عن كتاب أيام.. كلام وخطا خالد جميل مسمار بقلم سليم النجار
تاريخ النشر : 2021-03-02
عن كتاب أيام.. كلام وخطا خالد جميل مسمار      بقلم سليم النجار


أيام.. كلام وخُطاً  د خالد جميل مسمار

(البحث عن الحلم الموعود )

بقلم: سليم النجار
في وسط هذا الركام الهائل من المطبوعات عن السير الذاتية والتي تبدو لكثرتها انها مواكبة عصرها ؛ ولكنها في الحقيقة تناقض واقعها ؛ بل لا تعدو الحقيقة إذ قلنا انها تعادي زمانها .. يظهر لنا ( كتاب ايام .. كلام وخُطاً " رحلتي " ) ؛ للدكتور خالد مسمار الصادر حديثاً في عمان.

الكتاب رصين في الشكل والمضمون ؛ موثق ؛ هادئ ؛ قلم الكاتب مشحون بالخبرة عمقاً ؛ ومتسع الافق بالمعرفة علماً ٠٠٠ وهنا لا بد ان نستذكر ما قاله توماس مان ؛ ( لا يعيش الفرد حياته الشخصية فحسب بل ايضا حياة عصره وحياة جيله ).

هذا الكتاب ؛ بحث معمق في تاريخ الإعلام الفلسطيني وحزء من سيرة الكاتب خالد مسمار.

يتناول المؤلف عبر فصوله الثلاثة اثر الأعلام في تاريخ القضية الفلسطينية ؛ ودور اعلام الثورة الفلسطينية في نقل صورة الفدائي الفلسطيني للعالم ؛ كما كانت الإذاعة الفلسطينية احد اهم روافد الأعلام والتي واكبت كل معارك الثورة الفلسطينية ؛ ومضمارها في خنادق المقاتلين ؛ إذ استطاعت إذاعة فلسطين وعبر اثيرها نقل الصورة الحَيّة للحدث الفلسطيني٠ 

بعيداً عن حياكة وفبركة الخبر الفلسطيني على مقاس تجّار الدم وامراء الأيديولوجيا.

في سياق منهجية الكتابة عند مسمار ؛ يستشف قارئ النص انفلاته من سلطة التفسير الأيديولوجي للأحداث والوقائع المسرودة ؛ وهو ما يمكن وضع الأصبع عليه في مواطن عدة من نص الرحلة ؛ فهو يحلل العدوان الثلاثي التي تعرضت له مصر عام ١٩٥٦ ؛ برؤية الذي تعلم من هذا الحدث الجلل ( وهذه الحرب العدوانية جعلتني اتابع المحطات الإذاعية بشغف خاصة صوت العرب الذي تعلمت منه الكثير ص٢٣ ) ٠وفي موضوع أخر نجد المؤلف يقرأ بعض الأحداث قراءة علمية قائمة على التحليل وربط الحدث بمبسبباته ؛ ( اسقط في أيدينا بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧م ٠ فبعد كان عبدالناصر هو الأمل الوحيد بتحرير فلسطين ؛ هزم عبدالناصر ولم نرا أثرا لصواريخ الظافر والقاهر ٠ فوجئنا بالفجيعة وكانت نكبة جديدة لنا نحن الفلسطنيين ناهيك عن العرب كلهم ص٢٧)٠ 

وفي بعض الأحيان يبدي مسمار ؛ في تعامله مع الخبر ؛ ما ينهض حجة على وعيه التاريخي والسياسي وعمق التفكير وبُعد النظر ؛ فعندما يصف بعض الأحداث العاصفة التي مرّت بالثورة الفلسطينية ؛ يرى انها كانت مؤامرة تُستثمر لصالح اعداء العرب والفلسطنيين ( كانت الإذاعة في بيروت مصدر إزعاج وقلق كبيرين لنظام حافظ الاسد ٠٠ حيث كانت تكشف أكاذيب النظام وادعاءاته بحماية الثورة في الوقت الذي يقوم بتصفيتها كما حدث في مخيم تل الزعتر وغيره ص٦٥).

أمّا بالنسبة إلى الية المصدر الذي اثث معظم معمار مذكراته ؛ فالفضل يعزى إلى ان المؤلف كان شاهد عيان ومشاركا للأحداث ؛ فروى عنها من موقع المشارك ( ذهبت لأتفقد مكاتبنا في هيئة التوجيه السياسي والوطني في ام الشرايط التي كانت محتلة من قبل جنود الاحتلال طيلة وجودهم في رام الله والبيرة ٠ لأجد أنهم سرقوا محتويتها من اجهزة كمبيوتر وكاميرات ودمرروا كل شيء فيها ٠٠ ص٩٣ ).

واذا كان كتاب الدكتور خالد مسمار ( ايام ٠٠ كلام وخُطاً " رحلتي " ) ؛ متخرَّجًا في هذا الشكل الجامع للخطاب الذاتي محمولاً على الخطاب الجماعي ؛ متجاوزًا لأعراف السيرة المعتادة ؛ متشكلاً في صورة خطاب محمول على التاريخ والثقافة والطرح الوطني وصراع الذوات الحاكية / المحكية داخله التجأ إلى المنهج الثقافي التداولي محاولين تتبُّع مظاهر " المقدمة " ؛ متأولين المضمر والمسكوت والمخفي والمتجاوز ؛ والمسموح بسرده كما ظهر في نص المقدمة ( كنت ؛ وغيري من الكوادر والقيادات٠ 

نكتب وننتقد من خلال الصحف في فلسطين أو اثناء انعقاد جلستنا التنظيمية كالمجلس الثوري لخركة فتح ص١٣ ) ٠
تساهم " رحلتي " لخالد مسمار في اختراق ثنايا المسكوت عنه في تاريخ الثورة الفلسطينية ؛ وتسمح بإعادة سبك اسئلة جديدة ومفتوحة بشأن عوائق التطور التاريخي للإعلام الفلسطيني ؛ ذلك ان نصوص رحلته تبوح بما لم تتمكن المصادر الرسمية الفلسطينية البوح به ؛ لان صاحبها شغّل ذاكرته قي اتجاه سرد تجربته الشخصية ؛ لكن من دون وضعه في مرتبة الذات المتعالية عن مرتبة البشر ؛ كما سائد في معظم المذكرات التي يكتبها العرب.

ولّما كانت الثقافة ؛ تمثل مسرحًا لجملة القضايا العقائدية / المعتقدية ؛ السياسية / المركزية ؛ وبه فهي ساحة تثاقف لمختلف القصايا الإنسانية ؛ إذن وبلا شك ان كتاب ( أيام ٠٠ كلام وخُطاً " رحلتي " ) استطاع أنتاج خطاب ثقافي وفي تسويقه للقارئ من منطلق اللغة الفاعلة ؛ بلغة محكومة بالتباعد او التنافر لأنها تصدر من رجل خبرته الأيام ؛ اذ حَوَلَ الفعل الكتابي إلى نمط من الوجود كواقع ثوري وتثويري ؛ يفتح الآفاق او لعبة السؤال والجواب.