الطبقة الوسطى الفلسطينية تتكشف بفعل جائحة كورونا
تاريخ النشر : 2020-12-03
الطبقة الوسطى الفلسطينية تتكشف بفعل جائحة كورونا
صورة للكاتبة


الطبقة الوسطى الفلسطينية تتكشف بفعل جائحة كورونا
 
بقلم - حسناء الرنتيسي

عندما نتحدث عن الطبقة الوسطى فاننا نتحدث عن مكون غير منسجم يضم بعض الفقراء ممن قاموا بحراك اجتماعي صاعد، أو من افراد الطبقة العليا الذين لم يتمكنوا من المحافظة على وضعهم الطبقي فآل بهم الحال للطبقة الوسطى، كما نتحدث عن تجار وأصحاب مصانع صغيرة يعملون لحسابهم واعلاميين ومبرمجين ومهنيين مستقلين كالأطباء والمحامين والمهندسين والكتاب وما شابه.

وتمميز الطبقة الوسطى عبر التاريخ الفلسطيني برقيها العلمي وخبرتها الفنية الواسعة كما أشار الباحث جميل هلال في كتابه "الطبقة الوسطى الفلسطينية: بحث في الهوية والمرجعية الثقافية"، لكن النزيف المستمر لهذه الطبقة للخارج بحثا منها عن عمل وفرصة لم يحصل عليها هؤلاء في أوطانهم أضعفها.

قد يتساءل البعض عن حجم هذه الطبقة في المجتمع الفلسطيني، اننا هنا نتحدث عن طبقة وصفها بعضهم بالمتلاشية، لكن الكاتب جميل هلال في كتابه حول الطبة الوسطى أوضح مستندا الى بيانات الاحصاء الفلسطيني أن الطبقة الوسطى في توسع بعد قيام السلطة، بغض النظر عن قله  الانسجام بين فئاتها وتشتتها وما الى ذلك، بسبب القطاع العام الذي استوعب شريحة كبيرة من الموظفين الذين يشكلون في اغلبيتهم الطبقة الوسطى.

تشير بيانات الاحصاء المركزي ان معدل البطالة من المشاركين في القوى العاملة في العام 2019 بلغ 25% في فلسطين، بواقع 15% في الضفة الغربية و45% في قطاع غزة. اي حوالي ربع المشاركين في القوى العاملة عاطلون عن العمل. وقد صعد معدل البطالة في فلسطين إلى 26.6 %خلال الربع الثاني 2020، مقارنة مع 25 % في الربع الأول، وسط تأثير سلبي لتفشي فيروس كورونا على الوظائف، ما يعني أن جزء كبير من العاملين أصبح بلا عمل، ومن فقدوا وظائهم هم غالبا من أبناء الطبقة الوسطى من المهنيين والموظفين والصحفيين وما شابه.

وعلى الرغم من توقعات لعدد من الدراسات بصعود الطبقة الوسطى وتوسعها، الى أن المشكلة ليست هنا انما في شكل الطبقة الوسطى الصاعدة وخصائصها، فهي طبقة ليس لها هوية مشتركة، ودورها السياسي ضعيف، والاهم من ذلك أن هذه الطبقة مرجعيتها منظمات دولية مانحة عوضا عن مؤسسات الدولة، وبالتالي هذه الطبقة الجديدة تعولم قوتها لمن يدفع اكثر.

وقد ساهم ضعف السلطة الفلسطينة وتراجع وضعها المالي الى ضعف انعكس على مؤسساتها، وعلى القطاع العام ككل، والذي ينتمي له معظم ابناء الطبقة الوسطى.

وتغلغل القطاع الخاص في القطاع العام واستقطب ابرز مهنييه وموظفيه، كما امتد تأثيره ليطال أنشطة وعمل من اختصاص القطاع العام، اي بمعنى اكثر سلاسة، تحويل بعض الخدمات الى خدمات بالدفع المسبق

كورونا اوجعت الطبقة الوسطى

الاقتصاد الفلسطيني تلقى ضربة موجعة بسبب جائحة كورونا، انعكست اثارها المباشرة على المالية العامة بعجز نما من 912 مليون دولار امريكي عام 2019 مقارنة بعجز كانت قيمته 721 مليون دولار  عام 2018.

التأثر طال فئات المجتمع كافة، وتحديدا الفئة التي اقترضت الاموال لتصعد السلم نحو الطبقة الوسطى.

ورغم عودة فتح الأسواق بضغط من الغرف التجارية وأعضائها إلا أن السوق يعج بالمتفرجين كما يقول أحد التجار في سوق رام الله، والذي قال أنه سجل لدى وزاة العمل كمتضرر، لكنه فاقد الأمل بأي دعم حكومي كما يقول.

