ظاهرة عمالة الأطفال في فلسطين بقلم نهى نعيم الطوباسي
تاريخ النشر : 2021-04-18
ظاهرة عمالة الأطفال في فلسطين   بقلم نهى نعيم الطوباسي


ظاهرة عمالة الأطفال في فلسطين

بقلم: نهى نعيم الطوباسي

مر يوم الطفل الفلسطيني هذا العام، مرور الكرام دون فعاليات رسمية أو شعبية، رغم أنه يوم له رمزيته الوطنية والإنسانية، حيث أقر من قبل الرئيس الشهيد ياسر عرفات في الخامس من نيسان عام 1995، في مؤتمر الطفل الفلسطيني الأول، تكريما للطفل والتزاما باتفاقية حقوق الطفل الدولية، التي صادقت عليها دولة فلسطين رسميا عام 2014، والتي تتفق موادها وأحكامها مع قانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004. لكن المراقب لأحوال أطفال فلسطين، سيجد أن الواقع مختلف تماما عن نصوص الاتفاقيات الدولية وبنودها، وأن الصورة عن قرب تبدو صادمة ومحزنة ومأساوية.

لقد حرم الإحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه، أطفال فلسطين من العيش بكرامة وسلام،  وانتهك ما كفلته لهم الأديان والشرائع والمواثيق والإتفاقيات الدولية، من حقوق أساسية وإنسانية، كالحق بالحياة واللعب، والتعليم والمشاركة في أنشطة ثقافية وإبداعية، فاعتدى على طفولتهم إما بالقتل أو التهجير، أو الاعتقال والتعذيب، أو حرمانهم من ذويهم، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على إحدى المظاهر القاسية التي تعيشها نسبة كبيرة من الأطفال، والتي نتجت عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للاحتلال، ظاهرة أشبه بالموت البطيء والتعذيب المستمر للطفولة ألا وهي عمالة الأطفال.

تعتبر ظاهرة عمالة الأطفال انتهاكا لاتفاقية حقوق الطفل واتفاقيات العمل الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تحرّم جميعها تعريض الطفل لأية مخاطر تمس صحته الجسدية والنفسية، وتحظر عمل الأطفال تحت سن الثامنة عشر، ولقد زاد انتشار هذه  الظاهرة  في الآونة الأخيرة نتيجة أزمة كورونا، وازدياد نسبة الفقر في فلسطين. بالكاد تخلو اليوم الأعمال التجارية والسياحية، والمصانع والورش والمشاغل والأنشطة كالتعدين، والمحاجر وورشات البناء، ومحلات إصلاح السيارات والزراعة والصناعات التحويلية من الأطفال العاملين، عدا عن المنتشرين في الشوارع والمفارق وعلى البسطات، وفي أسواق الخضار الشعبية، وعلى الإشارات الضوئية بصورة تمتهن كرامتهم وطفولتهم، وصحتهم الجسدية والنفسية. بالإضافة لازدياد نسبة الأطفال الفلسطينيين العاملين في سوق العمل الإسرائيلية والمستوطنات، والتي تعرضهم لشتى أنواع الاستغلال.

المثير للاستغراب هو ضعف ردات الفعل الرسمية والشعبية اتجاه هذه الظاهرة، وإن كانت هناك تدابير وإجراءات، لكن يبدو أنها لم تصل إلى مستوى خطورة الوضع الذي يعيشه الأطفال جراء هذه الظاهرة، وتداعياتها المقلقة عليهم، وعلى الأسرة، والمجتمع فهي أشبه بالصدمة الإجتماعية والثقافية، التي يتعرض  لها الطفل بعد خروجه من عالمه البريء للانضمام إلى عالم الكبار المزدحم، والمليء بالتشوهات والتناقضات، وعندما أجبره الواقع  على أن يصبح كبيرا منذ صغره، وأن يحمل ثقل المسؤولية وهموم الحياة، بدلا من أن يحمل كراسته وألعابه.

عمالة الأطفال سبب مهم في ازدياد الفجوات والتشوهات والتناقضات الاجتماعية والثقافية في المجتمع، وتعيق تفاعل الفرد في المستقبل تفاعلا إيجابيا في مجتمعه، لذلك، إذا كان الأطفال نصف المجتمع وأغلبية أطفال فلسطين يعيشون واقعا خارجا عن المألوف وصعبا،  فلا يجب أن نتفاجأ من انتشار العنف وبعض مظاهر العدوانية في المجتمع، وتراجع القيم، وانتشار الطبقية، وتدني مستويات التعليم والمعرفة، وغيرها من الأزمات التي تضرب تماسك المجتمع الفلسطيني في مفصل، فحسب معظم الدراسات العلمية والتربوية، فإن شخصية الإنسان تتشكل من الخبرات التي اكتسبها في طفولته، والبيئة التي نشأ بها. قد تكون هناك  عدة أسباب، ولكن لا يجب الاستهانة بهذه الظاهرة ومعالجتها على الفور.

 إن القضاء على هذه الظاهرة، ليس مطلبا إنسانيا فقط، وإنما هو مطلب وطني في الدرجة الأولى، للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني ومستقبله، مع أهمية تحليل إشكاليات تطبيق اتفاقية حقوق الطفل في فلسطين ومعالجتها، وتفعيل دور لجان التفتيش العمالي، ودور النقابات العمالية لمنع  تشغيل الأطفال في سوق العمل الفلسطينية والإسرائيلية، وحمايتهم من كل اشكال الاستغلال، وتتبع ظروف حياتهم  وتوفير الرعاية والتأمينات والحماية الإجتماعية لهم، والتعامل معهم أنهم خط أحمر غير مسموح التعدي عليه. وهذا يستوجب وضع التشريعات والقوانين التي تعاقب كل من ينتهك حقوق الطفل.

أخيرا، إن الديمقراطية الحقيقية، لا تتجسد فقط في صندوق الإقتراع، وإنما بضمان ممارسة الفرد حقوقه التي كفلتها له كل الشرائع والقوانين، والالتزام بتطبيق الإتفاقيات الدولية وأحكامها، ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع، كي لا تفرغ النصوص من مضمونها، لعل الإنتخابات القادمة، تكون بوابة الفرج لأطفال فلسطين، وأن تحمل صناديق الإقتراع واقعا وضمانات أفضل لهم، أن يعيشوا بكرامة وبروح التسامح والحرية والمساواة والإخاء، الكل مسؤول أن يعود بريق الحياة لأطفال فلسطين، وفاء بالعهد لشهداء الطفولة وأسراها، ووفاء بالعهد لفلسطين، وللقائد الرمز ياسر عرفات الذي كان مؤمنا أن تلك اليد الصغيرة لأشبال وزهرات فلسطين، سترفع يوما ماعلم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن وكنائس القدس.