مؤسسة راند الأمريكية وعلمنة الإسلام
تاريخ النشر : 2020-11-01
د. سامي عطا الجيتاوي

انتشر في الآونة الأخيرة دعاة ومفكرين جدد، يطلون علينا بأرائهم الزائفة، وفتاويهم التي تتناقض مع صحيح الإسلام عبر وسائل الإعلام، فهل هذه الظاهرة صدفة أم مؤامرة على الإسلام؟ !

في تقرير أصدرته مؤسسة راند (RAND Corporation) الأمريكية عام 2007، التي تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية، بعنوان ” بناء شبكات مسلمة معتدلة”، وهو يهدف في طرح أفكار جديدة للتعامل مع “المسلمين” وتغيير معتقداتهم وثقافتهم من الداخل تحت دعاوى “الاعتدال”، ويركز التقرير هنا على محاربة المسلمين من خلال بناء أرضية من المسلمين أنفسهم من أعداء الإسلام، مثلما حدث في أوروبا الشرقية وروسيا حينما تم بناء منظمات معادية للشيوعية من أبناء الدول الشيوعية نفسها.

وهذا ما أعترف به عميل سابق لدى (K. G. B) في محاضرة له بعنوان ” الحرب النفسية وتدمير الأمم والشعوب للسيطرة عليها ” بقوله: ” أن من أهم مراحل تدمير المجتمعات هو: ” تدمير الدين؟ ! بأن تسخر منه وتستهزىء به، أو استبداله بمختلف الطوائف والعبادات التي تجعل الناس ترى أن هذا الدين ساذج، بدائي، وغير مهم، وبعدها يتم استبدال المنظمات الدينية المقبولة والمحترمة، بمنظمات وهمية لا تمت للدين بصلة، وتصرف انتباه الشعب عن الإيمان الحقيقي………وهنا يسهل عليك أسر أمه بأكملها وإسقاط عدوك دون إطلاق رصاصة واحدة ”.

ويشير التقرير إلى أسماء كتاب معروفين بتوجهاتهم، وتدعو لدعمهم بالمال، وتذكر أقوالهم وأعمالهم التي تعكس تصادمهم مع أصول الدين الإسلامي أحيانا، مثل الشاعر السوري العلوي علي أحمد سعيد المعروف باسم "أدونيس" الذي يقول إن الدين: "يجب أن يكون خبرة شخصية وروحية، وإن كل الأمور المدنية وشئون البشر يجب أن يختص بها القانون والناس".

كما تشير لأستاذ الجامعة المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي تعرض للمحاكمة 1995 عام على خلفية قوله إن: "القران نص أدبي يخضع للتحليل"، والناشط السياسي التونسي "محمد الشرفي" الذي يعتبر الشريعة "منتجا تاريخيا"، والمهندس السوري الدكتور محمد شحرور صاحب كتاب "الكتاب والقرآن" الذي أثار لغطا ووصفه البعض بأنه "سلمان رشدي" العرب، والذي لا يري أن الحج أو الصوم أو الزكاة من أركان الإسلام.

ومن الأسماء الأخرى المصنفة ضمن المعتدلين العرب في الخليج العربي، وفق التقرير، د. أحمد بشارة الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي في الكويت، ود. شملان العيسى مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت، ومحمد الجاسم رئيس تحرير جريدة "الوطن" الكويتية، إضافة إلى الدكتور محمد الركن مساعد عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات، وعبد الغفار حسين رئيس الجمعية الإماراتية لحقوق الإنسان.

وتؤكد دراسة "راند" أن الأردن تعد "بلدا نموذجيا لبناء شبكات معتدلة في العالم العربي"، ويستشهد على ذلك بما قاله الدكتور مصطفى الحمارنة مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بعمان من أن "المجتمع الأردني أكثر نضجا من الحكومة"، وأن هناك طلبا داخليا قويا للإصلاح والديمقراطية، كما تؤكد أن الإسلام "المصري" بطبيعته معتدل، ويتناقض مع نظيره السعودي، وترى أن التيار الليبرالي في مصر "يحتاج للمساعدة"، هناك من يدعو لطلب الدعم من الولايات المتحدة من أجل بناء شبكات ليبرالية لزيادة التفاعل بين المثقفين الليبراليين.

أما معظم بلدان الخليج بعكس السعودية فيوجد بها "إسلام معتدل" كما هو الحال في الكويت والبحرين والإمارات، ولكن "المشكلة أنه لا توجد شبكات تنظم هؤلاء المعتدلين في علاقات تفاعلية، مثلما يفعل نظراؤهم الإسلاميون السلفيون، بحسب الدراسة. وفي الكويت، يشير "راند" إلى أن جامعة الكويت وبيت المال الكويتي يسيطر عليهما تيار الإخوان المسلمين، في حين يكافح الليبراليون في الكويت من أجل دعم الديمقراطية والتعددية الاعتدال".

من هو "المعتدل"...أمريكيًّا؟

من يقرأ التقرير سوف يلحظ بوضوح أنه يخلط بشكل مستمر وشبه متعمد ما بين "الإسلاميين" و"الراديكاليين" و"المتطرفين"، ولكنه يطالب بدعم أو خلق تيار "اعتدال" ليبرالي مسلم جديد أو [ [Moderate and liberal Muslims] ] ويضع تعريفات محددة لهذا "الاعتدال الأمريكي"، بل وشروطا معينة، من تنطبق عليه فهو "معتدل" -وفقًا للمفهوم الأمريكي للاعتدال، ومن لا تنطبق عليه فهو متطرف.

