إصدار كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" للكاتبة حنان عواد
تاريخ النشر : 2021-03-02
كلمة د. حنان عواد
في احتفالية
إصدار كتابها "ذاكرة الترف النرجسي"

من نبض الروح،واشراقاتها وعمق الفكرة، وخيوط الماضي واسترسالها مع الحاضر المشرق بحضوركم أصدقائي الأعزاء وضيوفي الكرام ،أحييكم، وأرحب بكم في هذه اللحظات الرائعة التي جمعتني بكم،لأطلق كتابي "ذاكرة الترف النرجسي"،بحضوركم الوضيء،أخوة ، قادة ، وأصحاب قلم حر.

وأحيي باسمكم فخامة الرئيس محمود عباس ، وهو يخوض معركة الكرامة الوطنية، والذي جعل من الكلمة الفلسطينية دستورا للحرية. كما وأحيي قادة ثورتنا البواسل، من رحل منهم وحملنا الأمانة، ومن لا يزال يظللنا بحضوره،ودفء رعايته في ذاكرة الوعي الثوري .

ولشهداء الكلمة وعباقرة الفكرة كل التحية المضمخة بالوفاء، ولأسرانا البواسل عهد الفداء.

كما أحيي الرجال الأوفياء الذين تحملوا الصعب من أجل أن يبقى الوطن موحدا ، وأخص بالذكر سيادة الاخ اللواء جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي يقود جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس  في ظروف استثنائية، قادت وبنجاح الى اصدار سيادة الرئيس محمود عباس مرسوم اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية،نبارك جهودكم و نتمنى ان تتكلل بالنجاح والتوفيق ، وتحقيق الوحدة الوطنية بين كافة مفاصل الوطن .

وذاكرة الترف النرجسي،هو رؤيا الذات المعززة في سياقات متعددة ومختلفة الحضور،بدءا بالميلاد والعلاقة الاسرية ، ثم توهج روح المعرفة التدرجي في أزمانه المتعددة.

تحفل الذاكرة بمساحات امتداد حياتية، سياسية ، ثقافية وانسانية،ومحاولة استحضار أحداثها المنقوشة في الذهن وفي الروح، في محاولة تجريبية في بعث الرؤيا من جديد، والاطلالة على الذات بآفاقها المتعددة.

عندما بدأت بالكتابة،شعرت أنني أدخل عوالم شائكة ومتداخلة الحضور، وأخذ قلمي على وقع الروح والضمير،يمتد باسهاب، وفي بعض الأحيان لم أستطع ايقافه ولا مجاراته، كان يسبقني بخطاه، ويشدني الى السير معه بنبض كل دقيقة، فقد عبر بي الى الطفولة ، الشباب ، الدراسة ، الثقافة ، الوطن ،  والجوانب النضالية والانسانية التي طوقت روحي وطافت بها في آفاق متعددة الألوان والصور،وقد فاجأتني بالحضور المكثف حين كان ذهني ينقل تفاصيل البوح، وكأنه يتسع كالبحر واطلالة الفجر، فسرت معه في معنى النضال والتضحية والحب المتسامي.

أن تكون كاتبا في ألق الثورة، يعني أن تكون كلماتك سيفا مسلولا وبندقية مجهزة الزناد! ، وان تحلق في العالم برسالة الكبرياء!  ، وان تكون محور الثقة لقادتنا العظماء! ، كل هذا بالصور الابداعية والفنية التي ترسم حضورها الزمني بعتق الثورة ، والشخوص التي التقيتها في كل مرحلة، وتنير سطورها ذاكرة العظام،الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات ( أبو عمار) ،القائد خليل الوزير (أبو جهاد) ،  صلاح خلف ( ابو اياد ) وغيرهم من رجالات  الثورة الفلسطينية  العملاقة، والذين قبل أن ألقاهم عرفتهم في ضوء ملائكي أخاذ، ولما عرفتهم عن قرب،أدركت عظمة التاريخ الفلسطيني.

كما ان اللقاء بالشخصيات الابداعية ، السياسية والعسكرية لا يمكن حصره، ولكنني بقدر ما أستطيع، حاولت اعطاء الكل حقه في الرواية والواقعية، بدءا من مدينتي وعشق روحي القدس،التي أودعت بها قلبي،وجندت لها قلمي، وانطلقت منها الى الكون في الترحال المعرفي، والتجوال السياسي الثوري لرسم صورة اعجاز البدء فلسطين.

أذكرها بلحظات الفرح،أذكر ملامحها،وشقاواتي بها،وتحركاتي في أزقتها وشوارعها،وصوت الله أكبر،وأجراس الكنائس،وتنهيدات أسوارها،وشعبها البسيط العميق النظرة، المتوهج الأداء ،الذي أحاطني بكل الرعاية والحنان،وأذكر الألم في تجربة الاحتلال،والفقد المعذب .لحظات تعذبني وتوجعني، تنقلني الى الأهل ،الجيران ، والاصدقاء، تنقلني الى الانتفاضة المباركة المشرفة ،الى وقفة الشباب المقدسي المشرفة، وديمومة النضال في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي .

