها استحقاق قانوني مبدأ أساسي من مرتكزات الديمقراطية وعناصرها. بالإضافة إلى المشاركة السياسية، والفضاء المدني الحر، والحوار الاجتماعي، وضمان حقوق الإنسان والحريات العامة، ومبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتداول السلمي للسلطة، والتعددية السياسية، والدساتير الديمقراطية، والحق في التجمع السلمي، ونشر تعاليم وثقافة وتربية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإعمال مبدأ سيادة القانون وغيرها من المرتكزات.

من الناحية التشريعية ودولياً، فإن جوهر الرعاية التشريعية للديمقراطية هي الوثيقة العالمية الأهم "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" المعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الاول 1948 في باريس، حيث نص البند الثالث من المادة (21) منه على أن: "إرادة الشعب هي مُناط سُلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دورياً بالإقتراع العام على قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت". فضلاً عن العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ،

أما وطنياً فقد نص القانون الأساسي الفلسطيني في مادته رقم (2) على أن "الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات .." أما مادته رقم (5) فقد نصت على: "نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخاباً مباشراً من قبل الشعب وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي الفلسطيني". كما وتنص المادة الثانية الفقرة الثانية والرابعة على التوالي  من القانون رقم (9) لسنة 2005 بشأن الانتخابات العامة على أن "مدة ولاية الرئيس أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين . تكون مدة ولاية المجلس أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية" . أما المادة الرابعة من قانون الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005 فتنص على : "تجرى الانتخابات المحلية في جميع المجالس في يوم واحد، كل أربع سنوات بقرار يصدر من مجلس الوزراء".

فيما أكدت المادة (26) من القانون الأساسي على المشاركة السياسية للأفراد والجماعات بنصها على: "للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: 1- تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها وفقاً للقانون. 2- تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون. 3- التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقاً للقانون. 4- تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص. 5- عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة، وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون". لتليها المادة (34) حول انتخاب رئيس السلطة، والمادة (47) حول انتخاب المجلس التشريعي.  وفقاً لكل هذه النصوص الدستورية، الانتخابات هي حق قانوني وليست منّة من قبل أي فصيل وفقاً لرغباته وينبغي أن تعقد دورياً، وهذا هو جوهر مبدأ الشعب مصدر السلطات.

قد يرتقي تعطيل القوى السياسية المتنفذة للانتخابات إلى شكل من أشكال الفساد السياسي. وهو أمر غريب أن تقرر قوى سياسية موعد الانتخابات وفقاً لرغباتها أو لضغوط إقليمية عليها من حلفاءها أو خصومها أو وفقاً لقياسها وتوقعاتها لمدى جماهيريتها وإن كان من مصلحتها إجراءها في ذلك التوقيت أم لا! مع أن منطق دورية الانتخابات إعادة السلطة للشعب ليعاقب أو ينزع أو يجدد ثقة القوى السياسية التي انتخبها وفقاً لتقييمه لأدائها.

تشكل هذه الممارسات هروباً ، بل قفزة في الهواء للعديد من القوى السياسية من أزماتها الداخلية والتنظيمية والفصائلية وتصديراً لها للشارع الفلسطيني المأزوم والمنهك أصلاً خصوصاً حالة الانقسام والتشظي التي تعيشه بعض القوى، إلى جانب التقديرات الأمنية أو تقديرات استطلاعات الرأي التي تتنبأ بمقاعد قليلة مقارنة مع الوزن التنظيمي والجماهيري لبعض الفصائل ، في حين كان الأجدر بهذه القوى أن تحل مشاكلها داخلياً وأن تجدد بناها الديمقراطية وهياكلها التنظيمية من الداخل بدل أن تدفع لتعطيل العملية السياسية ومصلحة الشعب بأكملها خشية انهيارها الكلي.

 رابعاً: الخطر المحتمل لتأجيل و/أو إلغاء الانتخابات

يمر الشعب الفلسطيني بجملة من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدراماتكية هي الأخطر ربما في تاريخه الحديث، يعاني النظام السياسي الفلسطيني من مشاكل مركبة متعددة، أبرزها استمرار حالة الانقسام الداخلي سواء السياسي أو التشريعي او المؤسساتي والذي أدى إلى وجود مواطنين/ات بحقوق وواجبات مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة وزاد حالة الشرذمة التاريخية التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

بقراءة المشهد، هناك حالة من تداعي السلم الأهلي والتماسك المجتمعي والتي قد يؤثر تأجيل الانتخابات وتعطيل عملية تجديد الشرعيات الحاكمة مجدداً سلباً عليها بزيادة الاحتقان. كما من شأن خطوة التأجيل أن تنعكس بشكل مدمر على ثقة المواطنين الفلسطينيين بالنظام السياسي والطبقة السياسية  والحركة الوطنية كما سبق الإشارة إليه، وما يتبعه ذلك من اهتزاز عميق للثقة في فصائل العمل الوطني التي يفترض بإجماعها أنه من أنتج مرسوم الانتخابات.  