ووفقًا لما يذكره التقرير، فالتيار (الإسلامي) المعتدل المقصود هو ذلك التيار الذي:

1 - يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية. ؟

2 - يؤمن بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج. ؟

3 - يؤمن بحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة. ؟

4 - يدعم التيارات الليبرالية. ؟

5 - يؤمن بتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: "التيار الديني التقليدي" أي تيار رجل الشارع الذي يصلي بصورة عادية وليست له اهتمامات أخرى...؟ و"التيار الديني الصوفي" - يصفونه بأنه التيار الذي يقبل الصلاة في القبور (؟ !) - وبشرط أن يعارض كل منها ما يطرحه "التيار الوهابي". ؟

ويلاحظ هنا أن التقرير يستشهد بمقولة لليهودي دينس روس المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط يتحدث فيها عن ضرورة إنشاء ما يسميه (سيكولار – secular - دعوة) أو (دعوة علمانية) ! والمقصود هنا هو إنشاء مؤسسات علمانية تقدم نفس الخدمات التطوعية التي تقدمها المنظمات الإسلامية، سواء أكانت قوافل طبية، أو كفالة يتيم، أو دعم أسري وغيرها.

أما الطريف هنا فهو أن الدراسة تضع أحد عشر سؤالاً لمعرفة ما هو تعريف (المعتدل) - من وجهة النظر الأمريكية – وعند مؤسسة راند وتكون بمثابة اختبار يعطي للشخص المعرفة إذا كان معتدلاً أم لا؟ . وهذه المعايير هي:

1 - أن الديمقراطية هي المضمون الغربي للديمقراطية.

2 - أنها تعني معارضة "مبادئ دولة إسلامية".

3 - أن الخط الفاصل بين المسلم المعتدل والمسلم المتطرف هو تطبيق الشريعة.

4 - أن المعتدل هو من يفسر واقع المرأة على أنه الواقع المعاصر، وليس ما كان عليه وضعها في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

5 - هل تدعم وتوافق على العنف؟ وهل دعمته في حياتك من قبل أو وافقت عليه؟ .

6 - هل توافق على الديمقراطية بمعناها الواسع...أي حقوق الإنسان الغربية (بما فيها الشذوذ وغيره) ؟ .

7 - هل لديك أي استثناءات على هذه الديمقراطية (مثل حرية الفرد في تغيير دينه) ؟ (أي الردة؟ !)

8 - هل تؤمن بحق الإنسان في تغيير دينه؟

9 - هل تعتقد أن الدولة يجب أن تطبق الجانب الجنائي من الشريعة؟ (أي: عقاب السارق والزاني...؟ !) () وهل توافق على تطبيق الشريعة في جانبها المدني فقط (الأخلاق وغيره) ؟ ، هل توافق على أن الشريعة يمكن أن تقبل تحت غطاء علماني (أي القبول بتشريعات أخرى من غير الشريعة) ؟

10- هل تعتقد أنه يمكن للأقليات أن تتولى المناصب العليا؟ وهل يمكن لغير المسلم أن يبني بحرية معابده في الدول الإسلامية؟

وبحسب الإجابة على هذه الأسئلة سوف يتم تصنيفه هل هو معتدل (أمريكيًّا) أم متطرف؟ !

ويذكر التقرير ثلاثة أنواع ممن يسميهم (المعتدلين) في العالم الإسلامي، وهم:

(أولاً) : العلماني الليبرالي الذي لا يؤمن بدور للدين.

(ثانيًا) : "أعداء المشايخ"...ويقصد بهم هنا من يسميهم التقرير "الأتاتوركيين " - أنصار العلمانية التركية - وبعض "التونسيين".

(ثالثًا) : الإسلاميون الذين لا يرون مشكلة في تعارض الديمقراطية الغربية مع الإسلام...ثم يقول بوضوح إن التيار المعتدل هم من: يزورون الأضرحة، والمتصوفون؟ ، ومن لا يجتهدون. ؟ !

وهدفهم من بناء هذه ” الشبكات المعتدلة ” أن يكون الإسلام على الطريقة الأمريكية، وهو ما يعرف بعلمنة الإسلام “، أي إسلام فارغ من محتواه،

ولم يقتصر تصنيف "راند" للحلفاء المحتملين من "المعتدلين المسلمين" على ثلاثة قطاعات تقليدية، هي: "العلمانيون، والليبراليون، والصوفيون"، ولكنه امتد إلى من يسميهم التقرير: "العلمانيون السلطويون"، ومنهم: "البعثيون، والناصريون، والشيوعيون الجدد" الذين "على الرغم من علمانيتهم الظاهرة فإنهم قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط من أجل كسب التعاطف الشعبي على غرار ما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين". في أواخر فترة حكمه، حسبما يقول التقرير. كذلك يطرح التقرير من يسميهم "الإسلاميين الليبراليين" ضمن الحلفاء، ويقول إنهم يختلفون مع "العلمانيين الليبراليين" في أيديولوجيتهم السياسية، إلا أنهم يحملون "أجندة فكرية وسياسية تتلاءم تماما مع القيم الغربية"، وهم يأتون من أوساط "الإسلاميين التحديثين" مثل الناشط الإسلامي في ماليزيا "عليل أبصر عبد الله" وشبكته الليبرالية.

