حروفاً أنتشلتني من الحريق
تاريخ النشر : 2020-11-21
 بقلم - نمارق مصعب يوسف

الخامس عشر من نوڤمبر، كان اليوم الذي علمت به ان السرطان قد حضر جيشاً وبدأ بمهاجمة لُب صدري، نحو صمامي تماماً.
لم أجد تفسيراً إلى تثاقل نفسي بطريقة مفاجئة كنتُ أُنهي الامر بشرب القليل من الماء ظناً مني أنه كأي شعور أخر، ولم أُلقي أنتباهاً إلى خفقاتي المتسارعة في كل حين، حتى الصُفرة الواضحة بتفاصيل وجهي لم تخبرنِ أن امراً سيئاً إلى هذا الحد بدأ يدنو مني .


السابع عشر من نوڤمبر في الساعة الثانية بعد الظهر بالتحديد، كانت تلك الساعة هي أول شيء شاهداً على الصراع الذي نشب بين مهجتي وجسدي والمواد الكيماوية تلك التي أنسابت بعروقي وكأنها مياه مغليه ،لم تنقذنِ سوى صرخاتي بعد كل الإحتراق الذي أندلع بي وبعروقي أيضاً، سمعت الطبيب خفية يُخبرعائلتي أن المرض قد قارب مراحله الاخيرة، وأنني أقف على حافة نهاية المطاف .


التاسع عشر من نوڤمبر، قصصت شعري بعدما بدأت خصلاته بالتساقط بشكل غير معقول، كنت فتاة تعشق الشعر الطويل إلى أبعد حد، كل ذلك العشق ذهب إدراج الرياح، ملامح وجهي أيضاً بدأت تتغيرر معلنة أستسلامها امام كل هذا.


الحادي والعشرون من نوڤمبر، منذ ما يقارب الساعة والنصف تعرضت لنوبة أختناق كالعادة، فالدم بجسدي لا يتجدد الأكسجين به، فؤادي قد تعب من عمله وأنا في خطواتي الاولى نحو الشباب، قد شاب قبل مشيبي، نوبة الإختناق لا تعدوا غريقاً يحاول النجاة ولا يستطيع، ربي أسألك الراحة لي وسط كل الالم هذا.


جهاز الأكسجين الاصطناعي الذي يُكبل أنفي لم أُحبب رأئحته ابدا.
البريق بعيناي أنطفئ حقاً كيف لفتاة جميلة مثلي أن يؤذيها السرطان في منبع الجمال لديها، أصبحت كروح في جثة هامدة لا يمكنها الحراك، لا تُجيد طبيبتي سوى الإبتسامة لي وحقني بحقناتها المتتالية، اطلقت أسماً على ابتسامتها وهو ابتسامة ما قبل الموت الجسدي.


الخامس والعشرون من نوڤمبر، كانت اول مرة تقيأت فيها الدم، كنت أشعر أن أعظائي الداخلية ستخرج من حلقي، وددتت لو تقيأت وجداني وأنهيت الامر، لم تُفارق عبراتي مقلة عيني حينها، كنت احاول التخفيف من حدة الالم بالقليل من الدموع،لكنها لم تفعل.

بعد كل الصبر وتحمل الاحتراق الذي كان ينساب بي متباطأً، تنبهت طبيبتي أنني لا أستجيب وأنما يزداد الامر تعقيداً .


محاولات البحث عن قلب جديد بلا جدوى، أصبحت متأكدة أن الموت هو الحل الذي سيساعد الجميع فأنا أموت آلف مرة باليوم، خمسمئة مرة برؤية أمي، والخمسمئة الأخرى برؤية من انهدمت أحلامه برفقتي دفعة واحدة-حبيبي-، لا أدري الى هذه الدقيقة بالتحديد أين باب الهروب!