الظلال القصيرة...
تاريخ النشر : 2021-01-05
الظلال القصيرة...
صورة الكاتب


بقلم: محمود حسونة(أبو فيصل)
1- أنتِ مَنْ…

تفتحين الأبواب
تدفئين الكلام
تجعلين الغصن يغني مع الحسون
ترسمين بالغيوم
عوالم على السماء
تظهرين متعددة الأشكال:
سنبلة،أغنية، قنبلة
برد في الصيف
توأم ورد
وردة في وردة
سمكة تسبح في القمر
تحطمين الحكايا
و تهربين من القصائد إلى صوت ناي

ينتظر…
امنحيه همسة
سيجري منها في صدره
بحرًا
امنحيه بعض الكلام
ليرمم عالمه
ليروّض الموت
ليغلق الأبواب
ليتدفأ...
ليعرف كيف ينام

2- لك الحق:

في أن تخطئ
في السفر إلى نجمة
في الثلج، في الموت البطيء
في أن تتعثر، أن ترجع، أن تشيخ، أن تحرق الورق أو الخبز
في وقت الفراغ الطويل، أن تقول: أنا، أن تقول: كنتَ
أن تحب قطة، أن تشتري حصان، أن تحلم بالعسل، بالوحل
أن تعيد قراءة القصيدة أربع مرات...
لك الحق:
أن تعانق ظلك، أوظل وردة أو صخرة، أن تصدق الكذب
أن تاخذ إجازة يوم الأحد أو الأربعاء، وألّا تقرأ
أن تهرب من المطر، ان تلبس المعطف الأسود، أن تنام مع ذراعيك وأذنيك...
أن تشتغل بائع سمك، أن تنهزم، أن تسعل، أن تقلع عينك
أن تقول أنا غزال، أنا نمر، أنا نحاس، أنا ليل، أنا حكاية...
لك الحق:
في الحزن، في البرد، في الحطب، في الجنون
في بساط الريح، في أن تؤخر الخريف
أن تقول عن النخلة: شمعة، أو عنزة، أو بجعة
لك الحق في الوهم!!
لك الحق ألّا تتكلم
ألّا تفهم
الوهم هو المسموح فقط!!!

3- اهرب حالا…

تتوقف عند مفترق طرق يأخذك إلى هناك...
الصور تلتهم عينيك
قالت لك آخر مرة :
لا تفتح عينيكَ فتحترق المدينة
أو يصيبني العمى…
ما هذا الهراء؟!
ثمّ...
تأتيك الضربة...
في الخاصرة
على العين
تحت الحزام
عليك ان تمضي لهناك…
أنتظركَ في رمانة
عند منحنى مستشفى
سأقيم لك حفلا في الغابة
أرقص مع الغوريلا والثعبان والحمامة
مع الحب و القصيدة العارية
ونتدحرج عن الجبل
إلى أسفل القصيدة
وأنا أهتف باسمك
سأهديك ريشة… ترسم البحر
وريشة أخرى تصطاد السمك من الهواء

تستنجد بصديق طبيب:
ليس لي إلا أما واحدة… ماتت
وأنام دائما حافي القدمين
يقول لكَ:
لا تذهب
انتظرها
لتأتِ هي وعلى أكتافها تحمل
بقايا المدينة الكاذبة
او اهرب حالا من القصيدة

4- في مذكرتي…

أسماء:
الحالمون بالنجاة من الحياة، الحالمون بالموت في يوم آخر، من يصدقون مواعيد السُحب،، من يحبون الكلاب، من ينتظرون الأسبوع الجديد، من يصغون للشجر، صيادي الأرانب، لاعبي الاحتياط،، غرقى البحر المتوسط ، ومربي الماعز!!

مواعيد:
العاشقين، التصفيق، التهديد، محاضرة عن فوائد البازلاء، الرأي الآخر، من يعودون في المساء، نوم الملوك، قرار الوداع، الإضراب، الشك،نجم اسهيل، ترقية النقاد،مسرحيةالمهرجين...

ملاحظات:
في عينيها فحم وأنهار وفخ، شجرة ليمون لم تثمر هذا العام، مختار القرية مات، المدينة العتيقة غيرت اسمها، إشارة المرور نُقلت، هناك من يشعلون المواقد في الصيف!! من هنا يمكن رؤية وردة، ومع الآخرين أشعر بالوحدة، من هؤلاء وكيف هؤلاء… ومن أنقذوا أنفسهم كانوا خمسة فقط

عناوين:

نحلة، العطش، سمكة، الموت الهادئ، الصمت، حقل قطن، نخلة، كلب حديث الولادة، دكتور تنمية بشرية، الكلمات المزعجة، سكين الفكرة، ممثلين تقاعدوا، النسيان، محل بيع أحذية قديمة، كلمة نائمة، شاعر قديم، بطيخة!!