وفي المقابل: يؤكد تقرير "راند" على الرفض التام لإدخال "الإسلاميين" ضمن شبكة المعتدلين هذه، باعتبار أن"هناك شكوكا حول خطاب الإسلاميين بشأن موقفهم من الديمقراطية وهل يعبر عن موقف تكتيكي أم إستراتيجي، والشكوك حول ما إذا كانوا سيقبلون بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، والتخلي عن فكرة الدولة الإسلامية". ومن أخطر توصيات المؤتمر دعوته إلي تنقية التراث الديني من الحديث النبوي الشريف () ، والاعتماد على نصوص القرآن الكريم كمرجعية وحيدة، فإن هذه الحملات التي تشن من قبل الدعاة والمفكرين الجدد لتشويه صورة الإسلام وتشكيك الناس في السنة ليس من قبل الصدفة، بل أنها مؤامرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، (هل سمعتم يا من تهاجمون السنة والبخاري؟) وهذه المؤامرة ليست جديدة، فهذا الأمر تم طرحه من قبل المستشرق اليهودي المجري ” جولدزيهر ” فقد ذهب إلي أن الأحاديث النبوية نتيجة للتطور الديني والسياسي في القرنين الأول والثاني، وزعم أيضاً المستشرق اليهودي ” شاخت ” أن علماء المسلمين كافة في القرون الثالثة الأولى كانوا كاذبين، وأن الأحكام الفقهية لا ترجع إلي أصول دينية، إنما ترجع إلي أحاديث مكذوبة اختلقها الفقهاء وصنعوا لها الأسانيد.

فهذه الحرب الشرسة على الإسلام ليس بالأمر الجديد، فأعداء الإسلام دائماً ومنذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يريدون أن يخرجوا المسلمين من اتّباعهم للصراط المستقيم، وأخبرنا الله سبحانه وتعالى أن الذي تصغي قلوبهم لهذه الافتراءات والأكاذيب هم الأشخاص الذين لا يؤمنون بيوم الحساب، ويحبون أن يعيشوا في الدنيا وفق أهوائهم (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (الأنعام: 113). وفي الآونة الأخيرة كثرت ظاهرة الإفتاء بما لا يوافق كتاب الله بزعم أنها دعوة لتجديد الدين بما يوافق روح العصر، كمفتي تونس (عثمان بطيخ) الذي خرج علينا بفتوى توجب المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وفي هذه الفتوى معارضة صريحة لآية محكمة واضحة في القرآن (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) (النساء: 11)

فإن هذه المؤسسة التي تريد وتسعى بكل قوتها في تجديد الدين بما يوافق أهواءها، وتغير الفتاوى بما يفسد على الناس إيمانهم وعقيدتهم، وأطلق الله سبحانه وتعالى على من لا يرضى بحكم الله في آياته بأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وهؤلاء هم العلمانيون اللادينيون بقوله: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس: 15).

والهدف من وراء هذه الحملة الشرسة لتشويه صورة الدين يكشف لنا النقاب عنها المؤرخ البريطاني ” أرنولد توينبي ” في كتابه (الإسلام والغرب والمستقبل) موضحاً هدفهم من هدم الدين بقوله: (إننا ظللنا نطارد الرجل المريض وهو كناية عن “الإمبراطورية العثمانية ” ونهاجمه لكي يترك دينه، لأنه كان ينظر إلينا من عالٍ كأننا خنازير برية، فلما ترك دينه وتبعنا احتقرناه، لأنه لم يعد عنده ما يعطيه) فهو يعترف أن الدين أصل الحضارة، فبترك الدين تنهار الحضارة، وتصبح الدولة مجرد تابعة لحضارة وثقافة أخرى، وهذا هو الهدف من تدمير الدين، هو الهيمنة والسيطرة على الدول. وهناك هدف آخر من تدمير الدين تكشف عنه النقاب أيضاً الباحثة الأمريكية ” مارجريت ماركس” تقول بصراحة: (إن الأقسام المتخصصة في الجامعات، والمراكز العلمية المنتشرة في أوربا وأمريكا والمتخصصة في دراسة الإسلام، إنما تقوم بذلك من أجل تحقيق غاية واحدة هي: التمكن من العدو لتدميره؟ وتلك المعاهد ومراكز البحوث مشغولة اليوم بتكوين أتباع للغرب في قطر إسلامي تلو الآخر، وهدفهم من وراء ذلك إحباط أي محاولة لبعث إسلامي حقيقي) …… فهم يعترفون صراحة أن هدفهم من ذلك إعاقة ومنع ظهور بعث إسلامي حقيقي يعتز بدينة وتاريخه ويقدر قيمته الحضارية، على غرار جيل: نور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، الذين استطاعوا بفضل تمسكهم بإيمانهم واعتزازهم بتاريخهم، أن يكسروا شوكة أعدائهم، وخيبوا كل أمالهم في السيطرة على العالم الإسلامي، بعد حملات صليبية استمرت قرابة قرنين من الزمان. .

