تالا...
تاريخ النشر : 2020-12-31
تالا...
صورة الكاتب


بقلم: محمود حسونة( أبو فيصل)

1- يرسل لها
هدية...

لها أن تسميها ما شاءت، القصيدة الجريحة مثلا
أن تركض عليها كأنها فرس تأتي أو في الريح تذهب...
أن تمررها على قلبها تبكي أو تضحك، أن تجرحها و تلون بها دفأها، أن تعذبها، تعلقها على شجرة، ربما تدفنها تحت التراب بذرة، ولها أن تنسى أو تتذكر...
يرسل لها ظلا وقلبا، باللون الذي تحبه ، وذكرى تمر به وهو يكتشف حسّا و حبا، ومذاق القهوة، و الندى على الوردة
وصدى نغمٍ أمسكه من ضحكةٍ طفلة...
ليهدأ الليل
يريد أن تنامي دافئة…
على أغنيته
وقبل أن ينسى
يريد أن يختار اسمها
للنخلة

2- تالا…

كهف مقدس
تنتظر دائما عند بداية النهر
محاصرة بالخوف والرمل
تنظر لها فترى كل شيء…
ترى العالم تعانقه الريح
تفاح الحياة، وردة الموت
الموت الأبيض، شجرة الفجر

تالا...
من الأزل
لها طريقة خاصة في المشي
والضحك والنوم
صراخ مختبئ في مقطعين
روح وجسد...
نور على رؤوس الشجر بلا شكل
في الأضلاع لحن أبدي… يأتي بالموج
تالا تشرب البحار
ولا تغرق

تالا...
سواحل العالم المهيأة للحرب
تضاريس كوكب ناري
تالا اسم لكل اسم
موطن الشمس… تضيء الدم
سرٌ...
ماء عذب مثلج … تحت البحر
تاج على رأس الليل
تمزج الماء بالنار

تالا جنّة وجهنم

3- ذكرى الشجرة…

أنتِ من مرّرت من هناك ذات مساء كعودة الطيور ...
في الشارع الدافئ المفضي إلى البحر... أتتذكرين؟! الزمن يحملني معه إلى الوراء وإلى الأمام في آن، في الهواء.
تأتيني الذكرى بوضوح... رنين يجري في الدم، أليف لا يصمت، بطيئ مترنح بلا اسم… أستل من الروح تفاصيل المشهد كاملا… أنا من كنت هناك على العتبة حالما متكئا على الشجرة…
أنا هناك وأراك الآن!
تطلين من نافذة الذكرى بلا نهاية، تبتسمين وتسألين:
كيف أنت والذكرى؟! وتقولين وداعا في كل مرة… يلوّح الهواء أصفر... تحاصرني العتبة، دقات الساعة، النبض السريع، وقع خطاك ….والشجرة.
حين مررت من هناك ذات مساء،
والنور يسيل
كان الشارع مضيئا بكِ
موسيقى أبدية، موجة ترتد… أنتِ
وكيف مررّت من هناك ذات مساء
كلما اختفيتِ أُعيد المشهد لتمُرين من جديد
كأني أفقدك أكثر من مرة!!

هل أنا من كنت هناك متكئا على الشجرة؟!

3- يكتب للشجرة…

يفتح نافذته للفجر الحيوي، للينابيع الأولى ليكتب لك في هذا الوقت مع آخر الليل، في أسر الحمى والريح، مع النور الخفي ومع الشرود!!
أيناسبكِ هذا أيتها الشجرة؟!

يكتب لكِ: أنّه في عيون السماء، وأنتِ تحلمين نائمة، يسافر إليكِ ولا يصل!! البحر والمنارات والمدينة أرجوحة في الفراغ... ربما لا يعجبكِ هذا، فاعلمي أنّه العزف المتوحش...
إنّه الهذيان
إنها الحُمى!!

يقف أمام عصف الغيب يتوقع حدْسه، اعتاد الموت واستأنس الخوف...
فلا تتكبدي حزنا أو شفقة، يراكِ من وراء ضجيج في رأسه، يركض نحوكِ وفي منتصف المسافة يتذكر أنك تحلمين نائمة... يضيق اللهيب
إنها الحُمى…

يمزّق ما كتبه، فلا تفسد نومها؛ لعلها تراه أجمل في أحلامها،
ويرسل لكِ مع جناح طير
لعل الشمس تشرق على عهدها…
وإنْ طال الفراق!
للاشتياق حكمة
وللنهاية سر!

أيتها الشجرة...

4-أغني للشجرة...

