الرؤيا الجمالية،الرشاقة التصويرية،والإشراق الجمالي.. في قصائد الشاعرة التونسية المتميزة سميرة بنصر
تاريخ النشر : 2020-11-21
الرؤيا الجمالية،الرشاقة التصويرية،والإشراق الجمالي.. في قصائد الشاعرة التونسية المتميزة سميرة بنصر
صورة للكاتب


بقلم - محمد المحسن 
كاتب صحفي وناقد تونسي

قد لا أجانب الصواب إذا قلت: لا توجد مشكلة في أن تستحيل-كاتبا مبدعا-،فالمفردات والألفاظ متناثرة..هنا وهناك ومطروحة بالتالي على-رصيف-اللغة..!

لكن الأصعب أن تكون ذاك المبدع القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل -الكاتب-كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدّم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه.
هذا الدور قامت به الشاعرة والقاصة التونسية المدهشة سميرة بنصر عبر مشروعها الشعري وكذا القصصي،ومن خلال -إبداعاتها-المتميزة (وهذا الرأي يخصني) وكبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم..كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص،غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف/الشاعر. فالمؤلف أو الشاع،لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه..
ما أريد أن أقول بخصوص المبدعة السامقة سميرة بنصر..؟
أردت القول:
لاشك في أن الرؤيا الشعرية الخلاقة المنتجة هي أساس كل فن جمالي منتج إبداعياً،على الإطلاق؛ وهذا المنتج الجمالي لايستقي جمالياته إلا من الشكل الجمالي الجذاب والرؤيا العميقة؛ولا نبالغ في قولنا: إن ما يميز شعرية القصيدة عند الشاعرة التونسية سميرة بنصر الرؤيا الجمالية المقتنصة من الفكر الجمالي المبدع الذي تملكه الشاعرة في تخلق الرؤيا المؤثرة بفواعلها الرؤيوية وطاقتها اللغوية الخلاقة،فالقصيدة لديها تقتنص جماليتها من شعرية الصورة،وبداعة التشكيلات اللغوية المبتكرة في إصابة منتوج الرؤيا الشعرية في الصميم.
ولهذا، تبدو القصيدة لديها ذات جمالية خالصة في عمقها وتصوفها و مداليلها المستعصية،على شاكلة قولها:

منحوتة الجوع

أمّاه كفّاك من كفِّ الردى
تسحبني وبنا الرّدى محتفٍ ثملُ
ممّا قد تجزعين وقد سكن الجزع الأحداق والمُقل
مالي أراكِ شبحا تشبث به العظم
ينتقلُ يبغي الحياة ولا يدري
أنّ الحياة لمثلينا معتقلُ ….
لتحيا الملوك في رغدٍِ درّهم
لنا النصر والأملُ
تجري المقادير بنا مثلما تشتهي الدّولُ …………….
(سميرة بنصر)

اشراقات الرؤية الجمالية لدى الشاعرة سميرة بنصر:

الفنان لا يمكن إلا أن يكون جاداً في مغامرته الجمالية في البحث عن أسلوب جديد،وطرائق تشكيلية مبتكرة،تساعده على الارتقاء بمستوى منتوجه الفني،بالارتكاز على أسس جمالية، تتفتق لحظة النشوة والانعتاق الوجودي القصوى،ولهذا لا تثمر المغامرة الجمالية،إلا بالارتكاز على محفزات ومثيرات فاعلة تعزز الموقف الشعري،وتستثير الحساسية الجمالية.
وما ينبغي التأكيد عليه أن فاعلية المغامرة الجمالية المؤثرة في قصائد-سميرة بنصر- تتمثل في مغامرتها بالشكل اللغوي،عبر النسق الجمالي المؤثر،والحياكة الفاعلة التي تعتمد الرشاقة والحساسية التعبيرية،والدهشة التصويرية التي ترفع سوية الأنساق،وتستثير الرؤية الصدمة، لدرجة التكثيف،والإثارة واللذة الجمالية على شاكلة قولها:
رفقا
============
رفقا بعيني ياالْهوى
الصّبُ يحسوه النسيم
.
ما بالُ قلبي اكتوى
والجرح سيّالٌ كريم
.
بيْن الصّبابة والجوى
نارٌ يذَكّيها العقيم
.
يا من سكنتم بالحشا
كان الحشا بكم حليم
.
لكنّ عذر سُيوفكم
أنّا جعلناها تقيم
.
أسكنتُ جُرْحا غائرا
أحيا.. وروحي بالجحيم
........
(سميرة بنصر)

لا شك أن الشاعرة التونسية المتميزة سميرة بنصر تعتمد -في تقديري-الرشاقة التصويرية،بالانتقال من نسق استعاري إلى آخر،لتحريك إيقاع القصيدة،وتحميلها من الدلالات ما يغني رؤيتها،ويكثف قيمها الجمالية،لاسيما عندما تغذي هذه الرشاقة الرؤيا وترفع وتيرة شعريتها على هذا النحو المكثف من الفاعلية والتأثير.
وهنا أختم بالقول:
القصيدة الجيدة هي التي تملك خصيصة التكامل الجمالي،ابتداءً من أدنى جزئياتها إلى أعلاها،وهذا يعني أن سر جمالها في منتوجها التكاملي الفني،وسحرها الإيقاعي،وتأسيساً على هذا، نخلص إلى حقيقة مؤداها،وهي أن الفن الإبداعي الجمالي المثير هو الذي يحقق مقامرته الإبداعية،بسر جمالي لا يتفتق بشكل كامل إلا بعد طول مران،ودربة في تلقيه الجمالي أو الفني الفاعل.
ووفق هذا التصور،فإن غنى النصوص الإبداعية لا يتم بفواعله الرؤيوية إلا عندما يتم الكشف عن سره الإبداعي،ومضمراته الفاعلة التي تؤسس مرجعيته الجمالية الخلاقة،وهذا يعني أن السر الجمالي الذي تنطوي عليه النصوص الشعرية يتعلق بالرؤيا الشعرية وفواعلها المؤثرة في النص الشعري.
ومن يدقق في تجربة الشاعرة سميرة بنصر يلحظ غناها بالمثيرات الجمالية،وارتكاز نصوصها على بريقها وسرها الجمالي الفعال،ولهذا لايمكن أن تحقق القصيدة لديها فاعليتها بالمعنى الدقيق للكلمة إلا من خلال الكشف عن سرها الجمالي ومحورها الارتكازي الذي ارتكزت عليه في تحقيق جماليتها ومصدر إبداعها الخلاق.
ختاما أقول:
إن المثيرات الجمالية التي تؤسسها قصائد سميرة بنصر ترتكز على الصور اللاهبة بدلالاتها، وكثافتها،وحركتها الجمالية،مما يدل على شعرية بالغة التنوع،والمواربة،والاختلاف في رؤاها ومؤثراتها الجمالية،وهذا ما يحسب لها على الصعيد الإبداعي.
لك مني يا شاعرتنا المتألقة سلة ورد..وباقة من التحايا..