خواطر.. "وَعيُنا اللاواعي" بقلم أسيل محمد الجبالي
تاريخ النشر : 2021-03-13
خواطر .. "وَعيُنا اللاواعي " 

بقلم: أسيل محمد الجبالي 

( تفعلُ النوايا والاعتقادات التي تشكل جزءاً من مخزون اللاوعي ، تلك التي نحملها في عقولنا غير ملتفتين لها ولا آبهين .. مرتكزين على قليل المواقفِ العميقة التي تعرضت لنا في حياتنا أو كثير المواقف التي تطفو على السطح بتبلّدٍ لا تلوي على شيءٍ، في اللاوعي الذي يختبئُ فينا وننطوي فيه فعلَ الدوار المفاجئ الذي يُباغِتُ الجسدَ على عجل .. فترانا حين يأتي ذِكْرُ أحدهم أو لعله حدثٌ أو شعورٌ ما .. تتكدَّسُ المشاعر المختلجة في اللاوعي والزوايا الأولى أو الأخرى التي اتخذناها مرجعاً ثابتاً لا يتغير باعتقادنا ، في وعينا الحاضر وكأنما هي الحقيقة كلها ويتغيَّبُ معها الوعي للموجود .. وكأننا نعيد شريط الإحداثيات التي رسمناها في مراجعنا الذاتية عن كل شيءٍ قد مررنا به قبلاً أو لعلنا احتفظنا به في ذاكرتنا التصويرية التخيلية نقلاً بالسماع عن سرد قصةٍ ما .. لربما جريدةٍ ما .. فاهٍ ما .. ونغيّبُ تماماً حضورنا الكامل .. وعينا اللحظي الآنيُّ بما يحصل الآن .. وبمعطيات الزمن الحالي .. بالتغيرات الجديدة .. بالهيئات الجديدة التي قد لا تتصل ولا حتى بواو عطفٍ مع سابقتها المختلفة .. مع طورٍ جديد لا شبيه له قد سبق .. وتلازِمُنا كل الملامح القديمة نُلبِسُها بلاوعينا لشيءٍ قد وُلد للتوّ .. حدثٍ ما .. بريئاً كان - جزئياً أو كلياً - مما مضى .. يخاطبُ فينا إحداثيات تواجدهِ الجديدة .. تغيرت في تطوره السلوكي أو الفكري، أو خلال انتقاله من طورٍ زمنيٍّ إلى طورٍ زمنيٍّ آخر وبلا أدنى جهد منه يُذكَر .. ولكن الشيء الذي يجب أن نمايزه ونعطيه فرصةً جديدةً وعلى ضآلة احتمال تغيره الجذري إن فُهِمَ على مهلٍ سابقاً ... هو الحاضر الذي جعله هيئةً لذاته .. فإنّ ما يكون في الوعي بدون إسقاطِ أحكامٍ سابقة .. قد يغير ويعيد هيكلة العقل اللاوعي ليكتسب هو أيضاً مرجعاً جديداً أكثر صحةً وأوسع قدرةً على الفهم والتفكر .. فإنّ العقل الذي لا يُغَيّبُ بالحكم اعتماداً على ما سبق ويفتح آفاقاً للتفكر المتجدد .. يبصر العالم فيما حوله بعينٍ أوسع حدقةً وأغزر علماً .. و إحداثياتٍ أجدى لكل ما هو موجود .. فَحِينَ يحضرُ العقل ويفتح بابه للتفكر بأن يكون مستعداً للتغيير الإيجابي البناء لكل ما هو مفيد ولكل ما يجعل بصره أكثر حدَّةً وأوسع مدىً، يتغير تباعاً له ومعهُ اللاوعي بالضرورة ليكون أغزر علماً وأكثر تقدماً وتقبّلاً وسعادةً وهدوءاً بمعرفته التي لا يحدّها بتغليقه لأبواب الوعي والاعتماد على مخزون اللاوعي وإن أصبح مهترئ الثياب متقادم الفكر لا ينفتح للتجدد المُجدي .. ففي كلِّ بابٍ تُشرّعُهُ للفهم يتسعُ معه أفقٌ للحياة لو ترى !)