أنتزع الذكريات
أجعل الحكاية بلا ذاكرة
أنسى الأسماء، الرموز
العناوين...
أنسى أشياء كثيرة...
الليل، القارب، الصمت
أسمي العنب بلبلًا
أنسى أسماء الطيور والفصول
أنادي الربيع
فأقول: نافذة

تتلاشى الحكاية متمزقة
أراها مسافات
وشما مبهما على اللحم والعظم
خطوطا متكسّرة في المرايا
بلا معنى...

أمشي في الشارع فأنسى
أظنه...
غابة، حفرة، عنكبوت
أبحث عن أثر
فيأخذني إلى خنجر
ولا ينبهني أحد!

اللحظة لمعة السؤال
تقدح...
نداء الموت
وصرخة الضحية

أترك شيئا واحدا معي
أترك غدا
لا أغلق الباب
أبقيه مواربا
قد أسمي الوردة وردة
أو مشمشة
أو طاولة!

وأغني دائما للشجرة

5-فوضى!!

وعاشقان يلتفان برداء الليل…
كانا حذرين لئلا يفضحهما النور
فأعتما معا في ليل ينزلق على جسديهما…
لكن رنّة الضحكة أزاحت الستارة عن فوضى حبهما
فضحكا أكثر، وأكملا أغنيتهما الساخنة
وفاض بهما المكان…

توقفت عن القراءة، و لم ألمح من ينبهني
أن هذا مقطع من نص قرأته في رواية!!
وأنّ لا أحد في المكان!!
قررت ألّا أخبر أحدا، وألا أزعجهما
وضعت علامة على الصفحة
وأغلقت الرواية.
لكني بقيت أسمعهما يتهامسان!!


6- بسيط...

يأتيك الحب متسللا على رؤوس الأصابع
قالت:
أعرفه مغمضة العينين دون أن أراه
مثل ولادة جديدة… أشعر أنني أطير كحمامة
يضعون الفوهة في صدره
فكيف لا أفتح ذراعيّ وأحتضنه
في القلب كانت دائما رصاصتهم
حين يطلقون عليه يصير حبا مؤبدا
يصنع العجائب… وتبكي البنادق
الحب بسيط...
كالهواء...
كأس ماء في متناول اليد
تعجز أن تكتبه القصائد
كلماته من ذهبٍ ومن دمٍ
يحلق بيننا
كالملاك الطائر

7-صديقي المسيحي…

في المرحلة الثانوية شاركنا في الصف الدراسي أربعة شبان مسيحيين … واحد منهم كان يجلس جانبي، لم أعلم ولو مرّة أنّه أساء لأحد، ولا أنّ أحدا ضايقه، وأنا لم يخطر ببالي أبدا ولو لحظة أنّه يختلف عنّا، كان وديع ماهرا في لعبة كرة السلة فانتخبناه قائدا لفريق الصف.
ذات مرة دعاني وديع لحفل عيد ميلاده مع مجموعة من الأصدقاء… تقاسمنا الطعام، والمزاح والضحك، في نهاية الحفل قدّم وديع لكل واحد منا هدية مغلّفة في صندوق صغير.
في البيت فتحت الصندوق صدفة أمام أمي فكانت المفاجاة زجاجة خمرة من ماركة عالمية مشهورة… استغربت أمي شكلها فسألت عنها، قلت لها: إنها زجاجة خمر!!
شهقت أمي وضربت على صدرها وهي تقول: خمرة بامحمود خمرة هاذي أخريتها، ولك أبوك الله يرحمه طول عمره، لم يشرب غير الشاي واليانسون!!
في اليوم التالي تظاهرنا أنا واثنين من أصدقائي بأننا سكارى،
و مثلنا ونحن نهاجم وديع بزجاجة مكسورة في الشارع، فهرب إلى دكان قريب واختبأ خلف الثلاجة وهو يقسم ( والله كانت ميّة، والله ميّة) الغريب أنّ صاحب الدكان هرب هو الآخر واختبأ خلف الثلاجة وأخذ يكرر ما يقوله وديع( يا جماعة الخير… ميّة والله ميّة)
غمزنا وديع فخرج مبتسما...
( طبعا فهمنا ما قصده وديع من قوله ميّة والله ميّة، أنّ زجاجة الهدية كانت معبّأة بالماء وأنها كانت مزحة)
لكنّ صاحب الدكان( أبو شاهين) ظلّ مختبئا وراء الثلاجة وهو يكرر( ميّة والله ميّة، والله يا جماعة الخير ميّة)
وبعد أنْ اطمأنّ خرج، فسألته ماذا قصد من قوله( ميّة والله ميّة)
فقال: والله ما أني عارف ولا فاهم شي، مثل الأطرش في الزفّة، شو يعني( ميّة والله ميّة)؟!
فردّ عليه وديع: المزحة يا( أبو شاهين) المزحة… أنهينا المشهد التمثيلي بالضحك…
لكن (أبو شاهين) ظل باهتا ويفرك جبهته كأنّه يفكر في أمر يحيره ، وقبل أن نخرج من الدكان، نادانا وسأل: وشو المزحة يعني ما فهمتها!!
فقلت له: نوع من الفواكه، لكنه جديد يا ( أبو شاهين) جديد!!

