قراءة في رواية منى ياسين" رقصة الخذلان "
تاريخ النشر : 2020-11-21
بقلم - طارق عبد الفضيل

شخصيات الرواية
ندى
الكعكة الأزلية وشخصية ندى
" اقترب مني ممسدا شعري قائلا: أريد أن أفضي بكارة هذه الكعكة الأزلية، التي تتوسط رأسك ، أراك دونها ستصيرين أجمل، فهل تسمحين ؟ هنا فقط انتبهت أنني على مدار التحاقي بالكلية، وفي أي مكان، ومنذ أن تعلقت برقص البالبه، وهذه التسريحة لم تفارقني، حتى أصبحت جزءً أساسياً في شخصيتي الشعر مشدود للخلف بحزم، والكعكة الضخمة تتوسط رأسي بشموخ، وكأنها فتحة بركان على قمة جبل ." ص108
أغنية ( حبيبي يا راجعلي ) لآمال ماهر ص109
تعيدنا منى ياسين في روايتها " رقصة الخذلان " إلى روايات وشخوص دي . إتش . لورنس خاصة " قوس قزح " و " نساء عاشقات " حيث كرس لورانس أعماله لتحليل النفس البشرية وطبيعة العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة .
ولن نجد مسافة كبيرة بين آنا وندى التي تعاني حرمانا لا ينكره القارئ، فهي قد فقدت أمها، وعلاقتها بأبيها ليست كما تحب، وليست مشكلة ندى فقط هي التي تواجه القارئ بل مشكلات عمتها ووالدتها الراحلة وغيداء وسهيلة وسلمى ورضوى وهدير ؛ إنها باختصار مشكلة المرأة المعاصرة مع الرجل والمجتمع .


لكن هذه الشخصيات لا وجود لها فقط من خلال ندى، ليس لهن وجود حقيقي على خشبة مسرح الأحداث؛ إنما يظهرن من خلال روايتها أو قراءة مذكرات غيداء .




إن شهوة السرد العارمة تدفع ندى لتحكي إلى مالا نهاية فيصبح بناء الرواية كالبيت وحيد المدخل؛ لا تستطيع الإنتقال إلى غرفة أخرى إلا من خلال الغرفة التي تقف فيها؛ باختصار غرفة تفضي إلى أخرى !! 


حتى ندى نقترب منها من خلال مذكرات غيداء حين تقول عن فارس سيف الدين : " يتحدث عن ( ندى ) ابنته كأنها ملكية خاصة به، يعجبني وهو يتحدث عنها ويذكر بعضا من مواقفها الطريفة " ص66 


ثم تقول:" ورثت مني عشق الطبيعة وجنون التعبير عن هذا العشق " ص 66؛ ثم : " أسأله حينها : وماذا أيضا قد ورثته منك ؟ فيجيب بفخر : اعتدادها بذاتها وقدرتها الدائمة على التحدي؛ تتحدى نفسها دوما في أي شئ تخشى فعله فتقدم عليه بشجاعة، وتنتشي بصخب فور تحقيق انتصارها الصغير، تحب تجريب كل شئ بدافع الفضول، طموحة ، جريئة، والأهم عاشقة للنجاح ." ص 66 


أم ندى
" كنت أستشعر فقد أمي، لحظة ذهابها، فراقها بعد طلاقها من أبي، تزوجها من آخر دهس ما تبقى لها عندي حتى غادرت معه البلاد وذهبت ." ص20 


" الآن لم أعد أعلم عنها شيئا، اعتبرتها ماتت " ص21
" كنت كلما أردت أن أحادثه عنها كان يدفع برسالتها الأخيرة في وجهي " صفعتني بطلاقك فركلتك بابنتك، هي لك لا تخصني في شئ " رسالتها التي صفعت روحي ." ص21 

قرأت في مذكرات غيداء:" خيانة زوجته تركت ندبة في روحه لم تشف؛  وابتعاد حبيبته كان بمثابة انهيار الكون ". ص68 وتصرخ ندي:" ما هذا االذي أقرؤه؟ هل أمي خائنه ؟ ومن هي حبيبته تلك التي تركته ؟ "ص68 