لذلك عندما أراد ” لويس التاسع ” أن يوجه نصيحة للأجيال القادمة من بعده، بعد أن هزم بموقعة المنصورة عام 1250 م وأسر في (دار ابن لقمان) في المنصورة، قائلاَ: (إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده، ولكن حاربوهم في عقيدتهم وثقافتهم، فهي مكمن القوة فيهم) …… ومما سبق يتضح أن ليس من قبل الصدفة ظهور هؤلاء الدعاة الجدد والمفكرين العصرانيين الذين يريدون أن يشككوا الناس في دينهم، ومن ثم الميل والاعتزاز بحضارة مغايرة لحضارتنا، ومن ثم يتحقق هدف الصهيونية العالمية التي تهدف إلي هدم الأديان، من أجل فرض سيطرتها وهيمنتها على العالم، وهذا ما أشار إليه المستشرق (هانوتو) وهو مستشار سياسي لوزارة المستعمرات الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر: (لقد تركزت أهداف الحروب الصليبية قديماً في استرداد بيت المقدس من المسلمين البرابرة، ومما يزعج الغرب بقاء لواء الإسلام منتشراً على مهد الإنسانية، ولذا يجب أن نعمل على نقل المسلمين إلى الحضارة الأوروبية بقصد رفع الخطر الكامن في الوحدة الإسلامية بتشويه الدين الإسلامي، وتصويره في نفوس معتقديه بإبراز الخلافات المذهبية والتناقضات الشعوبية والقومية والجغرافية، مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية، وتمجيد القيم الغربية، والنظام السياسي والسلوك الفردي للشعوب الأوروبية.). لذلك حذرنا الله سبحانه وتعالى من اتباع أهواء اليهود والنصارى (الغرب وإسرائيل) الذين يحاربون ديننا، وأخبرنا سبحانه وتعالى أن التمسك بهديه ومنهجه سبب نصرنا على أعدائنا، وأن اتباعنا لأهوائهم وترك هديه سبب تخلي الله عنا ونصرهم علينا، بقوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة: 120)...ووعدنا الله سبحانه وتعالى بأن ينصرنا على أعدائنا ويقوي شوكتنا عليهم بتمسكنا بمنهجه ونصرنا لدينه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

موقف مؤسسة "راند" من القرآن الكريم

لا يختلف موقف مؤسسة راند من القرآن الكريم عن موقف المستشرقين، بل يمكن القول إنه امتداد لموقفهم المعادي للقرآن الكريم، وإن كان ثمة اختلاف فلا يعدو كونه اختلاف أملته تطورات العصر، وتجدد الوسائل. فمعد التقرير اليوم لم يعد يسمى مستشرقا، بل خبيرا بشئون الشرق، أو نحو ذلك من المسميات، ومصدر التقرير لم يعد معهدا لدراسات الشرق، بل مؤسسة بحثية، لها أبحاثها في شتى العلوم والمعارف. أما الفكرة فهي هي، تلك التي قيلت منذ عشرات السنين، لا اختلاف إلا في اللباس الجديد الذي أُلبسته. وبالرغم من النظرة السلبية التي تحملها مؤسسة راند للقرآن الكريم، إلا أنها استدلت به، ورجعت إليه فيما تعتقد أنه يخدم توجهها. وترى مؤسسة راند أنه من المصلحة – في الوقت الحالي – البعد عن نقد القرآن الكريم، لا لأنه غير قابل للنقد في نظرها، بل لأن المسلمين يعتقدون قداسته وخروجه عن نطاق النقد، وذلك نا يضعف التعويل عليه في تغيير قيم العالم الإسلامي، والأولى من ذلك التركيز على الحديث الشريف. بل هي تنصح الغرب بالالتفات للسنة النبوية دون القرآن الكريم في عملية التأثير على العالم الإسلامي.

موقف مؤسسة راند من السنة النبوية

لمحاولة معالجة جذور الإرهاب في العالم الإسلامي والبحث لها عن حلول ضمن سياق ما بعد أحداث ٩/١١ قامت معظم مراكز الدراسات الأمريكية بدراسة الحركات الإسلامية ودورها السياسي، إلا أن مؤسسة راند خالفت ذلك، وركزت على دراسة الإسلام نفسه وكيفية تطويعه وتعديله وتبديله ليتوافق مع القيم الديمقراطية الليبرالية والاستراتيجية اللازمة لتنفيذ هذا التطويع والتبديل للإسلام، ولكن على عادة المستشرقين الجدد فإن هذه الدراسات يقدمها غير مختصين بشؤون الإسلام، وهاجسهم التوظيف السياسي للإسلام للمصلحة الأمريكية، وأبرز نموذجين لذلك تقرير "إسلام حضاري مدني" أو الاسم الآخر له "الإسلام الديمقراطي المدني" حيث طرحت له ترجمتان بالعربية، وتقرير "بناء شبكات الاعتدال الإسلامي".

تتنوع طبيعة دراسات مراكز الأبحاث بين كونها دراسة للفهم أو التفسير للوقائع أو للتأثير والتغيير كما هو حال هذه الدراسة "الإسلام الديمقراطي" حيث تصرح معدة التقرير أن تحقيق الحاجة والهدف قد تصل لتغيير الدين أو إعادة بنائه!

في عام 2003، نشرت مؤسسة راند للأبحاث (وهي منظمة غير ربحية تتلقى دعما ماليا مباشرا من وكالة المخابرات الأميركية والپنتاغون، تأسست 1948 عام لتكون بمنزلة خلية تفكير Think Tank تقدم تقاريرها واستشاراتها لصانع القرار الأميركي) كتابا بعنوان «الإسلام الديموقراطي المدني»، من تأليف رئيسة المؤسسة آنذاك اليهودية النمساوية شيريل بينارد، وهي بالمناسبة زوجة زلماي خليل زادة، أحد أقطاب جناح الصقور في الحزب الجمهوري، وأحد المساهمين الأساسيين في تدمير العراق وأفغانستان بعد 11 أحداث سبتمبر، رغم أنه مسلم ومن أصل أفغاني ومن قبيلة البشتون!