أرقام هواتف:
البحر، الغروب، طائر الدوري، أطباء نفسانيين، صيدليات، سيارة إسعاف، غراب، الخريف، مفاجأة، برتقالة، بائعي الخردة، الكراسي الجديدة، الخبز الناشف، الماء الجاف، والأنانيين...

وأسماء أموات لكنهم أحياء
وأحياء لكنهم ميتون
فليس كل الأحياء
أوالأموات
سواء...

5- يرسل لها
هدية...

لها أن تسميها ما شاءت، القصيدة الجريحة مثلا
أن تركض عليها كأنها فرس تأتي أو في الريح تذهب...
أن تمررها على قلبها تبكي أو تضحك، أن تجرحها و تلون بها دفأها، أن تعذبها، تعلقها على شجرة، ربما تدفنها تحت التراب بذرة، ولها أن تنسى أو تتذكر...
يرسل لها ظلا وقلبا، باللون الذي تحبه ، وذكرى تمر به وهو يكتشف حسّا و حبا، ومذاق القهوة، و الندى على الوردة
وصدى نغمٍ أمسكه من ضحكةٍ طفلة...
ليهدأ الليل
يريد أن تنامي دافئة…
على أغنيته
وقبل أن ينسى
يريد أن يختار اسمكِ
للنخلة

6- اسمًا آخر…

اخلع قميصي كل يوم وأستبدله
وأخلع قبله حذائي اللامع

أخلع بخفةٍ ضرسا يمضغ الماء زبدا
بخيط رفيع ومقبض باب،

أخلع جواربي
وأعقلها على شباك النافذة
فلا تهرب بأقدامي للوراء

أخلع إصبعي وإن لم يؤلمني
وأحشره في ثقبٍ يجلب الهزيمة والسعال

أخلع له ذراعا أولًا...
وألوّح بها لشراع أضاعه متعمدا

أخلع القلب
والرأس الثقيل وأتركه لعله ينام،
وأهديه قلبا مفعما
وعينا
يبحث بها عن الرأس
هل نام
وأين؟
وكيف نام؟؟
وإنْ لم يهدأ
سأنحت له رأسا جديدا
وأمنحه اسمًا آخر

7- أتبع النبض…

على السطوح شيء فسيح يلمع
أهو اسمك أم سوارك أم قمر مع القمر
أم كلها معًا

من يدق؟!
الباب مُشرع!!
تبسط كفها الموشومة بالينابيع
وبالعناقيد
تلتقط يدي
كالتقاء الضوء بالشجر
والبحر بالشمس
والنور يتسع أكثر في عينيك
أيتها السمراء كالجبل
هل أنت من ألهمني أن أكتب كلّ هذه القصائد؟!
تبتسم...
ويصمت الخَلْق

8- لمسة…

كنت صامتا مشغولًا بجرح قاتل أصابني،أغطيه بمعطفي، هي لا ولن تعرفه!!
ظلّت تتحدث بطفولة عن مفاتنها...
فجأة قطعتْ الحديث وانتصبت؛ ربما لترهبني بظلٍ طويلٍ لها،
ثمّ استادرت وغادرت!! تركتْ شيئا يشبه التهديد، واندفعت في الليل…
بقيت جالسا أستمع لأغنية البحر… وأتفقد دبق شريانٍ مفتوح، وأنا أرسمهم وقد أحاطوا بي كالعصابة…
أحدهم كان ثملًا يُشهرعينيه كصبي صغير، وآخر نظر إلى حذائي الأسود النظيف، ومنهم من زمَّ شفتيه وتحسسَ وجهه، حين تأمّل ما أرسم!!
حين أتذكرها وهي تتحدث تلك الليلة؛ يخطر ببالي ظلًا لها وكيف ظل يبهت ويقصُر!!
أنظر حزينا في صورهم التي رسمتها

ستحتاج وقتا طويلا لتعرفني!!
هي
والصور
والظلال القصيرة

9- ذراعٌ وسمكٌ وقلم…

رسمت نافذة فأطلّ منها وجهك؛ فحدث ضجيج من اصطدام قلبي بالخيال وبالوقت!
كتبت لكِ كلمتين من الغزل، فسألتني عنك قبل أن تطير الورقة!!! لم أستطع عدّ النجوم، فرسمت ثلاث نجمات، فسقطت واحدة في ساحة بيتنا… ونامت ليلتها في شجرة الحناء!!

