الظلم الاجتماعي في المجتمع
تاريخ النشر : 2020-12-05
الظلم الاجتماعي في المجتمع
صورة أرشيفية للكاتب


الظلم الاجتماعي في المجتمع

الدكتور عادل عامر

الظلم الاجتماعي هو أحد أنواع الظلم عموما، والظلم بشكل عام يعني وضع الشيء أو الشخص في غير موضعه، أو حرمان شخص معين من شيء ما يستحقه فيشعر بالظلم. الحياة
ظالمة ومليئة بالظلم أيضا، إنما الظلم الاجتماعي يركز على ما يلاقيه الفرد من ظلم مجتمعي. يُظلم الإنسان من خلال مجتمعه في عوامل شتى: كالحياة اليومية، فرص العمل، العيش بكرامة، الأمن والأمان.

وهكذا؛ لذلك قامت المؤسسات الدولية بسن قوانين لمحاربة الظلم الذي يقع على الإنسان متمثل في قوانين حقوق الإنسان، التحليل الواقعي للعالم المعاصر، قوانين حقوق الإنسان عالميا ومحليا وهل يتم تفعليها حقا، أم مجرد كلام على  ورق؟ كيف تتحقق العدالة الاجتماعية؟ وما هو دور الفرد والمجتمع لتحقيقها؟

الظلم المعنوي الذى: يصدر من بعض أفراد المجتمع تجاه الآخرين في التعامل معهم والانحياز عنهم وتفضيل غيرهم عليهم أو عدم تحقيق العدل معهم أو الإساءة إليهم ، وهذا له صور كثيرة منها:

(1) ميل الوالد لبعض ولده: وتفضيله على سائر الأولاد في العطية والقبلة والثناء، والذكر والمدح, ونحوه من التعامل الجائر, ويتخذ ذلك عادة ويشتهر عنه هذا السلوك مما يوقع العداوة والبغضاء بين أولادة وينشب الحسد والبغي بينهم، الا اذا وقع ذلك طارئاً في مناسبة فمعفو عنه ولا يؤاخذ به ولا يكاد يسلم منه أحد!!وقروى النعمان بن بشير قال أتى بي أبى الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انى نحلت ابنى هذا غلاماً كان لي فقال الرسول: أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال: لا! قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم . فرجع أبى فردّ تلك الصدقة (متفق عليه).

(2) جفاء الأخوة لأخيهم: وترك ما يجب تجاهه من التكريم والسؤال عنه، وعدم دعوته في المناسبات، وأخذ مشورته أو أقصاؤه، وعدم أخباره بما يجد من الأفراح والأحزان، وعدم اكرام أهله،.نحو ذلك من التعامل الجائر، مع كونهم يبذلون البر والصلة والإحسان لغيره من الأخوة الذين ربما لا يصلون الى مستواه وخلقه !!

وهذا كله يجعل الأخ يشعر أنه ليس أخاً لهم ولا تربطه بهم رابطة الرحم؟؟!

(3) ظلم أم الزوج للزوجة : كجفائها وعد الثناء عليها, وانكار معروفها، وعدم مكافأتها على ما تقوم به من البرّ والإحسان , وانتقاصها والتهجم عليها في مجامع النساء كلما سنحت الفرصة , وعدم دعوتها في المناسبات الاجتماعية، وأشدّ من ذلك أن تُزهدّ الأم ولدها في زوجته وربما أفسدته عليها، وأمرته بطلاقها؟؟!!

وفى نظري أن الباعث للأم على هذا السلوك أمور منها عدم محبتها لأبنها، فلا تحتمل كل ما جاء من طرفه!! أو غيرتها الشديدة من زوجة ابنها، وللأسف أن هذه الصورة شائعة فى مجتمعنا، ويصدق ذلك أيضاً في أم الزوجة مع زوج أبنتها؟!!!

(4) جفاء الزوجة لأم زوجها : والتقصير فى السؤال عنها وزيارتها، وتزهيد زوجها فى امه وأهله !! وعدم احتمال هفوات الأم اليسيره العابرة !وربما تطاولت عليها في الكلام والفعال !والأنكار على الزوج فى بذل ماله لأمه وأهله ونحو ذلك..!