كم كانت رائعة ولا زالت مدينتي المقدسة ، التي جسدت بها تجربتي الانسانية، السياسية، المعرفية والأدبية في فضاءاتها الرحبة، لأنقش بهمسات الروح الوجود البشري والتكون الانساني المرتبط بوطن يتحرر، وانسان مقاتل.

وكان والدي رحمه الله وطيب ثراه ،الرجل الاول الذي رسم وجودي وكبريائي، لفعني بالحنان ،المعرفة والحرية وقهر المستحيل ،وحصنني بالثقة،وشكل من بحور ثقافته كلماتي ، وما زالت امي اطال الله بعمرها  السيدة الاولى التي انارت لي الدرب بدعائها الدائم لي بالنجاح والتوفيق في حياتي الانسانية والعملية . كلاهما علمني معنى الالتزام ، وشكلا أناقة روحي، وغرسا في قلبي ووجداني حب الوطن ، ونقشا لي حروف الكبرياء بوهج نقاطها، لتكون كرامتي هي كرامة فلسطين.

وحلق قلمي في دائرة الفداء، واللقاء مع قادة الثورة الفلسطينية بنار لا يتوقف اشتعالها الصوفي، وكلمة بدء في سفر تكوين فلسطين .

قصص كثيرة تراها في السيرة،قناديل روحية تنطلق من نافذة العمر،مشكاة في الأعلى في النص،وأحداثا معذبة،خاصة أيام الحصار الذي تعرض لها ابناء الشعب الفلسطيني ،كما تعرض لها الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات في الانتفاضة الثانية ، والكتابة عنها كان بمداد الروح والجرح المفتوح، لنعبر تاريخنا النضالي بوعي وجداني انبثاقي من الفكرة الخالدة التي لا تغيب..... فلسطين،الأرض والانسان.

وكذلك في رحلة الابحار الى العالم العربي والعالم،بروح منظمة التحرير الفلسطينية،الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا،وقادتها وكوادرها.

في كل موقع ذكرى وأشخاص أعتز بهم،وكلمات تطوف اليهم الى أبعد القارات، بامواج العشق وتحديات كبرى وقرارات. زعيم رمز حملته بقلمي على أجنحة الحب والانتماء الدائم، وفلسفة الوجود، وقائد رسم الخطوات الشهيد الراحل خليل الوزير ( أبو جهاد) ، أذكره يصفاء الروح ، وأتوقف عنده طويلا بعبير الذكرى ، والحديث عنه حديث بايقاع خاص، منقوش بشذور الذهب، مدثر بحنين الروح، مرسوم في أعماق النفس، لا تكفيه الكلمات بفيضها مهما ارتقت ولا الايقاع.....

"نص أزلي معلق على شجرة الخلود "،

عملاق الفكرة في مدن البراكين ،

أفق منقوش على دعاء الأرض ،

 أنه قامة ارتقاء الأنا البطولي في استراتيجية الكفاح الأسمى.

ربطني به معيار الكبرياء،وروح الثورة،ومطلقية الثقة التي منحني اياها وعبقرية الانسان.

وقادة عظام بلغة الروح والموقف،أبو اياد،خالد الحسن،هاني الحسن،فاروق القدومي ،سليم الزعنون ،أبو العباس،جورج حبش ،سمير غوشه وغيرهم من النخب وعمالقة الثورة والقلم،الشهيد الميدع غسان كنفاني،كمال ناصر، وكل شخصية نضالية ذكرتها بكل فخر واعتزاز، وبعبير روحي أخاذ واضاءة لا تخفت، وربطتني بهم وشائج الثورة وروح الانسان.

مدن ينتشر منها عبير العشق والوفاء، مهرجانات ضخمة بنبض الكفاح، وتساؤلات فلسفية ولدتها التجربة،لتلقى الجواب تفصيليا في الخاتمة والتي تحمل الآفاق الفلسفية في حوار الذات، والاعتراف بعذوبة النرجس الذي شكل شجرة باسقة في سفر تكوين فلسطين .

هذا شيء مما حملته سطور كتابي " ذاكرة الترف النرجسي ".

وهو ابداع السماء في موهبة العاشق المبدع، وهو يصوغ كلماته بشذور الشوق والاكتحال بجمال فلسطين ، والجمال الأخاذ لروح محملة بأمانة التصوير ونقل الحدث بواقعيته ، مضيفة اليه الأبعاد الفنية التي تليق بالنصوص.

قدسية آتية من غيوم الاسراء ، مدثرة بوطن المنافي بدم الولاء المرصع بالنجوم، تسافر ثانية لحظاتها اليها،وتستعيد خلقها المتجدد،ونبضها المبعوث من جديد،ببحر الحياة الوليد في ربيع الأقحوان وخيوط الكوفية والقسم.

أن تكون فلسطينيا يعني ان تمتشق كوفية الوفاء .......

فكيف يمكن أن نرسم بمداد الروح صورة الاعجاز، وسحر الحضور المتوج لقائد مسيرتنا الزعيم الخالد ياسر عرفات، بروحه الانسانية وقدرة القرار ورسم الانتصار؟كيف يمكن أن تحمل كلماتي صورته في مواقف ومواقع متعددة سجلها المجد ، ووحي الروح وضمير الفكرة؟قامة شامخة في كل المواقع،ورجل حاصر الحصار بلهيب نار روح التحدي  والصمود.

