تكريم ثقافي بديع في رام الله لمبدعين روّاد من مدينة القدس بقلم منجد صالح
تاريخ النشر : 2021-04-05
تكريم ثقافي بديع في رام الله لمبدعين روّاد من مدينة القدس  بقلم منجد صالح


تكريم ثقافي بديع في رام الله لمبدعين روّاد من مدينة القدس

بقلم: منجد صالح

وصلتني قبل ثلاثة أيام دعوة جميلة "مُزنّرة" عن الشمال وعن اليمين بشريط من النقش الشعبي الفلكلوري الفلسطيني الكنعاني، من إتحادنا النشيط "الإتحاد العام للكُتّاب والأدباء الفلسطينين".

الدعوة في كُنهها ومكنوناتها الداخلية، نصها وسرده، والخارجية، إخراجها وشكلها الفنّي ومظهرها وعناوينها، غاية في الرقي والأناقة وصوابية وعمق التعبير والمدلول.

عنوانها الرئيس وبالخط الأحمر العريض، شعار: "من يكتب يُقاوم ومن يُقاوم ينتصر".

يليه ديباجة: دعوة:

يدعوكم الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين لحضور إحتفاليّة:

تكريم الأديب الكبير محمود شقير لبلوغه الثمانين سيرة ومسيرة

وتكريم مؤسسي وفواعل ندوة اليوم السابع في القدس تقديرا لدورهم الأكيد في تعزيز ثقافة القدس العاصمة، بعد مُرور ثلاثين عاما على تأسيس الندوة

الزمان: الأحد 4-4-2021 الساعة الواحدة بعد الظهر.

المكان: بلديّة البيرة- مسرح مركز البيرة لتنمية الشباب والطفولة "خلف مبنى البلديّة"

حضوركم وفاء لفعل الثقافة وثابتها المكين

فلسطين: 4 نيسان 2021

إنتهى نص الدعوة بمحتواه البديع.  

إتحاد كُتّابنا سفينة تمخر عباب البحر، بحر الأدب والشعر والنثر والثقافة، بإقتدار لافت، يقودها رُبّان ماهر مُجرّب وفيّ حريص على سيرة ومسيرة الروّاد الأوائل من الكتّاب والأدباء، وعلى تكريمهم على عطائهم خلال نصف قرن من الجهد والعرق والسهر والإبداع وحفظ الثقافة الوطنية، ثقافة شعب عريق صلب لا ينحني إلا لله عز وجلّ، يرزح تحت إحتلال بغيض منذ أكثر من سبعين عاما.

بدا مسرح بلدية البيرة فسيحا بعض الشيء، حادّا قليلا في ارتفاعه، يبدو من أول صف إلى آخره وكأنّها عملية تسلّق جبال، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار متوسط أعمار الحضور الذي ربما ينوف على الخمسين عاما سديدا مديدا.

كما أن المسرح يقع في مستوى طابقين تحت الأرض، ومع الكمّامات الواقية التي يعتمرها معظم الحاضرين نحتاج إلى مسرح يرتفع طابقين عن سطح الإرض لاستنشاق مزيد من الأكسجين خلسة من تحت الكمّامة أو من خلال مسامات فيها.

وصلت قبل بداية الإحتفال أو الإحتفاليّة الثقافيّة الأدبية الوطنية، سلّمت بصوتٍ عالٍ، كان الصفّ الأوّل من المدرج مشغولا جزئيّا، وهو عادة ما يُحجز لكبار الشخصيّات وللمُكرّمين، إتخذت مكانا في الصف الثاني بجانب ممر الوسط، بجانبي على يميني كرسي فاضٍ، يشغل الذي يليه رجل بتقاطيع وجه غاية في الجديّة والصرامة، تتجلّى حتى من تحت كمّامته الموثوقة بإتقان.

إستمرّ الحضور يهلّ "زرافاتٍ ووحدانا" حتى ربما إمتلاء المسرح بالثلثين من سعته.

تحفّز الشاعر جمعة الرفاعي وفرك يديه عدة مرّات وهو يقترب من درج المنصّة إيذانا بصعوده عليها.