عمة ندى ( عفاف سيف الدين )
ترى ندى أن أمها التي هجرتها " على النقيض من عمتها التي ما زالت تهوى زوجها الراحل ، وتهوى الحديث عنه كأنه ترنيمة عشق أبدية " ص21
رفضت عمتها الزواج بعد موت زوجها ( رائد ) :" تظل الفكرة المسيطرة عليها بان زوجها حي بداخلها ، وبالتالي لا يجوز أن تجمع بين زوجين " . ص21
وعمتها علمتها حب القراءة وعرفتها على قلم غيداء
غيداء
عن غيداء صديقة عمتها:" فقد كانت تعاني من فظاظة أسلوبه وكان يعاني من برودها؛ ناسيا أو متناسيا أنه لم يمس فتيل شهوتها لتتأجج نارها، هكذا كانت حياتها معه، أنين صامت يتبعه شهوة لم تكتمل " . ص29 ـ 30
تقول غيداء في مذكراتها:" صغيرتي كانت طفلة جيدة تنام جيدا ولم تكن تبكي كثيرا ، ترضع ثديي ثم لا تلبث أن تعبث به، ثم تتركه وترد رأسها للوراء فور سماعها أغنيتها المحببة " شاطر شاطر " المنبعثة من التلفاز، ثم تلتفت لي وأنا أشدو لها بها، ثم تلتقم ثديي مرة أخرى وتعود للرضاعة ، كنت أحادثها كنا ضجة تستمتع بسماع ما أقوله مقابل أن أتركها تلعب بشعري، ورغم إرهاق الأمومة إلا أن وقت الرضاعة وتمسكها بثوبي ونظرات عينيها المباشرة والعميقة إلى عيني ، وكأنها تتواصل روحيا معي وتستمد نبض عالمها مني تجعلني أذوب حبا فيها أكثر ." ص41
كتبت غيداء في مذكراتها:" أجمل ما في مشاعرها تجاهي ثقتها في ؛ تستسلم لأى فعل أضعها فيه دون تذمر . 

تعلم بأني حين أحممها مثلا ، سيكون الماء دافئا، يناسب بشرتها؛ وأنها لن تشعر بالبرد الصارخلأول مرة، لم تصرخ كعادة الأطفال، فقط نظرت لي ، فابتسمت لها ، فشعرت بالأمان واستمتعت بحركتها ." ص44
" لكنها في العادة أيضا، نشطة تمرح بخفة في ساحة المزرعة، ولا تظهر إلا بين آن وآخر كي تطمئن نفسها بوجود أمها، لم تكن تبدو سعيدة أبدا، بيد أنها كانت سريعة، مرهفة الإحساس مستغرقة ممتلئة بالخيال والتقلب، كانت ( تيلي ) تقول إنها مسحورة، لكن ذلك لا يهم ما دامت لا تبكي فثمة شئ ما يقطع نياط القلب في بكاء آنا، إذ أن حزنها الطفولي كان يبدو مطلقا، ولا يحده زمان كما لو أنه شئ ينتمي إلى كل العصور ." ص72 4قوس قزح ـ د.هـ ـ لورنس ـ ترجمة فاضل السعدوني ـ دار المدى للثقافة والنشر 1998 

" فارس سيف الدين"
ربما يكون الشخصية المحورية في الرواية لأنه محور العلاقات الفاشلة . فعلاقته بابنته غير سوية؛ يعاملها بجفاء و يفتخر بها أمام الناس . 
علاقته بزوجته انتهت بالطلاق وتركت له ندي . 
علاقته بأخته اللأرملة و ضغطه عليها في مسألة الزواج للمرة الثانية .ثم علاقته بغيداء التي عاش معها حتي أسلمت نفسها له فتركها و بدأ يشهر بها و ينعتها بالعاهرة . وهو كما تصفه غيداء:" فارس أو العاشق الثورجي كما أطلقت عليه فور معرفته؛ ذلك الرجل الأربعيني الذي ما زال يتمتع بلياقته البدنية؛ ضخم الجثة؛طويل القامة؛ أصلع في مقدمة الرأس؛ له لحية كثيفة رغم قصرها، شارب، كث دوما مشذب وعينان بنيتا اللون منهكتان، تغوص فيهما ولا تدري أمتعبة أم حزينة أم استكفت من الأوجاع ." ص68

الدكتور مازن الوكيل
تقول ندى: أراه فارس أحلامي بقوة شخصيته ، وسعة علمه ، ورزانه ابتسامته ، وقدرته على التصرف في مختلف الأمور ." ص93
ثم تقول:" أهيم ولها في نظراته الحادة الثاقبة، وتأكيده على كلماته بحيث لا تحتمل اى معان أخرى، رائحته أيضا خلابة ،شهير بأناقته ولباقته ، فهو يحرص على هندامه ومظهره دائما، وبشكل خاص على عنايته بسيارته، يصلح ليكون موديل إعلانات ممتازا عن منتجات منتقاه وتحمل ثمنا باهظا مثل السيارات والعطور والملابس الفاخرة. 
ملامه وجهه تهواها غالبية النساء ، فهو ذو بشرة سمراء محببة للنفس ، مع شعر غزير ناعم الملمس يكلل وجهه، محفور في ذقنه طابع الحسن، يأسر من يراه، جسده رشيق، فارع الطول، لديه ساعدان كرافع أثقال محترف، له عينان سوداوان واسعتان، شفتاه مرسومتان بدقة تغرياني لملامستهما بأطراف أصابعي؛ سنتاه الأماميتان تبرزان عن القطيع مما يجعل كلماته وخاصة حرف ال ( ش ) لها نغمة جذابة لدى السامعين ، أنفه أيضا ملائم لوجهه دون أى ملحوظات ، تعبيراته مبهرة بتنوعها واختلافها المستمر، نرجسي هو ، يذكرني بأبي، نفس النظرات، الأسلوب، شراهة التدخين ، الثقافة العامة ،..." ص96

العلاقات الزوجية
تصف غيداء علاقتها بزوجها:" ما كان يربطني بزوجي عقد انتفاع . 
هو له كل متطلباته اليومية وحقوقه الشرعية، وأنا لي لقب زوجة . كان خسرانه مبينا فهو لم يربح سوى جسدي ؛ فقد كان زوجي فقط. 