وفى المقابل تبالغ فى بذل مالها ووقتها لأهلها , وربط أبنائها بهم , وحث الزوج دائماً على صلتهم ولو كان على حساب صلته بأهله وأمه! وهذا التصرف كثير فى الزوجات، و الأعتدال أمر مطلوب شرعاً, وأشدّ من ذلك أن تبغضّ الزوجة زوجها فى أهله، وتربى أبنائها على كراهيتهم!! 
والحاصل أن للظلم الاجتماعي صوراً متنوعه ذكرت أهمها، وأبرزها، وأكثرها انتشاراً !! 
وغرضي من ذلك التنبيه على هذه المسألة المهمة التي تساهل فيها الكثير من الناس وخفى عليهم أمرها, ولم أذكر الأمور الظاهرة كالعقوق, والقطيعة, وغيرها؟؟

أسباب انتشار الظلم الاجتماعي الأسباب متعددة، ولكن ليس هناك سبب واضح بعينه يمكننا أن نقول عنه أنه المسبب الرئيسي لانتشار الظلم الاجتماعي في مجتمع ما، إنما هو تكاتف مجموعة من العوامل مثل: غياب سلطة القانون، ولا أقول هنا القانون كنصوص موضوعة وإنما كنصوص مفعلة على أرض الواقع. انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية في كل الفئات المجتمعية.

سيادة ثقافة الغاب والبقاء للأقوى، ضعف الجانب الإنساني والقيمي، تحول الإنسان إلى آلة تصارع من أجل لقمة العيش أفقده المتعة والإحساس بالحياة والإحساس بالجمال مما حوله إلى مجرد آلة تعمل فقط. المشاعر الإنسانية الجميلة، كالصدق، التعاون، حب الخير ومساعدة الضعيف، كلها تحولت إلى تراث في الحكايات
القديمة التي تروى على الأطفال، وإنما نحن في عالم الصراع والحرب واللاعدالة وشعار البقاء للأقوى.

أشكال الظلم الاجتماعي بداية، الظلم هو فعل قاسي يقع على الفرد، والظالم هو إنسان أو مجتمع يقوم بجريمة بشعة يتألم من جرائها إنسان بريء. ظلم الفرد للفرد أبسط قليلا من ظلم المجتمع للفرد، فالمجتمع أكثر قسوة ومتعدد الجوانب، في حين أن ظلم الفرد سوف يشمل جانب واحد، وسوف يكون التركيز هنا على ما يحدث لدينا في مصر لأنه واقع معاش ولدينا تحليل لمعطياته.

تتعدد وتتنوع أشكال الظلم الاجتماعي فنجد مثلا: الحرية يعد سلب الحرية من الأفراد لأسباب تعسفية أحد أنواع الظلم الاجتماعي أيضا، فعلى سبيل المثال وجود بعض القوانين التعسفية التي تفتح المجال لأغراض شخصية لأشخاص معينون يستغلونها مثل قانون الاشتباه، حيث يتم حبس الفرد وتقييد حريته لفترة من الزمن بدون سبب كافي.