كنّا كلما مررنا أمام دكان( أبو شاهين )سألناه عن المزحة...
فيبتسم ويقول: ميّة والله ميّة!!

،8-المقهى مغلق…

من أغلق مقهى الأصدقاء؟!
متى و كيف؟!
متى رحلوا وأغلقوا الأبواب؟!
ونسوا واحدا…
والموت يسأل:
من أنت، ما العلامة، من كنت، أين كنت، أسقطْ وجهك، قلبك، رأسك، أسقط قناعك!!
كنت تتخفى… نمر وثب في الفراغ، صقر حلّق على ورق .

قالوا:
اعبر النهر، اصعد الجبل وحدك ثملا، اسفك دم الحسون، كن دمثًا! غازل الموت، المس ثدييه، اجعله يضحك، اسحبه من منخاريه، أطلق على رأس شهوته الرصاص!!
من يمس كتفك، سيحترق أو يتوهج...

الآن المقهى مغلق!!
ابحث عنك في الضالين من البحارة!!
اقلع عينيك ارجع أو تقدم في جسد عالم معلقا من قدميه
شمعة ذاوية وشوك!

تتدحرج الآن على جبينك متخفية، أْمنية
تطل من الثقب وتقول تختلف الألوان والصيد واحد ولواحد !!
تغرس سكين اللهب في قلبك في المدى في الكلام
وتترك النجم مصلوبا أمام الفوهة
تحت شمس آب
وتولي هاربة!!

9-مقهى قديم
لمن جئت تغني هنا و الآن يا غريب؟! ثلاثون مرت… ليس لك سوى اللحظة، حلم مبتور ورسم في الرمل...
افتح يدك الموجوعة، لن تجد يدا واحدة، لم يتركوا لك سوى نخاع الأهوال، وقشور البيض، وشمعا واسمًا!!
وأصوات تهاجمك من كل الجهات…
رحلوا، والفكرة تشظّت… لك ما تشاء من الصور، ثم غادر مهزوما… ولك أن تتذكر، فلن يتكرر الزمن مرتين!
من عينيك تتفتق وردتين ذابلتين، والشيطان يضحك، المكان لم يعد نفس المكان…، أطلال من مروا، صلاة في الريح، ثقوب رصاص غليظ، وحكايا البحر وطاولة النرد…
اهرب من هنا خذ ما تشاء: خذ ما قالته العرافة،
وهذيان ما تفكر...
تسلق الهواء، اشرب شفرة، تشقق كثمرة، انهش حجرا،
لا ماء هنا...
اسحب رأسك الثقيل
عضّ قلبك المفضوح
أقضمه و امضغه مرّا علقمًا...
الافق تهاوى… لا جدوى، وقارب العودة احترق
دخان، أوبئة، برد، جرذان
العظام قضبان حديد
والجسد مقبرة
الحلم ماء آسن
الموت غافل و الأغنية طارت
أفواه أسئلة تسأل
لماذا
مقهى الأصدقاء مغلق؟!

من يهدم هذا المقهى؟!
على رأسي ورأس الحرّاس

10- أتعرّف عليه…

مشى ونسي من أين بدأ المسير، طفلٌ يسأل الأسئلة المحيرة، أين تختبئ الروح وأين ترحل؟!
النور في حلم الفتى، على مرأى مشاهد مدينة كأنه يزورها أول مرة...
يقتلع خطواته بصمت، لا تعنيه حجارة الطريق، ولا يلتفت لأحد ولا ينتبه لسيارة فارهة، ولا لأمتعة الآخرين… ربما يكتفي بإشارة صغيرة...
ذات مرة رأيته متدليا في ذاكرتي، برتقالة بالندى مبللة، سمكة تزور سبعة بحار، ومرة في السوق يتملص من أيدي الباعة!
رأيته أحيانا في المجانبن، في وردة بريئة على ضريح!
أتعرّف عليه من بين الحشود في أشياء كثيرة: في قطعة زجاج شفافة وحادة، في ورقة شجر تصاحب الريح، في رعشة برق، في ذكرى تشبه طعنة...
حين يغيب
يتجلى في
خيط نور
في كلمة
أو موجة