والكتاب في حقيقة الأمر، تقرير استخباراتي وقح يمتلئ بالتحريض على قتل المسلمين، وتصنيفهم، وتشجيع القتال فيما بينهم.

وتقوم أطروحة شيريل بينارد على أساس أن الإسلام يشكل خطرا على العالم، ولكنه دين واسع الانتشار، وراسخ في قلوب أتباعه، وبالتالي ليس من السهل محاربته بطرق تقليدية، وإنما لمصلحة أميركا وأوروبا تغييره من الداخل بإسلام جديد يتماشى مع القيم الأميركية والغربية عموما، وأهمها الديموقراطية، وحقوق الإنسان، ومبادئ السوق العالمية الحرة (الرأسمالية الجشعة).

واعتمدت بينارد على مراجع ومصادر غير أصلية إسلاميًا، وغالبها كتابات منحرفة إسلاميا، مما يؤشر لكون التقرير موجه منذ البداية لغاية تغيير الدين وتطويعه للأجندة الأمريكية، ولذلك كان من الطبيعي أن تأتي الإجابة بتبديل وتطوير الإسلام ليتوافق مع القيم الديمقراطية والغربية شريطة عدم إثارة المسلمين، مما يعمق مشكلة العنف ضد أمريكا!

وهذا يكشف عن غياب الموضوعية والمهنية في التقرير، واتصافه بالتهور والتطرف عبر اقتحام باحثة غير موضوعية وغير كفؤة أصلا لمهمة مستحيلة، وهي تبديل الإسلام، وهي القضية التي أحجم عنها كبار المستشرقين التقليديين المتخصصين...؟ وهي ترى أن هذا ممكن وأن الفرصة مواتية بسبب وجود صراع ديني نشط بين التيارات الإسلامية، وبسبب التكفير المتبادل بينهم، وهو صراع قديم حول تحديد ما هو «الإسلام الصحيح»، فالمسلمون أنفسهم منقسمون ومختلفون حول ذلك، ومن هنا تدعو بينارد إلى دعم التيارات الفكرية القريبة من الفكر الغربي، مثل العلمانيين والحداثيين حسب تصنيفها. .

رؤية التقرير للسنة النبوية:

ليس للتقرير موقف جديد من السنة السنوية بناء على اجتهاد من الباحثة، بل هو تكرار للمواقف السلبية القديمة للمستشرقين، وما اجترته مواقف المعاصرين من العلمانيين اليساريين، والعصرانيين العرب والمسلمين....

يتبنى التقرير موقفا سلبيا من القرآن الكريم والسنة النبوية، لكنه يؤكد على ضرورة تجنّب الطعن والنقد للقرآن الكريم حاليا؟ حتى لا يثير المسلمين ضد أمريكا، والتركيز على التعامل مع الحديث والسنة؟ وتوظيفهما لصالح القيم الغربية وتبديل الإسلام.

ومع ذلك يسعى التقرير لتوظيف السنة للطعن بالقرآن الكريم، حيث يزعم أن عدم تطبيق النبي لبعض المباح أو المكروه يطعن بصحة بعضِ ما جاء بالقران، كعدم ضرب الرسول- صلى الله عليه وسلم - لزوجاته! ؟ وتناقَض التقرير مع نفسه عندما جعل فعل النبي للتعدد في الزوجات دليلا على خطأ التعدد الوارد في القرآن، بدعوى أنه فعله لغايات سياسية مصلحية! مما يؤكد الغاية، وهي تحريف الدين؟ .

- التقرير نفى صفة النبوة والرسالة لصالح صفة المُصلح على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تربط توجيهاته بعصره ووقته، وهي جزء من إيمانه بتاريخانية الإسلام والقرآن والسنة.

- واعترض التقرير على الجانب التشريعي للسنة، ونفى قدرة السنة على اتخاذ موقف صارم أو قرار تشريع. .

- وفي تعريفه للحديث شكك في اعتماد المنهج العلمي للتعامل مع السنة، - كما أن التقرير يؤصل لفكرة توظيف السنة للدفاع عن قِيَم المدنية والديمقراطية، وليس الإسلام والتوحيد، اتكاءً على قيام اتجاهات سابقة بوضع الحديث لمصالح سياسية! وادّعى التقرير أن مصداقية الحديث تعتمد على انتشاره وشعبيته، وليس على موثوقيته العلمية، وهكذا أصبحت السنة النبوية ثقافة شعبية، لا وحيا ربانيا، وكل هذا تكرار لمزاعم المستشرقين السابقة؟ .

- شكك التقرير بالبخاري اعتمادا على موقع للقرآنيين، والشبهة التي طرحها التقرير 2003 سنة م أصبحت متداولة اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر الحديثَ أداة مشكوكا فيها وذات عيوب....

- ويريد التقرير أن يمرر قيم العلمانية من خلال الحديث والسنة بغض النظر عن صحة الحديث من عدمه، وبغض النظر عن مسلك أهل العلم في الاستدلال المتمثل بعلم أصول الفقه، والقواعد الفقهية، بالاعتماد على أي رواية توافقه ظاهرية سواء صحت أم لا، أو دلت على ما يريد أم لا، وهذه الانتقائية تدل على أن الهوى هو مرجعيتهم، وليس ما يتوافق مع مصادر الإسلام من القرآن والسنة وغيرهما....