إفتتح الحفل كعريف له بكلمات لطيفة مّرحّبا بالحضور وبالمُحتفى بهم، كلماته كانت "ترنّ" زاحفة من بين شفتيه ما بين الشعر والنثر، مزيّنة بموسيقى الإلقاء الجميل المُنمّق.

أعطى الكلمة الأولى لربّان السفينة الواثق من سلاسة مياه البحر وبأن الرياح تهبّ كنسيم عليل تماما كما تشتهي سفينته المُتّجهة مباشرة ودون أية إعاقات إلى برّ الورد والبنفسج وأكاليل الغار يُموضعها في مكانها المناسب، مكانها العزيز، مكانها المُعتبر المُفتخر، على رؤوس الكاتب الكبير محمود شقير لبلوغة سنّ الثمانين عطاءا في سبيل الوطن، وأكثر من نصف قرن من العزف الأركسترالي البديع على أوتار الأدب والثقافة والقصة والقصة القصيرة جدا وأدب الأطفال، وحصنا وسورا منيعا من الثقافة يُسيّج القدس وأسوارها وأسرارها وحواريها وأزقّتها بالكلمة المكتوبة التي هي مقاومة تؤدّي حتما إلى الإنتصار.

"نحن هنا لكي تُكرّمنا القدس، لكي يُكرّمنا محمود شقير، لكي يُكرّمونا روّاد ندوة اليوم السابع في القدس"، صدح صوت مراد السوداني الجهوري الشاعري، الأمين العام لإتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، وأبدع في كلمته مُعدّدا مناقب ومزايا وصفات وإنتاج وحصاد المُحتفى بهم التي ربما لا تُعدُّ ولا تُحصى.    

"القدس تُكرّمنا" قبل أن نُكرّمها نحن، فالقدس درّة التاج وعاصمة فلسطين الأبدية، حاضنة التاريخ والدين والإيمان، حاضنة الحضارة والثقافة والمعراج إلى السماوات العُلا، ومسرح العّهدة العُمريّة، وحصن الناصر صلاح الدين الأيوبي، ومهد كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وتوالى التكريم من على منصة المسرح التي إعتلاها مراد السوداني والشاعر القدير المتوكّل طه والأديب أسعد الأسعد والروائي عاطف ابو سيف، وزير الثقافة وواصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذيّة مسؤول المنظمات الشعبية.

وتوالى المُكرّمون بعد محمود شقير في الصعود إلى المنصة لنيل شرف التكريم، مؤسسو ندوة اليوم السابع في القدس، على رأسهم الأديب جميل السلحوت وديما السمّان والشاعر أبو غربية وآخرين ... .

ألقى كل من واصل أبو يوسف ود. عاطف أبو سيف وأسعد الأسعد وجميل السلحوت والمتوكّل طه كلمات مُعبّرة تفيض أناقة وثقافة وتاريخا وتبجيلا بالمُحتفى بهم بهذه التظاهرة الثقافيّة الوطنية الجامعة، حيث حضرها أدباء وكتاب وشعراء من مناطق ومحافظات عديدة من أرض الوطن، بالرغم من الصعوبات والتقييدات التي تفرضها جائحة الكورونا وجائحة جنود الإحتلال المتمترسين في كلّ زاوية من زوايا وطننا المُغتصب لجعل الحياة الصعبة أصلا مُستحيلة.

رأيت من بين الحضور الكاتبة والأديبة الأنيقة شيراز عنّاب التي أتت من مدينة جبلي عيبال وجرزيم، من جبال النار، مدينة الكنافة والصابون البلدي التقليدي.

الإحتفالية كانت مساحة للفرح وللإلتقاء بالأصدقاء والأحبة ورفاق الدرب الأدبي الثقافي، فسحة للسعادة بهذا التكريم الواجب الذي كان في محلّه وفي أهله، ولا يمكن أن أنسى بسمة محمود شقير وهي "تفطّ وتنطّ" من فمه ومن بين كلماته الهادئة الرزينة شاكرا تكريمه سعيدا ومُبتهجا بهذا التكريم وهذه المحبة والمودة الغامرة التي أحاطته من المُكرّمين ومن كافة الحضور.

هنيئا ومباركا التكريم بالدرع تُزيّنه خارطة فلسطين وبالشهادة التقديرية بالإسم واللقب، مبارك ل محمود شقير ومبارك لروّاد ندوة اليوم السابع في القدس.