وكما نعلم فان منشآتنا الفلسطينية بأغلبها منشآت صغيرة، بل متناهية الصغر تشغل نحو 88.6% من العمال، بمعدل منها 1-4 عمال، وكنسبة تشغيل للعدد الكلي لعمالنا فهي تشغل أكثر من 50% من العاملين في المنشآت ككل.

وحين نتحدث عن عاملين في المنشآت بالضفة مثلا فإننا نتحدث عن عمال بسطاء ينتظرون أجورهم اليومية البالغة عام 2019 حوالي 86 شيقل في فلسطين ككل، 43 شيقل في قطاع غزة، و102 شيقل في الضفة، عدا عن عمال اسرائيل والمستعمرات.

وبحسب استطلاع نفذه جهاز الاحصاء الفلسطينني تبين ان اكثر من ثلثي المنشآت المستطلعة في الضفة قد أوقفت أعمالها بشكل كامل (التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على الدولة والمجتمع خلال ايار 2020.)

نتيجة لقرار السلطة بتقييد النشاط الاقتصادي الذي بدا بتاريخ 22 مارس 2020، كانت المنشآت توظف 105,345 عاملا في الضفة وغزة، ووفقا للبيانات فقد انخفضت قدرة هذه المنشآت على استيعاب العمالة بقيمة 26% بحسب معهد ماس 2020 ومن المتوقع بناء على ذلك ان تتضاعف نسبة البطالة.

عمال الاقتصاد غير الرسمي الذين يتوظفون دون عقود هم الاكثر تضررا، ويمثلون 48% من اجمالي العمال المأجورين. كما انعكس الاغلاق على الاجور، حيث تشير توقعات الاحصاء الى انخفاض قيمة الاجور 6% نتيجة الاغلاق هذا لمن حافظوا على اعمالهم.

وأظهرت دراسة اعدها مركز المؤسسات الصغيرة أن نحو 99% من شركات مستطلعة قالت انها عانت من نقص في السيولة. 45% منها توجهت لتخفيض تكاليف التشغيل بتسريح العاملين بينما 28% توجهت نحو القروض من مؤسسات الاقراض الصغير ومن الافراد و15% تسعى للحصول على قروض بنكية، بينما تبحث 12% عن شريك.

شريحة واسعة من الطبقة الوسطى هم عاملون في مؤسسات بالقطاع الخدمي وفي قطاعات أغلقت أبوابها فترة اشتداد الجائحة، ما ادى الى انكماش الطبقة الوسطى التي كانت آخذة بالتمددة قبل كورونا بفعل سلوكيات من بينها الاتجاه نحو الاقتراض لإقامة مشاريع تحسن من اوضاعهم المالية، كما يشير سليم ابو ظاهر، باحث ومحاضر في جامعة بيرزيت.

وما دعم ذلك أن السوق الفلسطيني يتبع نظام السوق الحر، والذي اعطى القطاع الخاص الضوء الاخضر للتمدد في المجتمع، نفوذ المؤسسات الدولية واضح جدا، تزامنا مع تراجع نفوذ المنظمات والاحزاب السياسية الفلسطينية، وبالتالي انعكس ذلك كله على سلوكيات المجتمع بما يشمل الطبقة الوسطى. .. كيف ذلك؟

اجراءات الاغلاق وتقييد الحركة داخل المدن انعكست أيضا عى الاتجاه الاستهلاكي للطبقة الوسطى، حيث تم اتباع سلوك عالمي في الاستهلاك المفرط تلك الفترة واقتناء سلع وكماليات يعتبرها البعض رفاهية، ثم خرجت الحكومة بخطاب دعت فيه المواطنين لشد الحزام وترشيد الاستهلاك مشيرة لسوء الوضع المالي العام كخطر يتهدد صرف الرواتب للموظفين العموميين، وهنا التمست كافة طبقات المجتمع الخطر والتهديد القادم.

أخذ ابناء الطبقة الوسطى يجارون طبقة الاغنياء باستهلاك لا يناسب دخولهم، وحين جاءت جائحة كورونا تكشفت الطبقة الوسطى وأخذت البنوك تفرض هيمنتها وتضع الفوائد على الاقساط التي لم يتمكن اصحابها من سدادها بسبب تعطل أعمالهم فترة الاغلاق، وحين تدخلت سلطة النقد لايقاف وضع فوائد على الاقساط المؤجلة خرجت البنوك ببند الفائدة التعاقدية الذي لا يمكن الغاؤه الا بنص قانوني، حسب المحامي أنس كسواني.

