معاً ضد الفساد
تاريخ النشر : 2020-12-05
بقلم - وداد سالم قبوس

تذكرت اليوم وانا استمع إلى خطبة الجمعة بالمسجد الحرام قصة قديمة عن الفساد تحكى عن خياط مسكين كان يعيش في عصر الخليفة العباسي المعتضد بالله تبدأ احداث هذه القصة بأحد التجار الذي كان له على بعض الامراء مال فماطله ومنعه حقه وكلما جاء يطالبه امر غلمانه بإيذائه فشكى التاجر امره للصغير والكبير للغفير والوزير لكن احداً لم يفده بشيء وبينما كان حزيناً وكئيباً يندب حظه ويجتر الآمه اذا بأحد أصحابه يسأله عن سبب هذا الحزن والاكتئاب فاخبره بالقصة وبما قام به من شكاوي وما فعله من توسلات ذهبت كلها ادراج الرياح. وإذا بصاحبه يسأله ويقول له هل اتيت فلاناً الخياط؟
يقول التاجر قلت له: لا وما عسى أن يفعل الخياط مع من عجز عنه الوزراء.
قال: انصحك أن تذهب إليه فقد يستطيع أن يحصل لك مالك. اذهب إليه لعلك أن تجد عنده فرجا.

قال: فقصدته وذكرت له حاجتي، ومالي، وما لقيت من هذا الظالم.
فقام معي فحين شاهده الأمير قام إليه وأكرمه واحترمه، وبادر إلى قضاء حقي الذي عليه فأعطانيه كاملا بمجرد أن قال له الخياط: ادفع إلى هذا الرجل حقه وإلا أذّنت، فتغير لون الأمير، ودفع إلى حقي.

قال التاجر: فعجبت من ذلك الخياط مع فقر حاله وضعف بنيته كيف أنصاع ذلك الأمير له، ثم إني عرضت عليه شيئا من المال، فلم يقبل مني شيئا، وقال: لو أردت هذا لكان لي من الأموال ما لا يحصى ولا يعد فسألته عن خبره؟ وذكرت له تعجبي منه، وألححت عليه، فقال: إن سبب ذلك أنه كان عندنا في جوارنا شاب من أعالي الدولة وهو شاب حسن فمرت به ذات يوم امرأة حسناء، وعليها ثياب جميلة ومترفة، فقام إليها وهو سكران فتعلق بها وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها: يا مسلمين هذا الرجل يريدني على نفسي، ويدخلني منزله، ومتى بت هنا لحقني عار لا تدحضه الأيام ولا تغسله المدامع!

قال الخياط: فقمت إليه فأنكرت عليه ذلك ، وأردت خلاص المرأة من يديه فضربني وشج رأسي ، وغلب المرأة على نفسها ، وأدخلها منزله قهرا ، فرجعت أنا فغسلت الدم عنى ، وعصبت رأسي وصليت بالناس العشاء ، ثم قلت للجماعة: إن هذا قد فعل ما قد علمتم ، فقوموا معي إليه لننكر عليه ، ونخلص المرأة منه ، فقام الناس معي ، فهجمنا عليه في داره ، فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي يضربون الناس ، وقصدني هو من بينهم ، فضربني ضربا شديدا مبرحا ، حتى أدماني وأخرجنا من منزله ، ونحن في غاية الإهانة فرجعت إلى منزلي ، وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع ، وكثرة الدماء ، فنمت على فراشي ، فلم يأخذني نوم ، وتحيرت ماذا أصنع حتى أنقذ المرأة من يده
فألهمت أن أؤذن الصبح في أثناء الليل لكي يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها من منزله فتذهب إلى منزلها وجعلت أنظر إلى باب داره، وأنا أتكلم على عادتي قبل الأذان، هل أرى المرأة قد خرجت، ثم أذنت فلم تخرج، ثم صممت على أنه إن لم تخرج أقمت الصلاة حتى يتحقق الصباح.

وبينما أنا أنظر هل تخرج المرأة أم لا؟
إذ امتلأت الطريق فرسانا ورجالاً وهم يقولون: أين الذي أذن هذه الساعة؟!
فقلت: ها أنا ذا، وأنا أريد أن يعينوني عليه فقالوا: انزل فنزلت، فقالوا: أجب أمير المؤمنين فأخذوني، وذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئا حتى أدخلوني عليه، فلما رأيته جالسا في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف، وفزعت فزعا شديدا فقال: ادن، فدنوت فقال لي: ليسكن روعك، وليهدأ قلبك
وأخبرني: أنت الذي أذنت هذه الساعة؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

فقال: ما حملك على أن أذنت هذه الساعة، وقد بقي من الليل أكثر مما مضى منه؛ فتغر بذلك الصائم والمسافر والمصلي وغيرهم؟!
فقلت: يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري؟
فقال: أنت آمن. فذكرت له القصة قال: فغضب غضبا شديدا، وأمر بإحضار ذلك الشاب والمرأة من ساعته على أي حالة كانا!
فأحضروهم سريعا فبعث بالمرأة إلى بيتها مع نسوة من جهته
ثم أقبل على ذلك الشاب فقال: له كم لك من الرزق؟ وكم عندك من المال؟ وكم عندك من الجوار والزوجات؟
فذكر له شيئا كثيرا.

فقال: له ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك؟! حتى انتهكت حرمة الله، وتعديت حدوده، وتجرأت على السلطان، وما كفاك ذلك أيضا، حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف، ونهاك عن المنكر، فضربته وأهنته وأدميته، فلم يكن له جواب، فأمر به فجعل في رجله قيد، وفي عنقه غل ثم أمر به ، فضرب ضربا شديداً ! ثم أمر به فألقي به في دجلة! فكان ذلك آخر العهد به!
ثم أمر صاحب الشرطة أن يحتاط على ما في داره من الحواصل والأموال التي كان يتناولها من بيت المال، ثم قال لي: كلما رأيت منكرا صغيرا كان أو كبيرا ولو على هذا! ـ وأشار إلى صاحب الشرطة ـ ، فأعلمني ، فإن اتفق اجتماعك بي ، و إلا فعلى ما بيني وبينك الأذان ؛ فأذن في أي وقت كان .

قال: فلهذا لا آمر أحدا من هؤلاء الدولة بشيء إلا امتثلوه ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه خوفا من المعتضد، وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن!

فأينما كان هناك فساد أو استغلال للنفوذ أو المناصب واستخدام المال في الرشاوي أو الابتزاز أو الاختلاس واستغلال حاجة الضعفاء والفقراء يجب على الجميع التصدي له والعمل على دحره ومنع شروره حتى نستطيع ترسيخ قيم النزاهة إشاعة الشفافية واستشعار المسؤولية فالفساد جريمة تؤثر على كل قطاعات المجتمع التعليم والصحة والاقتصاد والازدهار والتنمية كما أنه أكبر العوائق امام تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
قال صل الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.