يوم جميل من حياة قلقة بقلم: محمد جبر الريفي
تاريخ النشر : 2020-11-07
يوم جميل من حياة قلقة بقلم: محمد جبر الريفي


يوم جميل من حياة قلقة
بقلم: محمد جبر الريفي

لم تتغير معالم الطريق الذي سلكته في ذلك اليوم الذي توجهت به لأول مرة إلى مدرسة هاشم بن عبد مناف الابتدائية...كان ذلك في عام ٥٢ من القرن الماضي حيث بلغت من العمر ست سنوات وهو تاريخ القبول في السنة الأولى ابتدائي...يومها في الصباح الباكر أيقظتني امي من النوم بعنف...هزت صدري فقمت على الفور افرك عيناي من تحت لحاف خفيف وصغير محشو بقطع َ من الأقمشة القديمة البالية وبسرعة ارتديت ملابسي فرحا...البنطال من القماش الكاكي والقميص جديد اصفر اللون مزركش بخطوط حمراء كان ضمن صرة كبيرة من الملابس احضرها اخي من كنيسة الروم الأرثوذكس...

...في عصر ذلك اليوم تحلقنا حول الصرة مسرورين اخذ كل واحد منا يبحث فيها عن قطعة. من الملابس تناسبه...لقد عثرت إضافة إلى القميص الأصفر على حذاء اسود وضعت فيه قدمي بصعوبه...سلكت الطريق من بيتنا الواقع خلف مسجد الايبكي ََوكانت دكان الحجوري إحدى المعالم القريبة منه ما زالت مغلقة: . لقد اعتاد الحنجوري وهو رجل في الستينات قصير القامة مكتنز لا يستطيع ألمشي دون أن يتكأ على عكاز كبير غليظ من الخيزران اعتاد أن يذهب إلى سوق الزاوية القريب من المسجد العمري مبكرا...هناك يشتري من محلات بيع الجملة بضاعة للدكان...زيت وكاز وطحينة وحلاوة...واجبان وبيض وأشياء أخري كثيرة يضعها في عربة الكارو للشلبي الذي يجلس بجانبه خلف الحصان. في طريقي إلى المدرسة رأيت أبا علي بياع الفلافل واقفا أمام عربته وقد بدأ قبل قليل باشعال وابور الكاز...صوت البابور الذي ينكش رأسه بين فترة أخرى كان يدوي في أرجاء الساحه ومع صوته الاجش كانت رائحة الفلافل الذكية تفوح في المكان لكن جيبي كانت خالية من المصروف وامي اكتفت في ذلك الصباح باعطائي رغيفا من خبز الطابون رشت في داخله حفنة من الزعتر...في السابعة صباحا من ذلك اليوم رن جرس المدرسة فاسرعت لاقف في طابور الصف الأول ابتدائي...هرولت باتجاه الفصل وجلست على المقعد انتظر مجيء المدرس...شاب وسيم طويل القامة قدم نفسه بأنه معلم الفصل...كنت في تلك اللحظة خائفا مرتبكا وكان المدرس قد بدأ يقرأ أول موضوع في كتاب القراءة لمؤلفه خليل السكاكيني َوهو بعنوان رأس روس ودار دور...ظل المدرس يقرأ كل كلمة ونحن نردد وراءه وحين رن الجرس بانتهاء الحصة وكذلك انتهاء اليوم الدراسي عدت إلى البيت فرحا...وجدت ابي جالسا في فناء البيت وعندما رأي كتاب القراءة في يدي طلب مني أن أقرأ منه بعض الكلمات لكني ضحكت وقلت له: لا أعرف حتى يقرأ لنا المدرس...في تلك اللحظة بان على وجهه العريض علامات الفرح ثم وقف وكان طويلا كالنخلة وأخذ يبرم شاربه...