في نقش وشم تجربة درامية مضمخة بعبير الروح في الحضور الذهني والوجداني، وصعود الكلمات في بدء الرحلة،في نصوص التجليات الفكرية والسياسية،ورسالة عبوري الى العالم بصوته ورعايته، وتوصيف حالة الحصار ورحلة الصعب التي عاشها الرئيس وشعبه،والتي صاغت الصورة التكاملية الحضور لانسان متفرد القدرات في الثورة وفي بناء الدولة ، وعبور الذات في أعماق النرجس،لأرسم صورة ارتقاء الاشواق في مطلق الوطن  المعبود.

كان لي الأب والأخ والصديق،والمحفز والداعم والمشجع لكل خطواتي،هو من رسم الابتسامة على شفتي ، ومسح الحزن من عيوني ، وفجر طاقتي من نبل حنانه ورعايته...فكيف أنساه..وكيف ننساه؟! .

"يا أيها النبي العربي الذي أحبني،لا أعدك بشيء سوى الوفاء،وأقول لك:"ان الحب تجربة خاصة تكتب فوق الرمال وفي صحراء الروح،وهي غير قابلة للكسر،لعلها خلقت لنا،ولنا وحدنا،وهي لا تنتهي بانتهاء الوقت،أو بعوامل الصمت،لان الرمال تتشكل تحت حبات المطر،وتعود لترسم الصورة وتشكل خلود الروح ولوحاتها الليلكية."

حلقت بأجنحة الكرامة،وبحور الأشواق والأمل بالنصر،ورحلة الطواف المطلق نحو الحق والحرية،لأتوقف عند الألم الفاجع في وداع السيد الرئيس،

أشباح الفراق تدنو،عصافير الجنة تعلو الى هناك، فضاءات فلسطين ترقى الى صرح الملائكة،الأشجار تعانق السماء،والأرض تنحني اجلالا،وصوت الآذان ينطلق من المسجد الأقصى،ينضح روحه بآيات القرآن الكريم وبجموع المصلين ودموع العاشقين..الله أكبر ..ألله أكبر .

وداعا يا فارس فلسطين!.

 وكان وداعا معجونا بالدم.

دم يراق على أبواب ربيع العمر،والدم فلسطين،والمجد أنت فلسطين.

كلما وقفت على روابي الذكرى،وامتدت أمام عيوني تفاصيل الغياب الحضور،أطوف في فضاءات تعدو منها الطائرة التي أقلتك الى هناك وأنت تلوح لنا عائدا الينا من خلف الضباب،ومن خلف الجدران الموصدة،والأبواب المغلقة والأسلاك الشائكة والعذاب.

مرارة الوجد المحترق وعذابات الروح تخيم علينا،وكأن الزمن صار رمادا،وكأن الكون اختفى منا،وصرنا أفقا ضبابيا بلا حدود.غادرتنا الشموع،وصاحبنا الهوى المفقود،وأمطرتنا دموع القلب نارا.

وصقلنا الموت حتى نسينا أسماءنا، وتاهت بنا أيامنا، وانطفأت وجوه العاشقين.

قبلة الحب التي كانت لنا هناك،غادرتها أركانها،وغاب النور عنها،والحنين منها، موشحة بالسلاسل،وغياب المقاتل.

هنا توقفت، وتوقف قلمي في وصف الذاكرة ،  وتوقف الزمان معه برحلة الخلود.

ودعت الرئيس وودعت المرحلة ، وأنا لا زلت أعيشها حتى هذه اللحظات، بلحظ واقعها ونبضها وتجليات روحها ، وشخوصها وبحور عطائها وخيوط شمسها، واطلالة قمرها،وكأن الزمان قد توقف هناك،ووقفت معه،أودعتها في قلبي وفي ذهني وعلقتها على أغصان غصين شجرة الخلود..

وداعا يا فارس فلسطين.........

رغم أنني توقفت في مرحلة الغياب،لكن قلمي لم يتوقف ، ورسالتي لم تتوقف، ورسالة أحرار فلسطين والعالم لن ولم تتوقف، وستحملها الأجيال من بعدنا في وقفة نصر، وعز، وكرامة .

ولا زالت روح الرئيس الشهيد الراحل ، وارواح شهداء الشعب الفلسطيني ، تحملنا الأمانة ، وتكتب الوصية ، وتخاطبنا روحه الطاهرة:

" لا تخجلوا ولترفعوا عيونكم الي

لأنكم معلقون بجانبي على مشانق القيصر

لا تخجلوا

ولترفعوا عيونكم الي

لربما

اذا التقت عيونكم بالموت في عيني

يبتسم الفناء داخلي

لأنكم رفعتم رأسكم مرة

لأنكم رفعتم رأسكم مرة

لأنكم رفعتم رأسكم مرة ." ( أمل دنقل )

 
ولا زال القنديل يقف على النافذة منتظرا لحظة الانتصار .......