الجالية الفلسطينية بفرنسا مستمرة بمواجهة كورونا بقلم محمد الشمالي
تاريخ النشر : 2021-03-02
الجالية الفلسطينية في فرنسا مستمرة في مواجهة (كورونا)

بقلم /محمد الشمالي 

مع انتشار وباء كوفيد 19 المميت عام 2020؛ واجه العالم بأسرِه تحديات جمّة على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ومثال على ذلك القارة الأوروبية التي لم تكن بمنأى عن هذا الوباء الذي ضرب كل دول العالم، مما جعل فرنسا في قائمة الدول الأكثر تأثّرًا بالفيروس، ووضعها في امتحان صعب شعبيًا وحكوميًا.

تفشّي الوباء في فرنسا، استدعى روح التعاون بين أفراد المجتمع الفرنسي ككل وأبناء الجاليات المتواجدة في فرنسا لمواجهة التبعات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الصحية، وهو ما دفع أبناء الجالية الفلسطينية إلى استنهاض الروح الوطنية عبر التضامن رغم قلة ّ الإمكانيات .

التواجد الفِعلي للفلسطينيين في فرنسا يعود إلى فترة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، كان لهم دورً مميز إلى جانب الجمعيات الفرنسية وأحزاب اليسار الفرنسي في التعريف بالقضية الفلسطينية وتنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والسياسية الجالية الفلسطينية في فرنسا أسست العديد من الجمعيات في عدة مدن، والتي نفّذت فعاليات وأنشطة مناصرة لقضيتنا الفلسطينية العادلة، لكن هذه المؤسسات لم تنجح حتى الآن في بناء هياكل قوية تضمن استمرارها وتطوّر عملها بالتنسيق فيما بينها، فمنهم من توقّف عن العمل منذ سنوات ، ومنهم من اكتفى بإحياء بعض المناسبات الوطنية عبر أنشطة متواضعة كالندوات والمهرجانات والأنشطة الثقافية، إضافة إلى تنظيم بعض المظاهرات والاعتصامات التضامنية أثناء التصعيد العسكري للاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لكن كانت المفاجأة أثناء جائحة كورونا، وما نتج عنها من أوضاع صحية واقتصادية صعبة تأثّر بها العالم كله، هو خلو الساحة الفرنسية من أي تواجد لمؤسسات أو هيئات مجتمعية فلسطينية قادرة على استنهاض حالة التضامن الفلسطيني- الفلسطيني في فرنسا، في ظل ظروف قاسية كالتي مرّوا بها خلال الجائحة وتسببت في أزمات صعبة عانوا منها، تطلّبت الدعم والمساندة السريعة لهم من قِبل أبناء الجالية الفلسطينية، لتمكينهم من الصمود في مواجهة الوباء والحفاظ على سلامتهم.
ورغم أن التواجد الفلسطيني في فرنسا محدود مقارنة بجاليات أخرى، لكن التقديرات تشير إلى وجود نحو 4500 فلسطينية وفلسطيني في فرنسا؛ وهم في تزايد ملحوظ خاصة بعد موجة الهجرة واللجوء في السنوات الأخيرة، ويتركز هذا الوجود في عدة مدن رئيسية خاصة في العاصمة باريس وضواحيها والمدن الكبيرة مثل مدينة تلوز وليون وليل.
وفي ظل هذه الأزمة العالمية وغياب المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في متابعة شؤون الجالية الفلسطينية في فرنسا ، برز نشاط الملتقى الفلسطيني في فرنسا بالتعاون مع مؤسسة الأطفال المنسيين (مؤسسة إنسانية تقوم بمشاريع في الوطن بالإضافة لدورها بالاهتمام في أمور أبناء الجالية الفلسطينية في فرنسا)، والذي ساعد الفلسطينيون في فترة زمنية قياسية في السنوات الأخيرة (هي عمر تأسيس الملتقى) على التواصل والتلاحم ، والذي أنشأ فضاءات للتعارف ومنصات للتواصل وتشجيع التعاون والتضامن بين الفلسطينيين إضافة إلى تقديم الدعم الكامل في مجالات مختلفة والاهتمام بتنفيذ الأنشطة الثقافية والترفيهية.