ولكن التقرير ينصّ على أن توظيف السنة لتمرير العلمانية وضرب الفتاوى المضادة لها يكون بشكل ثانوي وتكتيكي؟ حتى لا يرسخ شرعية السنة

ولنجاح هذا التوظيف يلزم ضرب مكانة العلماء وكسر احتكارهم لشرح السنة وفتح المجال للجميع...! - ويدعو التقرير لوضع قائمة بأحاديث مضادة لما يطرحه العلماء لتكون في متناول أنصار الديمقراطية! والاستفادة من جهود حركة الفقه الانتقائي التي مزجت بين التأويل الشرعي والقانون المدني، والتي تمت في عدة أماكن؟ لقد شككت بينارد بالسنة واستشهدت بانتقائية منها، وأصّلت لتوظيفها لنشر الديمقراطية وقيمها، والإضافة التي قدمها التقرير على طعن المستشرقين السابقين بالسنة، هي محاولة تطويع الإسلام وتطويره بالشكل المناسب للغرب، عن طريق التلاعب بالسنة، ووضع سياسات وخطوات عملية لتنفيذ ذلك عبر التشريعات والقوانين والمؤسسات الرسمية، وجعلها أداة ضمن استراتيجية الولايات المتحدة؟

ما هي الاستراتيجية المقترحة لتحقيق رؤية التقرير تجاه السنة في واقع المسلمين؟

غاية التقرير هي صنع إسلام يتواءم مع مصلحة الغرب، من خلال فهم الإشكاليات في بُنيته نفسه ثم تعديلها! لأن التقرير ينطلق من مسلّمة مغلوطة، وهي مسؤولية الدين عن الإرهاب، فعزل الدين يؤدي إلى زوال الإرهاب...ولكن حتى لا يُحدث ذلك أثرا جانبيا بزيادة العداء لأمريكا والمزيد من التطرف، يلزم القيام بذلك من داخل الصف الإسلامي! وهذا يتطلب فحص قائمة الفاعلين في العالم الإسلامي، واختيار الشريك المناسب منهم، ومن ثم دعمه، وفسح المجال أمامه، وإقصاء المخالفين من طريقه لتتم العملية بنجاح....

وصنفت شيريل بينارد المسلمين في تقريرها «الاستخباراتي» إلى أربع فئات:

أولا الأصوليون: وتقسمهم إلى أصوليين نصوصيين، وتعتبرهم متطرفين وإرهابيين، وأصوليين تقليديين أقل تشددا، لكنهم بالنهاية أيضا إرهابيون.

ثانيا التقليديون: وهم أقل تشددا من الأصوليين، لديهم بعض المرونة في التعامل مع النصوص الدينية، لكنهم في النهاية يريدون مجتمعات محافظة ولا يقبلون بالنموذج الأميركي، وبالتالي فهم مثل الأصوليين لا يمكن للغرب التعامل معهم أو قبولهم.

ثالثا: الحداثيون: وهم الذين يريدون «تحديث» الإسلام وتطويره ليتماشى مع القيم الأميركية. ؟

رابعا العلمانيون: وتقسمهم إلى نوعين، النوع الأول: علمانيون رافضون للدين على الطريقة السوفييتية وهم العسكر تحديدا، والنوع الثاني: علمانيون يريدون فصل الدين عن الدولة على الطريقة الغربية.

وبعد فرز وتصنيف المسلمين إلى هذه الفئات الأربعة، تقول بينارد بوضوح لصانع القرار الأميركي، إن النوع الأول والثاني من المسلمين (الأصوليين والتقليديين) لا يمكن التعامل معهم، ولا قبولهم، ولا التسامح معهم، بل يجب ضربهم وتدميرهم بكل الوسائل.

أما النوعان الثالث والرابع (الحداثيون والعلمانيون) فهم من يجب الاستثمار بهم، ودعمهم، وفتح المنابر ووسائل الإعلام لهم، وإبراز ممثليهم بوصفهم رموزا وأبطالا ومثالا يحتذى.

ثم تشرع في بقية التقرير في تحديد ما ينبغي على الإدارة الأميركية وأوروبا فعله لتدمير المسلمين من النوع الأول والثاني، وتضع نقاط محددة وبرامج مدروسة وخططا واضحة لكيفية فعل ذلك، من خلال تشجيع القتال بينهم بشكل خاص، (سنة وشيعة) وكيفية تهيئة الفرصة لصعود العلمانيين والحداثيين بعد ذلك. فمن هم هؤلاء الحداثيون المعتدلون الذين يرشحهم التقرير لهذه المهمة؟

وأورد تقرير الإسلام الديمقراطي خمسة نماذج للحداثيين المقترحين للدعم، وتبنى مواقفهم تجاه السنة النبوية وهم:

1- محمد شحرور؟ !

2- فتح الله كولن؟ !

3- خالد أبو الفضل؟ !

4- شريف ماردين؟ !

5- بسام الطيبي؟ !

وهي خلطة غريبة لا يجمعها سوى انحراف كل الأسماء فيها عن جادة الصواب، وتناغمهم مع القيم المادية الغربية، وخطورة هؤلاء تكمن في أنهم يتسترون خلف شعار خدمة الدين لا عدائه؟ !