أجمع الملل وأرسمه أسماكًا ملونة...
كنت في سيارتي عند الشط، فرأيت المنظر عن قرب...
أسماكًا تطفو وتهرب نحوي... ثمّ تحتضر
أحتار فيما أرى…
فأمحو الأسماك وأُبقي البحر
وأفتح أبواب سيارتي
صرت تحت الماء
والصمت كان…
سمك وليل مفتوح دون توقف
وذراع سمراء تمسك بقلمٍ
منذ وقت طويل...

10- توجه أم انفلات…

وحين مر( ابو جرير) على جواده برجل كسيح، استجار به الرجل لكي ينقله في طريقه لسوق المدينة، استجاب أبو جرير له، ولما وصلا سوق المدينة… رفض الرجل أن يترك الحصان بل إدعى أمام رهط أنّ الجواد ملكه... احتار الناس بينهم فلجؤوا لقاضي المدينة ليبتَّ في الأمر… فأرجأ القاضي الفصل بينهما ليوم آخر، في اليوم المحدد سأل القاضي الرجل الكسيح: أيمكن أنْ تتعرف على الحصان؟! فأومأ الرجل بالإيجاب وفعلا استطاع التعرف على الحصان من بين القطيع!! ثم سأل القاضي ذات السؤال ل( أبو جرير) فأجاب بالإيجاب، واستطاع ( أبو جرير) التعرف على الحصان أيضا...تعادل الطرفان! لكن القاضي حكم بأن الحصان من حق ( أبو جرير) وحجة القاضي أن أبو جرير تعرّف على الحصان، كذلك الحصان تعرّف على صاحبه ( أبو جرير)، ربما حمحم، أو هزّ ذيله أو صهل، أو...
قد نرى هذه القصة بسيطة وردت في دروس المدرسة للصبية… وأنت كقارئ لها ستبتهج لتحقق العدالة في النهاية، وتثني على فطنة القاضي، وانتهى الأمر…
**
لكنْ ماذا لو ان القاضي انطلى عليه الأمر و حكم لصالح الكسيح، لن تستطيع ان تقتحم النص وتشهد مع ( أبو جرير ) ستقف مكتوف الأيدي، وتشعر بأن الظلم أصاب( أبو جرير) ولو سألت لماذا وكيف… لن تعدّل شيئا في الأحداث، فما وقع قد وقع، ولن يرتفع ولو كرهته، ولن يفيدك العتب أو لعن الحظ السيء!!
كذلك أحداث التاريخ بما فيها من مظالم وصراعات وحروب
تسقط فيها المثالية، فليس فيها حسن نريده أوقبيح لا نريده،هناك ظروف وتشابكات معقدة قد لا نفهمها...
وتتساءل:
هل للتاريخ غاية ومعنى ومنطق يحركه أبعد من أن نفهمه
أم هو حظ وصدفة وضرورة عمياء، وخبطة عشواء!
هناك تصوران:
تصور يرى أنّ للتاريخ معنى وتوجه نجهله، ويؤمن بتقدم التاريخ ضمن خطة إلهية تسري في العالم سمها القدر أوالمشيئة الإلهية، وهذا يمثله التصور الديني عن العالم والإنسان، تنظر للوجود الإنساني باعتباره حكاية طويلة لها مقدمة وعقدة وحل وتعد في خاتمتها بالعدالة و بالسعادة، والراوي لها هو الرب، وفعل التاريخ فيها يعادل فعل الإله، وأنّ الأرض تعكس السماء، ومسيرة التأريخ تجسد إرادة الله…

وهناك راي يقول: لا نثق بالتاريخ لأنه خاطئ معرفيا، أنّ التاريخ ليس له معنى ولا نتيجة نهائية، إنه انفلات واختلاف مطلق وصدفة!! لأنّ ليس من حق التاريخ أن يضيع حق الإنسان في سبيل غاية مطلقة لا نفهمها… فما ذنب طفل قتل او فقد عائلته، وما ذنب أسرة فقدت بيتها وهُجّرت، كما سنقول: ما ذنب( أبو جرير) في الظلم الذي قد يقع عليه لو أن القاضي حكم بأن الحصان للرجل الكسيح، كذلك كل المظالم التي أصابت أفراد أو جماعات في حركة التاريخ؛ لكي نقول دائما( لعله خير) في سبيل غاية مطلقة ، وأنْ نرد مكابدة من وقع عليه الظلم لحكمة مجهولة!!
وترى أنّ هناك حقيقة اسمها الإنسان، لماذا نضحي به في سبيل هوية مطلقة؟!… فلا يمكن التسليم بنزاعات تاريخية مجحفة قاتلة تجعل الإنسان لحظة عابرة ضمن هوية جامعة لانعرفها، لا اسم لها إلا التاريخ!!
( قد لا ننتصر لرأي على آخر، ولكن نحاول أن نفهم)