وبينما كانت الأوضاع الصحية تتفاقم بسبب فيروس كورونا ، وجد الملتقى الفلسطيني في فرنسا نفسه وحيدًا، ليقوم بمهمة استنهاض حالة التضامن ومتابعة شؤون الجالية الفلسطينية في فرنسا، فأطلق حملة توعية عبر منصات الإعلام الاجتماعي للحثّ على ضرورة اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة، وقام بتقديم الإحصاءات وآخر التطورات يوميًا حسب المناطق والأرقام، وزوّد الجالية الفلسطينية بكامل المعلومات المهمة خاصة فيما يتعلق بالقوانين والإجراءات الاستثنائية والتعليمات التي تصدرها السلطات الفرنسية باللغتين الفرنسية والعربية.
ومع تعاظم الدور الذي أدّاه الملتقى بجهود أعضائه (خصوصًا الأطباء من أبناء جاليتنا)، وأصدقائه، ازداد نشاطه في الأشهر الأولى من أزمة الوباء ليشمل المتابعة والتواصل مع أبناء الجالية من خلال الاتصال اليومي مع غالبية أبناء الجالية الفلسطينية في فرنسا للاطمئنان عليهم وحثهم على الالتزام بالتعليمات من أجل سلامتهم وعائلاتهم، ومحاولة تلبية الاحتياجات الاساسية والعاجلة بجهد جهيد، حيث تركز العمل على مساندة الأسر من الفئات الضعيفة والمرضى وأصحاب الرعاية الخاصة كي يتجنبوا الخروج وتعرضهم للعدوى، بالإضافة إلى شراء المتطلبات الأساسية والمستلزمات والمنتجات الشرقية وتوصيلها عبر الانترنت لهم في شتى المدن الفرنسية.

كما أطلق الملتقى أكبر عملية توزيع للأقنعة الواقية على جميع أبناء الجالية الفلسطينية في كافة المدن الفرنسية حيث تم فيها توزيع أكثر من 6 آلاف قناع طبي على ثلاثة مراحل، ولاقت الحملة ترحيب وتقدير من أبناء الجالية. كذلك عمل الملتقى بشكل استثنائي على تغطية الإيجارات الشهرية لبعض الأسر ومساكن الطلبة في الأحياء الجامعية خصوصًا الطلبة غير الحاصلين على منح دراسية منهم والذين مروا في ظروف مادية صعبة، بالإضافة إلى تقديم خدمة الإرشاد الاجتماعي والنفسي لأبناء الجالية الذين تعرضو لاضطرابات في الفترات الأولى للإغلاق الشامل في فرنسا.

كانت الأزمة الوبائية بمثابة التجربة الأولى للملتقى والتي وضعت فريق عمله في امتحان صعب من أجل استنهاض الحالة الفلسطينية في فرنسا وبث روح التضامن والقيام بواجباته تجاه أبناء الجالية ، في الوقت الذي عجزت فيه المؤسسات الأخرى عن تلبية نداء الواجب وتقديم الدعم والمساندة اللازمة لأبناء الجالية الفلسطينية في فرنسا. لكن في ظل غياب المؤسسات المجتمعية الفاعلة وضعف الأداء الرسمي الفلسطيني في فرنسا وصعوبة الوضع الوبائي، لازال الملتقى الفلسطيني في فرنسا مؤمنًا برسالته التي انطلق من أجلها، ويتطلع إلى تحقيق أوسع مشاركة فلسطينية في الساحة الفرنسية من أجل استنهاض الجهود واستكمال الدور الذي بدأه في الحفاظ على أبناء الجالية والدفاع عن مصالحهم، أملًا في أن تكون تجربته نموذجًا يحتذى به في دول الاغتراب الأخرى.