أما تقرير "بناء شبكات الاعتدال" الذي شاركت فيه شيريل بينارد مع آخرين فهو تكملة لبناء استراتيجية دعم شركاء نافعين للمصالح الأمريكية خاصة، والغرب عامة، وأضاف هذا التقرير في فصل الحداثيين أسماء فاقعة مثل: نوال السعداوي، وسعد الدين إبراهيم، وعبد المجيد الشرفي، ومِن الأسماء في قائمة التقليديين المعتدلين يُطرح اسم (جماعة الأحباش) ؟ ! . وكل هؤلاء الحداثيين لهم موقف سلبي من السنة النبوية، فمِنهم من لا يؤمن بمرجعيتها، بل مرجعية الشريعة الإسلامية كلها أصلا، ومنهم من يردّ السنة كلياً كالقرآنيين الذين استشهد بهم التقرير، أو يقبل الأحاديث المتواترة فقط، أو ما يوافق القرآن، ويمكن أن يؤول ما يريده أيضاً، وهم يؤمنون بتاريخانية الإسلام والقرآن والسنة...؟ .

ولو أخذنا محمد شحرور كنموذج لفهم رؤيته للسنة النبوية، سنجده

قد قال في لقا ئه مع منتدى الشرفة –: " لا أقبل الجلوس عند أقدام (ابن عباس) و(الشافعي) ” () ثم قال: : أما حول مصداقية البخاري ومسلم فيكفي أنك ترى ضمن هذه الكتب أحاديث مثل المعراج والجساسة وأعور الدجال، والمهزلة فوق ذلك أنها وحي، فكيف أفهم أن الملاك جبريل جاء رسول الله (ص) ليعطيه خبر الجساسة، وخبر أن موسى ضرب عزرائيل بحجر وقلع له عينه؟ علماً بأن كل أحاديث الغيب مرفوضة لأن النبي لا يعلم الغيب إطلاقاً إلا ما أوحي إليه في التنزيل، ومن هنا كان نبياً. إن إهمال هذه الكتب لا ينقص من الدين شيئاً بل يريحنا من لزوم مالا يلزم. ؟ ولو تتبعنا دور سعد الدين إبراهيم في الطعن بالسنة النبوية سنجده ينظم ندوة بعنوان "الإسلام والإصلاح" في القاهرة في أكتوبر 2004 م بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز الأمريكي، ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية، ومنبر الحوار الإسلامي بلندن، شارك فيها عشرون شخصا، من أبرزهم محمد شحرور، الذي قدم التوصية الأبرز بالاقتصار على المرجعية القرآنية ونبذ السنة النبوية!

فهذه حقيقة موقف الحداثيين من السنة النبوية، والذين ستوكل لهم مهمة تطوير وتطويع الإسلام للديمقراطية.

لكن التقرير يدرك أن الحداثيين يعانون من نخبوية، وقلة في الموارد وعدم شعبوية مما يجعل تأثيرهم ودورهم هامشيا، ولتجاوز ذلك يقترح السياسات والخطوات التالية:

1- خلخلة الوظائف والأدوار بين الفاعلين في الحقل الديني الذي يسيطر عليه التقليديون والأصوليون، وتبديل أنماط العلاقات السائدة بين هذه الاتجاهات لتصبّ في صالح الحداثيين، وبذلك يتم إضعاف الأصوليين.

2 - دعم الحداثيين مقابل التقليديين مع دعم العلمانيين بشكل فردي.

3- ضرب التقليديين بالأصوليين، ويمكن الاستفادة التكتيكية من الأصوليين المعتدلين لضرب الأصولية المتطرفة.

4- دعم التقليديين فيما يتوافق مع الرؤية الغربية، ويمكن جعلهم في الواجهة والطليعة لتمرير المشروع.

5- العلمانيون -برغم تقاطعهم مع الغرب في القيم- إلا أن الماركسيين منهم يعادوننا سياسيا فيلزم عدم تقويتهم جماعياً، بل التعامل الفردي معهم.

6- يتمثل دعم الحداثيين بنشر أعمالهم ودمج آرائهم في مناهج التعليم وفتح منابر الإعلام لهم وزيادة وجود الحداثيين في المؤسسات الدينية التقليدية. ؟ ! وهذا ما يحصل مع الحداثيين وشحرور بالذات، إذ تجد كتبه قد طبعت أكثر من طبعة، فيظن المغفلون أن ماطرحه المؤلف من أفكار تستحق الدراسة، فيشتري الكتاب ويحصل له ما حصل لي؟ !

ومن خلال هذا التعريف للاعتدال وللحداثيين المناط بهم تطوير وتطويع الإسلام، تتكشف الحقيقة واضحة لكل ذي عينين، أن هؤلاء الحداثيين أصحاب مشاريع هدامة في الغالب، ومعادية للإسلام والقرآن الكريم والسنة النبوية، وهي مشاريع قديمة وليست حديثة، وهي سابقة على اهتمام مؤسسة راند، وبعض هذه المشاريع ينطلق من أرضية فكرية علمانية ماركسية ويسارية مخالفة لتوجهات "راند"، ولكن توصيات شيريل بينارد في هذا الصدد كانت تقديم الدعم الفردي لجهود ومشاريع بعض العلمانيين المخالفين، أي الماركسيين، لتتجنب أمريكا تبعات المواقف السياسية والأيدلوجية المناقضة لها من هؤلاء الماركسيين لو نجحوا في العالم الإسلامي، وفي هذا انتهازية واضحة، فالتقرير يريد توظيف الماركسيين ودعمهم ورعايتهم كأفراد لتطويع الإسلام لصالح أمريكا، وليس لصالح الماركسية!

