كُلفة اعادة بناء منظمة التحرير
تاريخ النشر : 2020-12-01
كُلفة اعادة بناء منظمة التحرير
بقلم - أشرف أبو خصيوان

التشكيك في رغبة الرئيس محمود عباس اعادة بناء منظمة التحرير وارد جداً، فبعد اجراء أخر انتخابات بالتزكية، لمنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية ابريل وبداية مايو 2018 م، والتي تم انتخابها من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، في دورته الثالثة والعشرين "دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية"، لم تَكن مطروحة نتائج تلك الانتخابات على لقاء الأمناء العامون الذي عُقد في بيروت ورام الله في بداية سبتمبر 2020، بل تم تجاوز ذلك بحثاً عن صيغة مشتركة للفصائل الفلسطينية في مواجهة خطة الضم الاسرائيلية ومشاريع التطبيع العربية مع اسرائيل، وتم تجاوز الثلاث مقاعد الفارغة في عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والمخصصة لحركة حماس والجهاد الاسلامي.

اتفاق قادة الفصائل الفلسطينية على تحقيق الوحدة الوطنية وترتيب البيت الداخلي ومواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، خلا من ذكر اعادة بناء منظمة التحرير، وأخذ دورها الريادي في تمثيل الكُل الفلسطيني في الداخل والخارج، وبقي الحديث حبيس الأدراج، ولم تخرج إلى النور رؤية وطنية استراتيجية حتى اللحظة.

انتهت الخمس أسابيع، التي تم تحديدها خلال لقاء الأمناء العامون في بيروت للخروج برؤية استراتيجية تحقق انهاء الانقسام وتشكيل لجنة وطنية لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، التي أصدرت بيانها الأول ومن ثم اندثرت، توالت اللقاءات دون الافصاح عن نتائج سوى بيانات التطمينات التي تصدر كالعادة، فقد انفضت اجتماعات اسطنبول وبيروت والقاهرة، وعادت السلطة إلى التنسيق الأمني، وعادت حماس لتهاجم السلطة وتستنكر ما قامت به السلطة الفلسطينية، وعادت السلطة إلى مربع الدفاع عن برنامج الرئيس عباس "الاشتباك السياسي".

يُدرك الرئيس أبومازن وحركة فتح أن كُلفة اعادة بناء منظمة التحرير ستدفع ثمنها حركة فتح فقط، لأن المعطيات على الأرض تُشير إلى وجود فصيلين اسلاميين جُدد ولهم جمهور وأذرع عسكرية تنطبق عليهم شروط دخول المنظمة، لذا لا تستبشروا خيراً في رغبة الرئيس بإجراء الانتخابات التي تُمهد لسيطرة حركة حماس على مقاليد منظمة التحرير، خاصة أن العوالق من القضايا كبيرة جداً والاختلاف الايدلوجي واختلاف البرامج السياسية شاسع ما بين الحركتين، ولا يمكن أن يتفقا على برنامج سياسي يجمعهم سواء تحت مظلة منظمة التحرير أو حتى تحت مظلة قائمة انتخابية مشتركة في الانتخابات القادمة إن حصلت.

نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في تحقيق الكيانية الفلسطينية، ولكنها فشلت في تحقيق دولة فلسطينية، وهذا يرجع إلى ترهل مؤسسات المنظمة، وعدم قدرة القائمين عليها على اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في ظل ضعف التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في الخارج، وعدم وجود نواه حقيقية للقائد الفلسطيني القادر على احداث متغيرات في المواقف الدولية والعربية والفلسطينية، فقد غابت شمس القائد باستشهاد ياسر عرفات، وبدأت فلسطين ومنظمة التحرير عهداً جديداً في ظل وجود الرئيس محمود عباس، وهو العهد الذي شهد تراجع قوة وهيمنة منظمة التحرير الفلسطينية على صناعة القرار.

اقتبس نص من مقال للدكتور باسم عثمان تحت عنوان اسس بناء منظمة التحرير، حيث يقول الكاتب "إن إعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها يستوجب بالضرورة إعادة صياغة التوجه الاستراتيجي الفلسطيني الذي يرتكز تحقيقه على شرطين أساسيين: إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني من خلال الفهم الدقيق لطبيعة المرحلة الراهنة وسماتها وتحديد أدوات شروط المواجهة التكتيكية (السياسية والبرنامجية) ومرتكزات شروط المواجهة الاستراتيجية للمشروع الوطني الفلسطيني, لذلك في هذا السياق، فان المسار الأكثر جدوى يجب أن يتضمن حوارًا وطنيًا حقيقيًا، بين الكل الفلسطيني دون استثناء، من موقع الشراكة الحقيقية في صنع القرار الفلسطيني المستقل لاستحقاق الهدف الوطني الاساس وهو انهاء الاحتلال" انتهى الاقتباس.

إنه من الصعب جداً في هذا التوقيت وبهذه الشخصيات التي تتحكم بزمام منظمة التحرير وحركة فتحـ أن يتم الحديث عن شراكة سياسية حقيقية لصناعة مستقبل فلسطيني، وذلك كان واضحاً من مجمل ما تحدث به مندوبي الفصائل الفلسطينية في اجتماع الأمناء العامون في بيروت، حيث عرض كل مندوب فصيل رؤية حزبه الضيقة بعيداً عن الشراكة السياسية، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمتغيرات العربية وبحجم الدعم المالي الاقليمي لكل فصيل فلسطيني، فقد كان ما يُطرح هو تعبير حقيقي عن توجهات الدول العربية لألية حل القضية الفلسطينية، وليست توجهات وطنية فلسطينية قادرة على دفع ثمن الوحدة ورد الاعتبار واعادة بناء المنظمة.

من أبرز مألات مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية هو الفصل ما بينها وبين السلطة الفلسطينية، وهذا يتعلق أيضا بالفصل الاداري والوظيفي واعادة تعريف رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يكون هناك كيانين منفصلين، وهذا يتطلب توافقاً فلسطينياً من خلال الاتفاق على وظيفة وأولوية وكيانية رئيس السلطة ورئيس المنظمة.