من جهة أخرى، لا ينبغي التناسي أن الشرعيات الرسمية فلسطينياً بحاجة إلى التجديد وفقاً للمدة الزمنية الدستورية، وأن البرلمان الفلسطيني صاحب الاختصاص الرقابي والتشريعي جرى حله، وعليه سيعني التأجيل استمرار حالة الفراغ وهو ما سيكون له عواقب بالغة الخطورة، سواء داخلياً أو على مستوى تعاطي العالم مع القيادة الفلسطينية باعتبارها منقوصة الشرعية.

بالإضافة إلى أن مبادئ الفصل بين السلطات، وسادة القانون، واستقلال القضاء، وتكافؤ الفرص، والمواطنة، والتعددية والمشاركة السياسية، والعدالة الاجتماعية وتمكين الشباب وتعزيز المشاركة النسائية سيلحق بها جميعاً ضرر شديد في حال تأجيل الانتخابات.

خامساً: القدس كذريعة ؛ معضلة البناء والتحول الديمقراطي أم التحرر الوطني

أفرزت اتفاقية أوسلو الأولى 1993 والثانية 1995 تعقيدات هائلة للفلسطينيين المقدسيين المقيمين تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل في القدس الشرقية، المرحلة الانتقالية التي كان يفترض بها أن تنتهي بحل نهائي بعد خمس سنوات أي في عام 1999، استمرت حتى اليوم، ومعها استمرت وتفاقمت التعقيدات. شارك الفلسطينيين من سكان القدس من خلال مكاتب البريد الإسرائيلية في الانتخابات الفلسطينية التشريعية 1999، والرئاسية 2005، والتشريعية 2006 في خطوة رمزية بموجب تفاهمات اتفاقيات أوسلو.

إذ تنص اتفاقية المرحلة الانتقالية المبرمة مع الاحتلال والموقعة بواشنطن في 28 أيلول/ سبتمبر 1995، على أن الاقتراع في شرق القدس يتم في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية فيما يصوت بقية المواطنين في محيط المدينة. إذ أصر الاحتلال على أن تجري الانتخابات في قدس 1 الخاضعة بشكل كامل للاحتلال في  مكاتب البريد التابعة للبريد الإسرائيلي فقط، وترسل منها بمظاريف بريد لا تحمل أي شارة أو أي رمز فلسطيني، وأن يكون عدد المصوتين بما لا يزيد على القدرة الاستيعابية لمكاتب البريد الخمسة التي تم تحديدها لانتخابات سنة 1996 وتمت زيادتها إلى ستة مكاتب بريدية سنة 2006. وبناءً على هذه التقييدات صوت5327 مقدسياً فقط في مكاتب البريد للانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 1996، وصوت 6300 منهم في الانتخابات التشريعية سنة 2006 بحسب إحصاءات لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، بينما صوت مئات آخرون  فقط من مقدسي قدس 1 في مراكز الاقتراع الفلسطينية في قدس 2. لم تكتفي منظومة الاحتلال بهذا التقييد المشدد والمهين في آن، بل عادةً ما ترافقت الانتخابات مع نشر حواجز للشرطة الإسرائيلية على مداخل مكاتب البريد كانت تحولها إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، وإطلاق شائعات حول التوجه لسحب الهوية المقدسية ممن يشارك في الانتخابات الفلسطينية كنوع من الإرهاب النفسي.

ودون الخوض في جدل حول اتفاقيات أوسلو التي قادت إلى ترسيخ هذه الوقائع، وهي الاتفاقية التي لم تحترمها "إسرائيل" السلطة القائمة بالاحتلال حتى على مستوى السماح بوضع صناديق بريد على الرغم من أن هذه الصيغة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مهينة، ما يعكس مدى هشاشة الطرف الفلسطيني منذ دخوله في هذا المسار، وقد يدفع البعض لتحميل الطبقة السياسية التي قادت مسار الحل السلمي مسؤولية هذا الفشل اليوم.

إلا أنه ومنذ إصدار مرسوم الانتخابات، وبالرغم من أن التوقيت الزمني لبروز خطاب تأجيل الانتخابات بحجة القدس يأتي بعد فشل حركة "فتح" في التوجه للانتخابات البرلمانية بقائمة واحدة، يجري إبراز قضية القدس كسبباً يمكن تعليق تأجيل الانتخابات عليه.