وأتذكر يوم زفافي فقد كنت كالذبيحة يسوقها ذابحها بشغف للنح، وينتظرها الجزار شاهرا سكينه يترقب، وهي لا تدري بأي أرض تمو، ولا على أي حال عليها أن تكون " ص81
" زوجي انتهك عذرية جسدي باسم الزواج، وأنت انتهكت عذرية قلبي باسم الحب " ص87
ونعلم من قولها " ليتك اكتفيت بذبحي بالبعد فقط ولكنك تماديت بالتمثيل بجثتي، حين خضت في عرضي، ونعتني بالعاهرة مدعية الفضيلة " ص90 

نعلم إلى مدى وصلت العلاقة بعد الانفصال، كما نعلم من قولها:" حبك كان أقوى من مبادئها . هل تلومها على خلع ثوبها أم على حبها ؟ " ص90 نعلم إلة أى مدى وصلت العلاقة بينهما .
" الذئاب لا تعنيها طهارة الحملان " ص91

الزمن
" كنت في السادسة عشرة من عمري عندما تغير كل شئ " هكذا تبدأ ندى روايتها في مطلع الفصل الأول وفي بداية الفصل الثاني : " دائما ما يؤرخون لدورات الزمن وتحولاتها بالأحداث الكبرى .. " ص28 

ولم نعرف شيئا عن زمن الرواية حتى قولها:" وهذا كان سر انجذابي له فور أول كلمة قرأتها له طوال سنوات أربع أتابعه بشغف . 
كان يكتب كل ما يدور بخلدي دون (ص64 )أن يدري . 

تحدث عن العشق المفقود والوطن المنكوب، والموت المصلوب، والجرح المنكود، حتى حدوث الهدنة بعد اندلاع الثورة المجيدة
في 5 يناير 2011 ؛ وكأنها أتت لتطيب الجراح المنتهكة.

فصار قلمه أخف حدة وأكثر شهوة؛ وصرت أنا مهيأة لاستقبال حب يذيب جليد الكتب و الحرمان "ص65 ثم تقول غيداء:" ويوم التنحي 11 فبراير أبهج النفوس كأن لم يصبها شرخ أبدا ؛وصادف أن بعدها بأيام تاريخ ميلاده ":ص65 هنا فقط نعرف أن الرواية تدور أحداثها في زمن ثورة25 يناير ؛ قبل الثورة وأثناءها وبعدها ؛لم تذكر مني ياسين تاريخ محددا للبداية لكن ربما يكون في 2007 نظرا لأن الثورة قامت وغيداء تتابع فارس سيف الدين لمدة أربع سنوات . 
ثم يتضح الأمر أكثر عندما تقول غيداء:"أتذكر يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة وكم كان توتره وكأن النتيجة خاصة بحياة أموت ؛ كان هذا بعد عودتي لعملي في عام 2007 "ص66. 

ظهرت نتيجة الثانوية إذن في 2007 كان عمرها 18 سنة و عندما قالت كنت في السادسة عشرة من عمري عندما تغير كا شيء؛ كان ذلك في 2005 . وبالتالي يمكن القول إن ندي ولدت في 1989 م
في بداية السنة الخامسة في الكلية أي في العام الدراسي 2011/ 2012 أي في أواخر 2011
أخيرا يظهر تاريخ في صدر الفصل الرابع 19 نوفمبر 2011 . حساباتنا إذن كانت صحيحة ديسمبر 2011
المكان
وهذا هو الظهور الـأول للمكان العام في الرواية ميدان التحرير بمصر. لقد ظلت الأماكن التي ترتادها ندى أو شخصيات الرواية حتى الآن مبهمة ؛ كلها أماكن لا نعلم أين تقع ؛ في أي شارع ؟ في أية مدينة . لم تذكر لنا منى ياسين .

المكان عند منى ياسين غامض وضيق ومحدود
الأماكن التي ذكرتها هي : البيت / السيرك / صالة الرقص / ميدان التحرير / المرسم / حواري هضبة المقطم / المنطقة الجبلية مكان الرحلة . لكن لم يرد بالرواية اسم شارع واحد أو مدينة . ولم يرد اسم مصر إلا في ص185 مرة واحدة .
تحتاج منى ياسين إذن أن تعيد النظر في توظيفها للمكان كأحد الركائز الأساسية في جماليات الرواية الحديثة .