الهوامش

- مؤسسة راند Rand Corporation) ) مركز فكري أمريكي مقره الرئيس في ولاية كاليفورنيا. يعمل فيها ما يقارب 1600 من باحث وموظف من أكثر 45 من دولة، حتى يصبح لديهم معرفة بواقع كل مجتمع، ، يحمل غالبيتهم شهادات أكاديمية عالية. ميزانيتها السنوية تتراوح 100 بين - 0 15 مليون دولار أمريكي. من أحد المؤسسات الفكرية المؤثرة بشكل كبير على المؤسسة الحاكمة في أمريكا. تدعم توجهات التيار المتشدد في وزارة الدفاع، وتدعم الوزارة الكثير من مشروعاتها، وعلى رأس الداعمين الأفراد هو اليهودي الفارسي يونس نازاريان وزوجتة سورايا، ولهما أنشطة في لوس أنجلوس وفي تل أبيب، وعبارتهما على الموقع: يشكران فيها راند في إحلال الأمن اليهودي وفي دعم الحكومة اليهودية. ونشاطات مؤسسة راند لا تقتصر على الناحية السياسية، هناك نواح اجتماعية، اقتصادية، ثقافية. وأكثرها تتمركز الآن حول المحافظة على" الأمن القومي الأمريكي. وأصبح هذا هو المحور الرئيس بعد أن انتهت الحرب الباردة، فتوجهت أنظار راند إلى العالم الإسلامي. ترتبط بعلاقات مع وكالة المخابرات المركزية CIA، ومكتب التحقيقات الفدرالية FBI...تصب كثير من دراساتها وبحوثها في خانة أنصار مواجهة الإسلام والمسلمين. وضع عبارة (عملاء مؤسسة راند في العالم العربي على جوجل) تظهر لك أسماء العملاء...أو المفكرين الكبار؟ !

- يقول شحرور: فعقوبة القاتل هي القتل بالمثل، وهي الحد الأعلى الذي لا يجوز تجاوزه أو تعديه، إنما يجوز النزول عنه واستبداله بعقوبات أخف من الإعدام. فالبلاد التي تقر الإعدام وقفت على حد العقوبة القصوى، والبلاد التي ألغت أحكام الإعدام تكتفي بالسجن المؤبد مثلاً، وكلاهما إسلامي صحيح. ؟ ! وقل مثل ذلك في عقوبة السرقة. فقطع يد السارق هو العقوبة القصوى لجريمة السرقة (بعيداً عن الاختلاف في تحديد اليد) ، فهناك بلاد تقطع يد السارق، وهناك بلاد تكتفي بعقوبات أخف، وكلاهما صحيح إسلامياً...؟ ! . وبذا يكون شحرور موافق للمفهوم الأمريكي للاعتدال الذي ذكرناه؟ ! انظر محاضرة لشحرور تحت عنوان: الأصولية الاسلامية إلى أين؟ نشرت على الفيس بوك بتاريخ 5-11كانون الأول 2000م.

• - هاهو شحرور استجاب لكم...فهو بجرة قلم يريد إلغاء كتب الحديث ومعها التفسير فقال – فض الله فاه -: (إن الأدبيات الإسلامية من كتب تفسير وحديث، وناسخ ومنسوخ، وأسباب نزول، ومذاهب، وطبقات رجال، وجرح وتعديل، هي ذات الكتب والأدبيات التي درستها وتبنتها حركة طالبان وأعضاؤها، وهي ذات الأدبيات والكتب التي تدرس في الأزهر، والزيتونة، وكليات الشريعة وعلوم القرآن والحديث في جامعات دمشق والقاهرة ومكة وغيرها. وما نريد قوله هو أن هذه المناهج والكتب والأدبيات بما فيها من فقه معاملات وتفسير لقوانين الكون، لا تنتج بالضرورة تطبيقياً إلا شرائح من نموذج طالبان. ؟ ! وهو قطعا كاذب فيما ذهب إليه من خيالات وأوهام، وهو يعلم من أوجد طالبان وأخواتها! وأنهم لا صلة لهم بالعلم الشرعي الا كصلة الزرقاوي والمقدسي به، هل التقاط الصورة أمام رفوف الكتب، وإطالة اللحية تمنحان الإجازة في العلوم الشرعية؟ ضع أي اسم من أسماء هولاء على ويكيبيديا جوجل يتبين لك أنهم لم يدرسوا علما شرعيا، ولو قرأوا في كتب الشريعة لن يفهموها؟ !) انظر لقاءه مع منتدى الشرفة – الجزء الأول بتاريخ / 5 2 فبراير 2010م)

- انظر: هند درويش: ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

- صالح عبد الله الغامدي: تقرير مؤسسة راند: إسلام حضاري ديموقراطي - ص111.

- لقاء الدكتور محمد شحرور مع منتدى الشرفة – الجزء الأول، المنشور بتاريخ / 5 2 فبراير 2010م، وقال: أعترف أنني لم أساهم في تقدم علم الهندسة. يوجد عندي حسٌ هندسي جيد ولكنني لست مبدعاً في الهندسة، لأن مشغليك لا يريدون إبداعك الهندسي إن وجد، ولكن يريدونك لهدم الثوابت والقيم؟ ثم قال شحرور: فالتراث الإسلامي هو نتاج غير مقدس. فنحن لدينا الآن نظماً معرفية جديدة وبأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة، فلدينا قراءة مختلفة؟ وهي ستكون تراثاً أيضاً.