وإنما لمجرد الاشتباه به أو تشابه الأسماء وربما لا هذا ولا ذاك ويكون مجرد طلب شخصي لفرد آخر مهم وذو نفوذ، فيشعر الفرد بعدم الأمان والحياة الهادئة رغم كون هذه الأمور من أبسط حقوقه، فيعيش في خوف وتهديد طوال الوقت وربما يعد هذا
من أكثر أشكال الظلم الاجتماعي قسوة. الفقر يعد الفقر أيضا أحد أشكال الظلم الاجتماعي، والحياة دون المستوى المطلوب، وإن كان الوضع الاجتماعي للفرد يحدده هو، إلا أن لدينا الكثير من الظلم الذي يقع على الأفراد ليصب في مصلحة أحدهما،
فيحاول الكثيرون التحسين من ظروفهم الاقتصادية، إلا أن العقبات تتوالى أمامهم حتى يفقدون الأمل، أو ربما تمتلك أو تتعلم بعض الصفات اللاأخلاقية لتستطيع التعامل مع الفئات المتحكمة في الموضوع، ومن ثم تتحول إلى عقبة في طريق فرد آخر مظلوم. ينتشر الفقر في بلادي بضراوة رغم كثرة جمعيات المجتمع المدني والأنشطة التي يقومون بها والمساعدات التي يقدموها، إلا أن الموضوع أكبر وأعمق من سد احتياجات أساسية. العمل يتعرض الفرد للظلم الاجتماعي من خلال العمل على
عده مستويات: لا تستطيع الحكومة توفير فرص العمل إلا قليلا جداً، وفي مصر في الغالب ستحتاج إلى واسطة حتى تحصل عليها، وإن كنت لا تمتلك واسطة فسوف يتم ظلمك ولن تحصل عليها رغم توفر المتطلبات الوظيفية فيك، على سبيل المثال: تجد في الجامعات المصرية ـوهذا تم نشره أكثر من مرة في الجرائد والصحف الرسميةـ تجد الطالب الذي يحصل على أعلى الدرجات من خلال جهده طوال العام من الاستذكار وتحصيل المحاضرات لا يتم تعينه معيدا بالجامعة، لا لشيء إلا لأنه يوجد ابن لأستاذ جامعي في نفس الدفعة فيتم تعيين ابن الأستاذ ولا يتم تعيين الآخر.

ومثال آخر في أي مؤسسة حكومية قبل أن يتم الإعلان عن الوظائف الخالية لديهم يكون قد تم شغلها من خلال أبناء العاملين في المكان وذويهم وأقربائهم وأصدقائهم وهكذا. 

ويمكنك اعتبار المؤسسات الحكومية لدينا تعمل بنفس النظام وبالطبع لن يعترف أحد بهذا، ولكن هذا ظلم بين لأفراد كثيرين لديهم الإمكانيات ولا يجدون من يساعدهم.

مشكلة أخرى ربما ليست ظاهرة كسابقتها وهي حينما يتجه الفرد إلى القطاع الخاص فيتم في حالات كثير استغلاله لغياب دور الحكومة ومكاتب العمل، كأن يعمل لعدد ساعات طويلة بأجر زهيد، وأعتقد هذا منتشر بشدة بين الشباب الآن وهذا يعد نوع
من أنواع الظلم الاجتماعي. العلاج توفير العلاج لغير القادرين وتوفير مستوى تأميني صحي مناسب يقع على كاهل الدول وبالأخص مؤسسة الصحة، ولكن هل حقا يتم توفير العلاج لغير القادرين؟ بالطبع لا، فالإهمال منتشر بشكل كبير والجميع على علم به، ولكن أحد لا يحرك ساكنا، كم من المرضى فقدوا حياتهم جراء أدوات لم تكن معقمة؟ وكم من المرضى يتم وضع أسماءهم
في قوائم الانتظار حتى تعطف عليهم العناية الإلهية لتخليصهم مما يلاقوه؟ الوضع الصحي والعلاجي لدينا يعد مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إن اللامساوة في توزيع عوائد النمو والتنمية ظلم وخطر كبير يهدد الإنسانية، لأنه كما يقــــول «رينه ما هو» «إذا كان للإنسانية قدرة لا محدودة على المعاناة من تجربة قاسية
في الفقر وجهد مفرط من شدة احتماله، فإنه لا يمكن التسامح عندما يتعلق الأمر باللامساواة»، لذلك فإن الاعتراض على الوضع الحالي أمر ضروري من وجهة نظر أخلاقية وإنسانية، وذلك لدفع البشرية لتصحيح ما يلاحظ بين بلاد العــالــم من
تفــــاوت ولامســاواة في مستويات الحياة والعمل على إيجاد ما ينبغي من توازن.

ممـــا تقـــــدم يمكن القـــــــول: إن ثنائية المــركز والهــــامش هي صورة كبيرة للظلــم الاقتصــــادي والاجتمـاعي على مستــوى الدولـــــة الواحــــدة والعالـــم، وهذه الثنائية لا تعكس حالة الظلم واللامساواة فقط بل تعمل على إنتاجهما بصور وأشكال مختلفة، وبالتالي فهي ثنائية مولّدة للظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.