أثارت الانتخابات الفلسطينية سابقاً العديد من الأسئلة بالنسبة للمقدسيين، منها عن البديل لدى النظام السياسي في حال تأجيل الانتخابات (لحلحلة) أوضاع المدينة وسكانها، في مواجهة إجراءات التهويد والضم والهدم والعنصرية واعتداءات منظومة الاحتلال من جنود وشرطة ومستوطنين اليومية. ترتبط هذه الأسئلة بأخرى أكثر تفصيلاً حول ما قدمه أعضاء المجلس التشريعي في الدورات السابقة للمدينة، وكيف ستسمح "إسرائيل" لأعضاء المجلس وللسلطة بالعمل في القدس خاصة بعد اعتراف إدارة "ترامب" بها عاصمة موحدة "لإسرائيل" ونقل السفارة، وما الذي تقدمه السلطة ككيان كلي للمدينة، وإلى أي حد من المجدي للمقدسيين المشاركة من عدمها؟

تقود هذه الأسئلة جميعها إلى سؤال جوهري ينبغي على الفلسطينيين حسمه، حول طبيعة المرحلة التي يعيشونها، إن كانت تحرر وطني أم بناء وتحول ديمقراطي والتصرف على هذا الأساس، إذ لا يمكن التقدم على أي مستوى دون الخروج من دوامة ومتاهة المتلازمات الأربعة: الثورة، المنظمة، السلطة، الدولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سادساً: سؤال ما العمل؟

تُطرح العديد من الأفكار والسيناريوهات لإجراء الانتخابات في مدينة القدس، منها ممارسة الضغوط على المجتمع الدولي ليضغط بدوره على الاحتلال ويسمح بإجرائها وفقاً لاتفاقيات أوسلو والتفاهمات السابقة، أو وضع الصناديق في مقرات الأمم المتحدة والسفارات الأوروبية، أو نشر صناديق الاقتراع في الكنائس والمساجد والشوارع وتحويل العملية الانتخابية إلى معركة وحالة اشتباك مفتوحة مع الاحتلال على قاعدة حق المقدسيين في الممارسة الديمقراطية، أو إجراء الانتخابات من خلال بعثات دولية تشرف عليها بشكل كامل بعيداً عن أي تدخل، بما يظهر حقيقة أن الفلسطينيين لا يملكون السيادة على أرضهم المحتلة، وغيرها من الأفكار والسيناريوهات.

راكمت لجنة الانتخابات المركزية بما لها من موثوقية ومصداقية في الشارع الفلسطيني سواء على المستوى الحزبي أو الجماهيري من خبرتها فيما يتعلق بإجراء الانتخابات في ظل التعقيدات الجيوسياسية في مدينة القدس، صحيح أن اختصاص اللجنة فني لوجستي وأن الموضوع في جزئه الأهم سياسي، إلا أن هذه الخبرة الفنية اللوجستية يمكن البناء عليها في تقديم أفكار ومقترحات للانتخابات في المدينة من قبل اللجنة. في ذات السياق، قدم المجتمع المدني العديد من المبادرات والحلول التي احتوت أفكاراً للعمل بما يمكن من عقد الانتخابات في مدينة القدس والتي يمكن الأخذ بها، كذلك الأمر، يوجد العديد من المقترحات إذا ما استمر الاحتلال بالرفض ، ومنها وضع الصناديق في مقرات مؤسسات أهلية فلسطينية في القدس ، الاعتداء على الناخبين ومصادرة الصناديق ... الخ ، أمر وارد من قبل الاحتلال ، ولكن يمكن الاتفاق بين القوائم ولجنة الانتخابات المركزية  على احتساب مجموع أصوات المقدسيين حوالي 7000 صوت وتقسيمها على القوائم الانتخابية المترشحة بالتساوي كأحد السيناريوهات ، أو وفي حال تعذر الانتخاب نتيجة قيام قوات الاحتلال بمصادرة الصناديق والاعتداء على الناخبين، يمكن توفير بدائل للاقتراع تكون جاهزة في محيط القدس من قبل لجنة الانتخابات المركزية.

وبعيداً عن الشكل، ما ينبغي قوله أن الانتخابات الفلسطينية العامة ضرورة لا يمكن تأجيلها وفي الوقت عينه ينبغي أن تجري في كافة الأرض الفلسطينية المحتلة 1967 بما فيها القدس، وأن التفكير لا يجب أن يكون في تأجيل الانتخابات وتثبيت الأمر الواقع الذي أفرزه الاحتلال، بل ينبغي أن ينصب حول آلية إجراء الانتخابات في القدس وبقية المدن الفلسطينية تحدياً لهذا الأمر الواقع.

إذ في حالة الافتراض أنه تم تأجيل الانتخابات تحت عنوان القدس، وبعيداً عن مدى جدية أو صدقية هذه الحجة، فسؤال اليوم التالي الذي يبرز مباشرةً برسم الإجابة من النظام السياسي، ماذا بعد التأجيل؟ وماذا لو استمرت "إسرائيل" السلطة القائمة في الاحتلال في رفض عقد الانتخابات الفلسطينية في المدينة، هل ينبغي أن نتخيل مع هذا السيناريو، فلسطين بلا انتخابات للأبد؟ وهو ما يجب أن يقود النظام السياسي للتفكير ملياً، فيما إذا كانت خطوة تأجيل الانتخابات امتثالاً لرغبة الاحتلال بعدم إجراءها في مدينة القدس هي من تثبت "صفقة القرن" والأمر الواقع، أم تحديه بالاشتباك على الأرض لإجرائها من يفعل؟