كما تفامت مشكلة الشيكات الراجعة، والخطورة تكمن في أن بعض الاقتصادات في العالم لا تتجاوز نسبة الشيكات الراجعة فيها 1 %-7% من اجمالي قيمة الشيكات المتداولة، بينما وصلت نسبة الشيكات الراجعة في فلسطين الى ما يقارب 10% من اجمالي قيمة التقاص عام 2019، وكانت قيمتها 8.8% عام 2018، وهذه الشيكات في حالة تزايد مستمر من حيث القيمة، فقد وصلت نسبتها كما أوضح محافظ سلطة النقد الفلسطينية، عزام الشوا، قال خلال لقاء صحفي 35 %، من إجمالي الشيكات المقدمة للتقاص وذلك بسبب تبعات تفشي كورونا ، وبلغت قيمتها 1.035 مليار دولار من شهر نيسان حتى الان. (بيانات سلطة النقد الفلسطينية).

وقد تبين من خلال بعض المقابلات مع مختصين أن جزء كبير من رجوع الشيكات يعزى الى تردي الوضع الاقتصادي وشح السيولة، بالإضافة الى سوء التخطيط لمصدري هذه الشيكات. إضافة الى تراجع القوة الشرائية للدخول في فلسطين مع ثبات النمط الاستهلاكي، اذ أن جزء كبير من الشيكات هي مبالغ صغيرة الحجم ولصالح مستفيدين يزودون العائلات بمواد استهلاكية يومية لكن بسبب التعثر المالي لم يتم صرفها.

ومن جهة أخرى نتحدث عن تسهيلات بنكية متصاعدة، حسب بيانات "سلطة النقد الفلسطينية" تبين ارتفاع صافي التسهيلات الائتمانية خلال الشهور التسعة الاولى من العام الجاري بنسبة 6.2 % لتصل إلى قرابة 9.6 مليار دولار أمريكي.

وارتفاع التسهيلات البنكية للقطاع الخاص وضع طبيعي ناجم سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث قام أصحاب الأعمال باخذ قروض لسداد الديون، وهذا ليس استثمار بقدر ما هو إدارة مرحلة مالية حسب خبراء الاقتصاد.

وأوضح أن قيود سلطة النقد، كان لها دور اساسي في نمو التسهيلات البنكية للقطاع الخاص، حيث طلبت سلطة النقد من البنوك عمل تسهيلات بنكية للقطاع الخاص بهدف تشجيعه على المحافظة على ثباته في ظل الازمة الحالية.

أما أسباب ارتفاع التسهيلات البنكية للقطاع الخاص الاخرى فجاء بسبب أن الشركات الخاصة دخلت في ضائقة نقدية نجمت عن الشيكات الراجعة اولا، وعن عدم وجود القدرة البيعية كالسابق، إضافة الى ضعف القدرة التصنيعية والانتاجية وعدم عودتها كالسابق، مع ضعف عمليات البيع في السوق كما أوضح الخبير الاقتصادي ثابت أبو الروس.

ويأتي ذلك في ظل ثبات حجم الالتزامات والتراجع في الايرادات، وبالتالي حتما سيلجأ اصحاب المشاريع الخاصة لتسديد التزاماتهم بالاقتراض للمحافظة على على مشاريعهم وسمعتها.

أضف الى ذلك أن تأجيل القروض يعتبر قرضا آخر، وهذه القروض المؤجلة دخلت ضمن حسبة النمو في القروض. ما يعنيه ذلك تعمق في الإستدانة، ومزيد من الأعباء عى أًبناء الطبقة الوسطى.

محاولات التعافي ..

التوقعات الرسمية تشير الى ان التعافي لن يكون قريبا، وهو رهن تطورات انتشار الجائحة والأحداث السياسية.

الحكومة الفلسطينية اطلقت من جهتها عدة اجراءات لحشد التمويل والدعم للقطاعات الصغيرة المتضررة والفئات الاكثر تهميشا، لكنها لم تكن منح داعمة مجانية، انما كانت على شكل دعم مالي ميسر يتطلب السداد في مراحل متقدمة، وهو ما لا يفي بمطلب الانقاذ، بل عمق الالتزامات للدى أبناء الطبقة الوسطى.

وبشكل غير رسمي انطلقت مبادرات مجتمعية لمساعدة المتضررين، لكن روح العمل التطوعي المجتمعي لم تكن بتلك القوة كونها لم تتمكن من تغطية معظم الاحتياجات وذلك بسبب تكشف بعض الفئات، ما أضعف دورها وحد من قوة تأثيرها.