قصة قصيرة.. "مجردُ حشرة" بقلم بكر السباتين
تاريخ النشر : 2021-03-06
قصة قصيرة.. "مجردُ حشرة"

بقلم بكر السباتين.. 

تقدّمَ من موكبِ الزعيم وفي يدهِ مديةٌ يستخدمها في تقشير ما يظفر به من رزق، يزاحمُ الكلابَ الضالةِ وقططَ الأزقةِ خلف المطاعم الفخمة.. وها هو يتلمسً بعصاه الأرضَ والأشياءَ وسياراتِ ضيوفِ المطعمِ المحاطِ بغابةٍ من أشجار البلوط.. كان الرجلُ المجهولُ يجرُّ أذيالَ ما ارتدى من أسمالٍ بالية، لم يخطرْ ببال حرسٍ الزعيم أنّ هدفَهم كان مجرد إنسان كفيف يبحث عن معنى للحياة في مخلفات المطعم الذي خرج منه موكب الزائر المهيب..

"مجرد شيء.. أي كائن!"

فاستحكم الحرسُ في مواقِعِهم..

صرح القائد محذراً:

"إرهابي متنكر.. خذوا مواقعكم".

طوق الحرسُ الضحية، بدا كجيفةٍ نتنةِ، ضئيلاً أمام ضخامة أجسامهم وهم يرتدون الأطقمَ الأنيقةَ السوداءَ المعطرة، و أعينُهم المتربصة تمسحُ المكانَ من وراء نظاراتٍ سوداءَ قد يطعم ثمنُ الواحدة منها عشرين جائعاً لمدة يوم على الأقل.. وفي لحظاتٍ سادها الترقب، جأر صوتُ قائد الحرس الشخصي عالياً، محذراً هذا البليدَ الأبلهَ الذي جعل يتلمس الأشياءَ بعصاه دون أن يدركَ الموقفَ الجللَ الذي وُضِعَ فيه:

" أطلقوا النار"

فتحول المشهدُ إلى جحيمِ في لحظات.. زخاتٌ رصاص خرجت من فوهات بنادقهم الآلية ولمعتْ كالشهبِ في السّماء الكئيبة، أصابت هدفها، ذلك الكائن المهمش الذي قضى عمره في هامش الحياة وقد تصلب مكانه، فأورقت شفتاهُ ابتسامةً بلهاءَ ثم فغر فاهُهُ.. ضمَّ بطنَه الضامر ثم رفعَ يدّيْه إلى السماءِ.. وراحَ يتلوّى من شدةِ الألم، حتى خارت قواهُ لافظاً أنفاسَه الأخيرة.. بدا كأرنبٍ ذبيح يتدلى في يدِ صيادٍ لا يرحم.. تنتفخ أوداجُهُ وتتحشرج أنفاسُهُ كديك حبش ذبيح.. تخور قواهُ حتى السكونِ الأبدي.. وقد غرق في بركةِ من الدماء.. وبحذر شديد،:

"أوقفوا النار"

قالها القائد وهو يتقدمُ من بركةِ الدماء التي تخضَّبَ بحمرتِها جسدُ الكفبفِ العاجز..

"كانت لحيتُهُ المُهملةُ توحي بأنّه إرهابيٌّ يحمل مدية في يده"

شيءٌ خطرَ في بال القائد وهو يترحّم على الضحيةِ مردداً على مسامع أحدِ الصحفيين:

"الحقُ على القدر الذي أهمَلَ أمثالَه! فلمْ ينصفْهُ في هذهِ الحياة،، لقد قمنا بواجبِنا ولا نملكَ إلا أنْ نقولَ رحمه الله.. وكفى"

كفى! هكذا بكلِّ بساطة!!

ويصبحُ القدرُ متهماً!!

لا تعليق..

ففي زمنِ الرياءِ يتحولُ كرنفالُ الموتِ المجانِيِّ الذي يسقطُ في أتونِهِ أمثالُ هذا الكفيفِ إلى مهرجان تحتفي به الصحفُ ببطولاتِ فرسان الوهمِ مع طواحينَ الهواءِ ومسنناتُها تهرسُ المتعبين.. ويتحولُ الأمرُ برمتِهِ في لحطاتِ إلى حالةٍ دفاعٍ عن النفس..

والضحيةُ!!

مجردُ حشرة!